|
مراجعة ومکاشفة
لم یتوقع أحد أن یبدأ خطاب القسم لمرحلة قادمة بالترکیز على کشف الأسباب التی مکنت الأعداء من النفاذ إلى ما بین ظهرانینا والمصارحة بالثغرات التی عانى منها الوعی المجتمعی والذی یجب أن یکون معیار قوتنا وأداتنا الأساسیة فی تحدی الصعاب. لم یأتِ السید الرئیس فی هذا الصدد هذه المرة على مؤامرات الخارج وتکاتف قوى الشرّ والعدوان على سوریة بل حاول استخلاص الدروس من الأحداث المتعلقة بواجبات المواطن تجاه وطنه وتمسکه بثوابته رغم کل المتغیرات والظروف.
وفنّد خطورة الحرب النفسیة الإعلامیة التی شنها الأعداء علینا خلال عشر سنوات مؤکداً أن الانتماء هو الحصن الذی یحمی الوطن مهما عتت التحدیات. حاول أن یفرز الغث من السمین فی المفاهیم والمسلّمات التی تطرح على الساحة من خارجها کل یوم، وربما لیست مصادفة أنه بدأ بالتعبیر عن إجلاله للمعلمین لأنهم صنّاع الأجیال وزارعو بذار المستقبل الأفضل.
قد تکون إحدى أهم مشاکل العرب أنهم لم یکتبوا أحداث تاریخهم بدقة ولم یعکفوا یوماً على مراجعة هذه الأحداث واستخلاص الدروس المستفادة کی تتعلم الأجیال القادمة من الأخطاء وتتجنب الوقوع فی الثغرات وتعمل على تصحیح المسار حیثما کان ذلک ممکناً. ولکن هذه المراجعة عملیة معقدة وتحتاج إلى الجرأة والثقة بالنفس والنظرة الاستراتیجیة المدى.
کما أن بناء المفاهیم الوطنیة الصرفة یعنی التخلص من المناطق الرمادیة التی یتم فیها الخلط بین الثوابت ووجهات النظر، ویعنی أیضاً الشفافیة والحسم فی المفهوم والعمل والتخطیط. هذه المراجعة الیوم تعنی أن نفهم بدقة اللغة والمفاهیم المصدَّرة لنا والتی تستهدفنا أولاً وأخیراً، وأن نتخذ منها موقفاً ونستبدلها بمفاهیمنا نحن ومرجعیاتنا نحن دون وجل أو تردد؛ وهذا یعنی فیما یعنیه تجاوز الظروف الراهنة مهما کانت صعبة أومتبدّلة والانخراط فی الرؤیة الواضحة الواثقة لنفرز من خلالها الخطوات الضروریة لتغییر هذا الواقع بما یحقق الطموح ویوجّه دفة المستقبل.
فی الثوابت أن الخیانة والارتماء فی شباک المخابرات الأجنبیة لا یجوز أن تلبس لبوس المعارضة، لأن المعارضة فی المبدأ یجب ألا تقل وطنیة وحرصاً وانتماءً عمّن یستلمون مقالید الأمور، وأما الخیانة فهی الجریمة القصوى التی یمکن أن ترتکب بحق الأوطان وعلینا أن نعرّیها ونفضح آثامها فی کل زمان ومکان.
متى یمکن للمواطن أن یکون واضحاً وصلباً فی مفاهیمه ومرجعیاته وأعماله؟ فقط حینما یحسم خیاراته بأن الوطن أولاً وثانیاً وثالثاً وإلى ما لانهایة، وأن الوطن یعلو ولا یعلى علیه، وأن إرادة العمل لیست مرتبطة فقط بالنتائج الآنیة بل مرتبطة بأن تبقى فی حلبة السباق، وحتى وإن لم تربحه علیک الاستمرار به لأنه الرهان الوحید الذی یجنبک الخذلان والخنوع.
وینسحب مفهوم الإرادة والانتماء هذا على مفهوم الانتماء للعروبة رغم کل الظروف الصعبة التی تعیشها البلدان العربیة قاطبة، ورغم الانهزامیة التی أصابت کثیراً من العرب وانعدام الثقة لدیهم بقدراتهم واحتمالات مستقبلهم، ومع ذلک تبقى العروبة هی الخلاص الحقیقی للعرب جمیعاً لأنه لا یمکن لأی بلد عربی أن ینهض بمفرده، وکل الشعارات المندسة بالنأی بالنفس أو الترکیز على الذات وإعطاء الأولویة للقطر، وکأن الامتداد العربی عبء، فهی مفاهیم وتخرصات الأعداء لمنع نهوض بلداننا والإبقاء علینا فی دائرة العجز وانعدام الحیلة. وإذا ما نظرنا وقارنّا بین المفاهیم التی یصدّرها خصومنا لنا وبین تلک التی یعملون وفقها فإننا نلحظ قمة التناقض.
ففی الوقت الذی یبثون فی کل بلداننا ضرورة التخلی عن قضایا العرب من فلسطین إلى لیبیا وسوریة والیمن والعراق نجد أن أعداء العرب یشکلون تحالفات مستمرة فی جمیع المجالات ویستمدون قوتهم من التنسیق والتعاضد والتعاون فیما بینهم، بینما یحاولون تقسیمنا إلى طوائف وأعراق وقبائل، وفی الوقت الذی ینفقون الوقت والمال والجهد لدعم ما یسمونه «المعارضة السوریة» فلا یمکن لنا أن نتخیل معارضة بریطانیة تدعمها روسیا مثلاً أو حتى ألمانیا، لأنهم یوصمون کل من یتعاون مع قوة أجنبیة ضد بلده بالخیانة العظمى، إلا فی حالتنا نحن فهم یدرجون هذه المفاهیم وکأنها مفاهیم مقبولة ولکن مقبولة فقط لنا فی نظرهم ولیس لهم.
وعلى سبیل المثال أیضاً تکتب الـ «بی بی سی» عن أطفال الدولة الإسلامیة التی اخترعوها، والمسجونین فی مخیم الهول فی سوریة دون أن یذکروا أن هؤلاء الأطفال هم نتاج الإرهابیین الذین صدّرتهم دولهم لنا لیعیثوا فساداً فی أرضنا ولیرتکبوا أفظع الجرائم بحق شعبنا.
هل یمکن لنا أن نصف المراجعة إذاً بمحاولة تنقیة للمفاهیم من کل الأفکار المغرضة المندسة علینا من الخارج ومحاولة تحلیل وفهم الأحداث وفقاً للمرجعیات الوطنیة الحصریة ولما یخدم مسیرة ومستقبل هذه الأمة؟ وهل یمکن إذاً أن نصف المرحلة الحالیة بمرحلة استخلاص العبر والدروس والبناء علیها کی لا یتمکن أحد من النفاذ إلینا مرة أخرى وکی نبنی المستقبل على أسس متینة بأفکار ومفاهیم وأیدٍ وطنیة خالصة؟ أی هل نتحدث الیوم عن حقبة الاستقلال الحقیقی؛ الاستقلال الذهنی والعاطفی والمفاهیمی عن الأعداء الذین رحلوا منذ عشرات السنین عن أرضنا ولکنهم ترکوا إرثاً آمن به البعض ودافع عنه فأثقل کاهل الجمیع وشکل عقبة دائمة فی طریق التحرر الحقیقی من ربقة الاستعمار والاستعباد.
هل من المخجل أن نتحدث عن ضرورة الاستقلال الثقافی بعد ستین عاماً من الاستقلال السیاسی؟ أم أن ذلک أصبح ضرورة وأن المخجل أکثر هو أن نستمر فی التغاضی عن مشاکل جوهریة فی مجتمعاتنا تتسبب بکارثة تلو أخرى وبنکسة تلو النکسة لأننا لا نرید الاعتراف بحقیقة ما ینغّص عملنا ویقف عثرة حقیقیة فی طریق تطورنا؟
منذ منتصف القرن الماضی حین نالت معظم الدول العربیة استقلالها من الاستعمار الغربی وجمیع العرب مستمرون فی الدوران فی فلک النظم التی استعمرتهم، سواء أکانت البریطانیة أم الفرنسیة،
غیر قادرین أو غیر راغبین بفک عرى الوشائج التی عمل المستعمر على إرسائها لیس فقط فی النظم والقوانین والأعراف وإنما فی العقول والقلوب أیضاً حیث تکمن الخطورة القصوى.
لقد نهضت الصین حین اتخذت قراراً استراتیجیاً واضحاً أنها سوف تعمل على شاکلتها متجاهلة تماماً الدعوات إلى دیمقراطیة لیبرالیة غربیة وإلى تعددیة حزبیة؛ فتمسکت بنظامها الاشتراکی وبحزبها الوطنی ووضعت الخطط وشحذت الهمم وانطلقت إلى الإنتاج والإنجاز دون أن تعیر اهتماماً لما یسطّره الآخرون عنها من تهم ومفاهیم تحاول أن تضرب أسس الثقة بالنفس. وقد ازدادت عزیمة الصین وتصمیمها على استقلالیة مسارها بعد أن شهدت کل الألاعیب والاختراعات الغربیة التی قادت إلى انهیار الاتحاد السوفیاتی والمعاناة التی خلقها هذا الانهیار لشعوب دوله والتی مازالت ارتداداتها تخلق الصعاب لهم وتقف عقبة کأداء فی طریق تقدمهم.
حین حسمت الصین خیاراتها باستقلال حضاری ثقافی مفهوماتی تمکنت من العمل والبناء والإنتاج والتقدم الحثیث؛ فهل هذا هو الیوم الذی تستخلص فیه سوریة الدروس کی تسیر فی مسار مشابه یترجم الاستقلال إلى رفضٍ لکل مفاهیم الارتهان التی یصدّرها لنا الإعلام الغربی الناطق بالعربیة وکل الاختراقات التی لا یکلّ الأعداء من دسّها بین صفوفنا؟ وهل تحوّل سوریة بهذا المسار المحنة إلى فرصة کی تقدم أنموذجاً فی الإدارة والعمل والاستقلال الحقیقی المؤسس لمرجعیات وطنیة عربیة لا تخطئ الهدف ولا تفرّط بذرة تراب مهما طال الزمن ولا تتخلى عن الأخوة فی اللغة والتاریخ والجعرافیا، ولا عن الحلفاء فی العقیدة والأخلاق والمبدأ والأهداف؟
جمیل أن ننتصر عسکریاً وأن نحرر أرضنا، وجمیل أیضاً أن نعمل على تحریر النفوس من کل مفردات التبعیة التی غرسها المستعمر الغربی کی یمنع علینا الانتصار فی معرکة البناء والتطویر.
بعد التضحیة لکسب الحرب التی شنها المستعمرون الغربیون، علینا أن نبدأ نحن وبإرادة صلبة حرباً على کل الثغرات والمخلفات التی سمحت لهم بالنفاذ إلینا من بوابات أخرى؛ فنغلقها بأیدینا ونعکف على تطویر أنفسنا وبناء المستقبل الأفضل لأجیالنا.
د. بثینة شعبان
فی ذکرى حرب تموز
سقوط أسطورة التفوق العسکری الإسرائیلی
شن الکیان الصهیونی فی 12 تموز/ یولیو 2006، عدواناً عسکریاً واسع النطاق على لبنان، واستمر 33 یوماً، وأطلق علیها حرب 33 یوماً (حرب تموز).
وشن الجیش الإسرائیلی الحرب بعد أسر جندیین من جنوده. ویبدو أن الجیش الصهیونی یحاول استعادة هیبته المفقودة منذ عام 2000 بفراره الفاضح من جنوب لبنان، معتبراً الحرب فرصة للانتقام من حزب الله اللبنانی. وقد أعلن الکیان الصهیونی أهدافه علناً منذ بدء الحرب على لبنان، وهی کما یلی:
1- تدمیر حزب الله ونزع سلاحه، إن تحقیق هذا الهدف سیریح إسرائیل من تهدید صواریخ حزب الله. والخطوة التالیة هی القضاء على حزب الله ووضع لبنان فی أیدی الأمریکیین، وهو هدف کانوا یعملون به منذ سنوات.
2- إطلاق سراح الجنود الصهاینة الذین أسرهم حزب الله اللبنانی.
3- تنفیذ القرار 1559 الذی ینص على نقل قوات الجیش اللبنانی إلى حدود فلسطین المحتلة والتخلص من خطر المقاومة.
ولکن الکیان الصهیونی کان یسعى أیضا لتحقیق أهداف غیر مباشرة أخرى من هذه الحرب:
1- إعادة هیبة الجیش الإسرائیلی بعد هزیمته عام 2000.
2- إتاحة الفرصة للولایات المتحدة للعب دور فی خلق شرق أوسط جدید.
کانت النتائج التی توقعها الکیان الصهیونی والولایات المتحدة من غزو لبنان، إضافة إلى تدمیر وجود المقاومة فی هذا البلد، هی کسر سلسلة المقاومة لدول المنطقة والتی تتکون من أفغانستان وإیران والعراق وسوریا ولبنان وفلسطین ونقاط المقاومة الأخرى فی المنطقة. وبهذا ستفرض الولایات المتحدة بسهولة نظامها العالمی الجدید على المنطقة وتسیطر دون قید او شرط على منابع الطاقة المهمة فی الشرق الأوسط وتطمئن على أمن إسرائیل. ولکن خلال وبعد حرب الـ 33 یوماً، أدرک القادة الصهاینة أن تحقیق هذا الهدف لیس میسورا.
هزیمة ثقیلة للصهاینة وهروب المستوطنین من فلسطین المحتلة
کانت هذه الحرب فی الواقع الحرب السادسة للکیان الصهیونی مع الدول العربیة، ولکن على عکس الحروب السابقة التی تمکنت فیها من هزیمة العرب فی وقت قصیر، فقد اصطدمت هذه المرة بإرادة قویة وقوة قتالیة لا مثیل لها وإدارة حرب متکاملة من حزب الله، وفی المقابل کانت إسرائیل قد تتمتع بحداثة المعدات العسکریة مقارنة بالحروب السابقة ضد حرکة المقاومة الإسلامیة ولکنها وجدت نفسها فی حرب استنزاف لا تستطیع تحملها، وفی النهایة تم انقاذها بوساطة قرار الأمم المتحدة، حیث استطاعت الخروج من المستنقع الذی کانت عالقة فیه. أدت الهزیمة الفادحة للصهاینة فی هذه الحرب إلى إضعاف الروح المعنویة للمستوطنین وسکان الأراضی الفلسطینیة المحتلة، حتى أن العدید منهم هاجروا إلى أجزاء أخرى من العالم ولم یستطع قادة الکیان الصهیونی ترمیم هذا الضعف الاساسی لرأیهم العام. ولعل أهم إنجاز للمقاومة فی حرب الـ 33 یوماً غیر المتکافئة، هو تعزیز شموخهم أمام العدو الصهیونی أکثر مما کان علیه فی الماضی. هذه القفزة فی قوة المقاومة فی کل من لبنان والمنطقة، جعلت الصهاینة یخشون من وجود مقاومة فی الحروب والتطورات الإقلیمیة. من الإنجازات الأخرى لحرب الـ33 یوماً للمقاومة هو تجهزها بأحدث الأسلحة الدفاعیة، والحصول على الوحدات الأکثر تقدماً وتخصصاً فی العملیات الهجومیة، وزیادة کمیة ونوعیة القوة الصاروخیة، والاستخبارات، سواء فی البحر اوالبر او الجو، إلى جانب. بعد الحرب ، اعترف مسؤولو الکیان رسمیاً بأن حزب الله کان عدواً داهیة. خلال حرب الـ 33 یوماً، شاهدت العدید من الشعوب العربیة، المحبطة من هزائمها التاریخیة أمام الجیش الصهیونی، المقاومة الشرسة لمقاتلی حزب الله ضد المعتدین، وعبروا عن سعادتهم بأن 60 عاما من المفاوضات والتسویات مع هذا الکیان لم تسفر عن أی نتائج، والطریقة الوحیدة لتحقیق الحق هی القتال والمقاومة ضده. فرحت الدول العربیة فی المنطقة برؤیة إصابة سفینة حربیة إسرائیلیة قبالة سواحل لبنان، وأدرکت أن المقاومة هی السبیل الوحید لمواجهة المعتدین.
أجبر الصهاینة على إنهاء المعرکة بأیدٍ ممدودة
بعد انتهاء حرب الـ 33 یوماً، أصبح واضحاً أن الصهاینة لم یحققوا إنجازات مهمة، وقد اضطروا هم أنفسهم إلى إنهاء هذه المعرکة. بالنظر إلى الأهداف المحددة سلفاً للولایات المتحدة والکیان الصهیونی لبدء الحرب ضد لبنان عام 2006، یمکن استنتاج أن حزب الله فی لبنان، إلى جانب عناصر أخرى من المقاومة، کان قادراً على المقاومة لأکثر من 33 یوماً من الحرب الصهیونیة الأمریکیة الخطیرة.
ضرب فرقاطة ساعر وتدمیر دبابة میرکافا حدثان استراتیجیان فی حرب 33 یوماً
کما ترک حزب الله اللبنانی العدید من التذکارات للکیان الصهیونی فی هذه الحرب التی کسرت عظمة الجیش الصهیونی فی المنطقة لأول مرة. کان إصابة الفرقاطة ساعر التابعة للجیش الإسرائیلی وتدمیر دبابات میرکافا المتقدمة، مجرد مثالین على هذه الأحداث الاستراتیجیة والمهمة خلال حرب 33 یوماً. تکمن أهمیة حزب الله من وجهة نظر القوى الإقلیمیة والعالمیة فی أنه عابر للحدود وجزء من محور قوی غریب عن الانقسام ولا احتمال لخروقات أمنیة، والأهم من ذلک أن قادته لدیهم السلطة المطلقة لتقریر الحرب وإدارة الأزمات الداخلیة والإقلیمیة بحنکة کبیرة ومن خلال مؤسسات ونخب متقدمة للغایة تعمل بهدوء. إنها لیست مسألة امتلاک أسلحة، لأن العدید من الحکومات والدول العربیة تنفق مئات الملیارات من الدولارات لشراء مقاتلات ومعدات عسکریة حدیثة من الغرب، لکنها لم تنجح فی حرب واحدة. بل إن الأمر یتعلق بالحصول على الإرادة وکیفیة استخدام هذا السلاح الذی سیؤدی فی النهایة إلى النصر، وکل هذا تجسد فی حرب الـ 33 یوماً. حزب الله الیوم أقوى بکثیر من حرب الـ 33 یوماً، بـ 150 ألف صاروخ وطائرات من دون طیار وخبرة میدانیة ممتازة، وإلا لما تم تحریر جنوب لبنان ولما کان الکیان الصهیونی قد ترک کل ثروة لبنان من النفط والغاز فی البحر المتوسط. بعبارة أخرى، کان میزان القوى مختلفاً تماماً. من ناحیة أخرى، یشعر الصهاینة بقلق بالغ إزاء الوضع على جبهتهم الداخلیة، رغم أنهم حاولوا ممارسة حرب محتملة مع حزب الله من خلال مناورة وخصصوا مبالغ کبیرة لجیشهم لحمایته من القصف الصاروخی من غزة او الشمال ومن صواریخ حزب الله، لکن ما تزال الجبهة الداخلیة لهذا الکیان قلقة للغایة. وفی سیاق متصل، حذر عاموس جلاد رئیس مرکز البحوث الاستراتیجیة والسیاسیة والرئیس السابق للجنة السیاسیة والأمنیة، من مشهد الصراع العسکری على الجبهة الشمالیة، واصفا التهدید على الجبهة الداخلیة ببالغ الخطورة، معتبرا أن المقاومة فی الشمال ستستهدف بصواریخها کل إسرائیل، بما فی ذلک تل أبیب، الأمر الذی یتطلب من الجیش والأجهزة الأمنیة الاستعداد التام. رغم کل الجهود التی یبذلها مسؤولو الکیان الصهیونی لطمأنة جبهتهم الداخلیة بشأن الحرب المقبلة مع حزب الله، فإن الإعلام الصهیونی یعترف بأن الإسرائیلیین لا یثقون فی أنظمتهم الدفاعیة.
عدم کفاءة القوات البریة للکیان الصهیونی
نقطة أخرى هی عدم فاعلیة القوات البریة لجیش الکیان، والتی لم تکن عملیاً فاعلة فی الحروب التی خاضتها تل أبیب ضد الجیوش العربیة، وکذلک الحروب مع حزب الله فی لبنان وحماس، ولذلک لجأت تل أبیب دائما إلى سلاحها الجوی، وهو ما یعترفون به أنفسهم. الجیش الصهیونی یخاف من المهمات الحربیة وهذه المهمات هی بالنسبة لهم کابوس، ککابوس فرار جنود الکیان من الخدمة العسکریة. من الواضح أن إسرائیل تواجه مأزقاً بسبب ضعفها فی مواجهة قدرات المقاومة. على صعید آخر، فإن سکان حیفا مرعوبون من الهجوم المدمر على مستودعات الأمونیا فی المنطقة، والتی تحتوی على أکثر من 15 ألف طن من الغاز والتی یؤدی انفجارها إلى مقتل الآلاف من سکان حیفا.
الخوف الذی یلف تل أبیب هو القدرة الصاروخیة والقدرة على تقییم وتحلیل الوضع فی المنطقة من قبل الأمین العام لحزب الله اللبنانی سید حسن نصر الله والتجارب القیمة التی اکتسبها مقاتلو المقاومة اللبنانیة خلال الأزمة فی سوریا
المصدر: موقع الوقت
بعد تحریضه على إقتحام المسجد الأقصى
هل ینجح بینیت فی فرض واقع جدید على الفلسطینیین؟
المعروف عن رئیس الوزرء الاسرائیلی الحالی نفتالی بینیت، انه من اکثر السیاسیین الاسرائیلیین یمینیة وتطرفا منذ ان کان فی المعارضة، الا انه یحاول الان ان یؤکد وبشکل عملی هذا التطرف، وان یثبت انه اکثر یمینیة من سلفه بنیامین نتنیاهو، من خلال تصریحات ومواقف مستفزة للفلسطینیین وللمقاومة الفلسطینیة.
بینیت هذا ومنذ الیوم الاول استخدم لغة عنیفة ومتطرفة مع الفلسطینیین، حیث اعلن انه سیتعامل مع البالونات الحارقة التی یتم اطلاقها من غزة، معاملة الصواریخ وسیقوم بقصف اهداف فی غزة ردا علیها ونفذ تهدیده على ارض الواقع وقام بقصف اهداف فی غزة.
واکثر تهدیدات بینیت خطورة، هی تهدیده بانه قد یجتاح قطاع غزة فی ای حرب قادمة وفی حال دعت الحاجة الى ذلک، وهی تهدیدات لم یسبقه الیها سلفه اللیکودی نتنیاهو، الذی حصر اغلب حروبه على غزة فی اطار القصف الصاروخی والمدفعی، وحاول الا یتورط فی حرب بریة مع غزة.
الیوم یکثف بینیت من تصریحاته التی یتعمد من خلالها استفزاز الفلسطینیین، وذلک عندما شجع المستوطنین على اقتحام المسجد الأقصى، بمناسبة ما یسمى ذکرى خراب الهیکل المزعوم، والذی صادف یوم الاحد 18 تموز/ یولیو، ودعا قوات الشرطة الى توفیر الحمایة لهم وبشکل کامل.
ماتم التخطیط له حصل ، فقد اقتحم أکثر من 2000 مستوطن المسجد الاقصى یوم الاحد، تحت حمایة جنود مدججین بالسلاح والعتاد، وقاموا بجولات استفزازیة فی ساحاته وباحاته. وفی المقابل قامت قوات الاحتلال بالاعتداء على المصلین والمرابطین وإخلائهم بالقوة، قبل أن تعتقل عددا منهم، وتغلق المصلى القبلی بالسلاسل الحدیدیة وتطلق قنابل الصوت باتجاه المصلین.
ردا على استفزازت بینیت ومستوطنیه، دعت الاحزاب الفلسطینیة الى الحج للمسجد الأقصى والرباط فیه لمنع الاحتلال ومستوطنیه من تدنیسه، کما حذرت حرکتا حماس والجهاد، الکیان الاسرائیلی من التمادی فی انتهاک المسجد الأقصى واستفزاز الفلسطینیین.
بات واضحا ان الاحتلال الإسرائیلی والجماعات المتطرفة یستغلون المناسبات الیهودیة لتکثیف اقتحاماتهم للمسجد الأقصى، بهدف فرض واقع جدید فیه، ومحاولة السیطرة الکاملة علیه، وحرمان المسلمین من الوصول للمسجد بالقوة.
یرى المراقبون للشأن الفلسطینی، ان استفزازات بینیت، لن یوقفها الا الفلسطینیین أنفسهم، فالفلسطینیون لا یملکون من خیار الا الرد، بعد ان ترکهم العرب والمسلمون وحدهم، وبعد ان تمادی بینیت فی استفزازاته، وهی استفزازات لا یرى فیها الفلسطینیون ای مظاهر للقوة ، بل هی على العکس تماما، استفزازات المراد منها ان یظهر بینیت بمظهر القوی والاکثر تطرفا من نتنیاهو، لذلک یعتقد انه لو ظهر بمظهر من لا یبالی بالحروب، وانه على استعداد لخوضها لاتفه الاسباب ، وانه قد یجتاح غزة اذا شعر ان هناک حاجة لذلک، کل ذلک سیجعل الفلسطینیین، یرضخون للواقع الجدید الذی یحاول فرضه علیهم، وهو واقع لن یرى النور ما دام الفلسطینیون، متمسکین بقدسهم ومقدساتهم، وعلى اهبة الاستعداد للتضحیة من اجلها، کما اثبتوا ذلک للعالم اجمع فی معرکة «سیف القدس».
فیروز بغدادی
|
|
تعليقات القراء:
تعليقات القراء:
تعليقات القراء:
|