تم الحفظ في الذاكرة المؤقتة...
وسط تعنت زيلينسكي
مخاوف أوروبية من انقطاع الغاز الروسي
مخاوف أوروبية
مع اقتراب موعد انتهاء العقد، تتصاعد المخاوف في عدة دول أوروبية، وخاصة المجر والنمسا وسلوفاكيا، التي تسعى جاهدة لتمديد إمدادات الغاز الحيوية. وفي خطوة لافتة للنظر، قامت كبرى شركات الغاز في أوروبا الوسطى بتوقيع بيان مشترك يدعو إلى استمرار عملية النقل. وتضمنت قائمة الموقعين شركة SPP السلوفاكية ومشغل شبكة الغاز Eustream وشركة MOL المجرية للنفط والغاز ومجموعة MVM، إضافة إلى عدد من الجمعيات التجارية والعملاء الصناعيين الرئيسيين من المجر والنمسا وإيطاليا وسلوفاكيا. وفي هذا السياق، صرح فويتيخ فيرينكز، رئيس مجلس إدارة والرئيس التنفيذي لشركة SPP، بأنهم سيقدمون هذا الإعلان إلى رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، لتكون على دراية مباشرة بالتهديد الذي يواجه أمن الطاقة والأمن الاقتصادي في المنطقة.
تكشف الإحصاءات الحديثة عن اعتماد كبير للدول الأوروبية على الغاز الروسي، حيث تعتمد المجر على روسيا في 47% من واردات الغاز، بينما تصل نسبة الاعتماد في سلوفاكيا إلى نحو 90%. أما في النمسا، فقد وصلت نسبة الاستيراد من شركة غازبروم إلى 97% في يناير 2024. ويرجع الخبراء الاقتصاديون هذا الاعتماد الكبير إلى وجود بنية تحتية راسخة تتمثل في خطوط أنابيب نورد ستريم ويامال وخطوط العبور عبر أوكرانيا، إضافة إلى العقود طويلة الأجل التي تضمن استقرار إمدادات الغاز.
التحديات الجغرافية والبدائل المحدودة
تواجه دول أوروبا الوسطى تحديات استثنائية بسبب موقعها الجغرافي، إذ أن كونها دولاً حبيسة محاطة باليابسة يجعل الوصول إلى الغاز الطبيعي المسال أمراً بالغ الصعوبة. وتزداد التكاليف بشكل كبير في حال البحث عن بدائل، مع محدودية خيارات النقل المباشر. وعند النظر إلى البدائل المتاحة من النرويج والجزائر وجمهورية أذربيجان، نجد أن هذه المصادر مجتمعة لا تستطيع توفير سوى 45 مليار متر مكعب سنوياً، مما يخلق عجزاً يقدر بنحو 15 مليار متر مكعب في أسواق دول الاتحاد الأوروبي المنفردة.
موقف الاتحاد الأوروبي وتداعيات الأزمة
يتخذ الاتحاد الأوروبي موقفاً متشدداً من المسألة، حيث نقلت وكالات اعلامية عن متحدث باسم المفوضية الأوروبية تأكيده أن المفوضية لا تدعم أي مناقشات حول تمديد العقد ولا أي حلول أخرى للحفاظ على تدفقات العبور، كما أنها لم تشارك في أي نوع من المفاوضات بهذا الشأن. وقد أدى هذا الموقف المتشدد إلى تداعيات خطيرة، منها ارتفاع أسعار الوقود بنسبة 45% خلال عام 2024، مع تراجع سريع في المخزون بسبب موجة البرد. كما تشير التوقعات إلى احتمال ارتفاع الأسعار في الربع الثاني من 2025، في حين انخفضت مخزونات الغاز في المنشآت الأوروبية بنسبة تتراوح بين 3 و5% مقارنة بالسنوات الخمس الماضية.
الموقف الروسي والآثار الاقتصادية
كشف نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك عن حقائق مهمة تتعلق بصادرات الغاز الروسي، مشيراً إلى تصدير حوالي 50 مليار متر مكعب من الغاز في الأشهر الأحد عشر الأولى من العام الحالي. كما توقع وصول صادرات الغاز الطبيعي المسال إلى 33 مليون طن بنهاية 2024، مؤكداً استمرار الطلب على الغاز الروسي رغم العقوبات، نظراً لكونه منتجاً صديقاً للبيئة وأكثر فعالية من حيث التكلفة. وفي هذا السياق، أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مؤتمر صحفي عقده يوم 19 ديسمبر أنه لن يكون هناك عقد جديد لنقل الغاز عبر أوكرانيا، وهو ما يتوافق مع تصريحات النظام في كييف الذي أكد مراراً عدم نيته تمديد الاتفاقية.
تأثير العقوبات والخسائر الإقتصادية الأوروبية
تفاقمت الأزمة بشكل ملحوظ بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة على بنك غازبروم الروسي، الذي كان يتولى معاملات الدفع لمستوردي الوقود الروسي. وقد أدى هذا الإجراء إلى تعقيد كبير في عمليات الدفع والتسوية المالية، مع زيادة ملحوظة في تكاليف المعاملات وظهور صعوبات جمة في تنفيذ العقود القائمة.
لقد ألحق الاتحاد الأوروبي أضراراً بالغة باقتصاده نتيجة رفضه التعاون مع موسكو، حيث شهدت دول الاتحاد تراجعاً ملحوظاً في الإنتاج الصناعي وزيادة في حالات الإفلاس، مما أدى إلى دخول العديد من دول الاتحاد في حالة ركود اقتصادي. كما أدى التوجه نحو مصادر الطاقة البديلة، وخاصة من الولايات المتحدة، إلى ارتفاع كبير في تكاليف الطاقة.
تقف أوروبا اليوم أمام معضلة حقيقية تتمثل في الموازنة بين طموحاتها السياسية ومتطلباتها الاقتصادية. فبينما يصر الاتحاد الأوروبي على القطيعة الكاملة مع قطاع الطاقة الروسي، تواجه دول أوروبا الوسطى تحديات عملية في تأمين بدائل مجدية اقتصادياً. ومع اقتراب نهاية عام 2024، يبدو أن المنطقة تتجه نحو أزمة طاقة جديدة قد تكون لها تداعيات اقتصادية واجتماعية وسياسية عميقة. ومن الجدير بالذكر أن روسيا لم تمتنع عن تزويد أي دولة بموارد الطاقة الخاصة بها، حتى عندما توقع الاتحاد الأوروبي انهيار الاقتصاد الروسي بسبب فقدان عائدات الطاقة. ومع ذلك، يبدو أن بروكسل مصممة على المضي قدماً في سياستها، حتى لو كان ذلك على حساب اقتصادات دول الاتحاد الأوروبي، وخاصة دول أوروبا الوسطى المحاطة
باليابسة.