نداء الحنين في ظلال القصف: حديثي إلى قبر أبي في مجدل سلم

د. بتول عرندس

يا أبي الحبيب، يا من يرقد تحت تراب مجدل سلم، أتيتك اليوم بحروفي الممزقة من لهيب الشوق وعذابات الغياب، أتيتك لأطمئن عليك بين هدوء التراب وضجيج القذائف التي ما فتئت تدك الأرض من حولك. آه، يا أبي، هل سمعت صوت الانفجار حين ضربوا الجامع القريب من المقبرة؟ كيف كان صداه في أعماق قبرك؟ وهل هزّك الصوت كما هزّ قلبي الموجوع حين سمعت دويّه وهو يقترب من مرقدك؟
يا أبي، كلما سقطت قذيفة على أرض المجدل، أشعر بأن جسدي يُمَزق، وروحي تتشتت هنا وهناك، وكأن صدى الألم يحملني إليك، إلى هناك، حيث لا أستطيع أن أحمي قبرك من نيرانهم، وكأنهم يحاولون أن يسرقوا مني حتى ذكراك.
يا أبي، أتساءل هل شعرتَ برهبة اللحظة حين أطبق الصمت بعد الانفجار، كأن المجدل حبست أنفاسها بأكملها خوفاً عليك؟ وهل شعرت بارتجاف الأرض وكأنها تئن من الوجع مثلي، إذ لا يملك القلب سوى أن يحترق أسىً وهو يشاهد القبور تتراقص تحت القصف؟
يا أبي، أتحدث إليك وكأنني ما زلتُ طفلة صغيرة تخشى عليك من أي خطر، فأنا أعيش الغصة ذاتها، تلك الغصة التي لا تهدأ، كأنها جرحٌ مفتوح على أمل اللقاء وعلى ألم الفراق. سامحني، فأنا لا أستطيع حماية قبرك، ولا أستطيع أن أمحو ذكرياتنا من زوابع الألم التي تزورني كلما ضربوا المجدل، كلما هزّوا أرضنا التي احتضنتك في أعماقها.
ها أنا هنا، يا أبي، أصرخ بصمتي وأتوسل للريح أن تكون حنونةً على رفاتك، وأن تهمس لك برفق بأن ابنتك لم تنسك أبداً، وأن قلبها معلّق هناك، بينك وبين صدى القذائف.
يا قبرُ إنّ الحزنَ في قلبي جَمرْ
كيفَ الحالُ عندك حينَ زلزلتَك القَذائفُ والنارْ؟
هل صَوتُ الانفجارِ وصلَ إليكَ صَاخبًا؟
أم غَطّاهُ التُرابُ فاستكانَت فيهِ الآهاتْ؟
يا مجدلَ السَلمِ ما زلتِ تُنادينَا بدموعِكَ
والأرضُ تئنُّ حينَ تَهوى عليكِ رُعودُ القَصفِ كالسِهامْ
قَبرُ أبيكَ هنا يُضمِدُ الجِراحَ بالصّمتِ
وأنتِ يا ريحُ كوني رَفيقةً لهُ في ظُلمةِ الدُجى

البحث
الأرشيف التاريخي