شهيد الدّفاع عن المقدّسات علي عباس إسماعيل ”كرار”
توقّعت أمّه وهي تحضّر له حقيبته، أنّه سيهرب في الأسبوع الأوّل من دورة المقاتل، دون أن تدرك أنّ الدورة تلك ستكون المنعطف الأساسيّ الذي سيغيّر نظرة عليّ إلى الحياة.
ما السرّ؟
لم تكن الدورة سهلةً عليه، فهو كان صغير السنّ نسبيّاً وقتذاك، وقد سعى أهله لإلحاقه بها كي يشحن روحه من ذاك العالم الروحيّ الجهاديّ بموازاة المراهقة التي يرتع في سنواتها، وإذ به يحوّل المعسكر إلى ساحةٍ من نوعٍ آخر، يتخلّلها مقلب هنا، ومخالفة هناك، وانصياع تامّ ومفاجئ للقرارات، وتنفيذٌ متقن للمهارات، فحار المدرّبون في أمره، إذ كيفَ لمشاغبٍ مثله أن يُتقن عمله؟
الفتى الديناميكيّ
لم تكن تربية إبني علي سهلة، تقول والدته إذ كان صعباً عليه التقيّد بقوانين المنزل، فهو يحبّ أن يعيش أيّامه ببساطة ومن دون أيّ تعقيد، كما كان يعبّر في أجواء من الفرح والضحك والمزاح، ملتزماً بالحدود الشرعيّة وقواعد التهذيب. وعندما يكون في الطريق، تراه يصافح هذا ويسلّم على ذاك، ويتحدّث مع أكثر من شخص في لحظة واحدة! كلّ هذه الحيويّة حوّلته إلى ظلٍّ متنقّل من الحبِّ والبهجة خصوصاً في الجبهة.
أمّا في الدورات التي كان يشارك فيها، فعلى الرغم من غيابه الطويل عن البيت، إلّا أنّ أخباره الحافلة كانت ترد إلى مسامع أبويه من حين إلى آخر، فتارةً يتلقّيان مديحاً وأخرى شكاوى، كيف لا وهو ذاك الشابّ الذي لا يعرف السكون، ناهيك عن تحويل خيمته إلى مطعم لرفاقه حيناً، ومكاناً للعب والمزاح حيناً آخر.
عاطفة جيّاشة
ساهمت بيئة المنزل المتديّنة والمجاهدة التي نشأ فيها عليّ بتحصينه وتقوية عزيمته. وكان الوالدان يتعاملان مع أولادهما الثلاثة كأصدقاء، أمّا الإخوة فكانوا كجسد واحد يؤازر بعضه بعضاً، وهذا ما غرس فيه بذور العاطفة التي كان يُظهرها بشكلٍ واضح في الكثير من المواقف.
وقت الجدّ والعمل
مع احتدام المعارك في سوريا، ما عاد جميع أفراد الأسرة يتحلّقون معاً حول المائدة، وتحوّلت سهرات الأنس إلى ساعات انتظار طويلة، إذ سرعان ما التحق عليّ بالجبهة بعد إلحاح منه، في ظروف قتاليّة ومناخيّة صعبة، تاركاً خلفه كلّ تلك الذكريات المليئة بالصخب والضحكات.
معراج الشهادة
كانت مهمّة عليّ ورفاقه السيطرة على تلّة عالية جدّاً، وقد أخذ العطش من المجاهدين كلّ مأخذ، لكنّهم ثبتوا، وسقط منهم عدد من الجرحى، أما علي فقد فاحت رائحة عطر جميل من موضع إصابته في عنقه، وارتقى شهيداً. استشهد قبل بلوغه الثامنة عشرة من عمره بشهرين في شهر آب / آغسطس 2014م، وقد نجح في امتحانات الشهادة الرسميّة، ولكنّ نجاحه الأبرز كان في نيله تلك الشهادة الحقيقيّة التي وضعها نصب عينيه منذ أن عاد من دورة المقاتل.