هكذا ينتصر «لبنان» على الإمبراطورية الصهيوأميركية الزائلة من الوجود !
د. أنور الموسى *
طبقا لمقولة: «من حفر حفرة للمظلومين وقع فيها»، ليس من المغالاة التأكيد أن أمبراطورية الطغاة الصهاينة ومن وراءهم، هزمت حتى النخاع في لبنان، كما هزمت «الحمامة» الفيل الذي هشم بيضها، فأوقعته بالبئر عقابا له، بعدما فقأت عينيه ليكون عبرة لمن اعتبر... وهذا الكلام ليس عاطفيا أو مجافيا للحقيقة، لأن الوقائع تؤكد أن «الفئة القليلة غلبت الفئة الكبيرة بإذن الله»، فما مؤشرات هذا الانتصار التاريخي وخسارة إمبراطورية الاستعمار تلك؟ وما عوامل النصر؟ وهل نحن أمام رسم معالم عالم جديد؟!
ننوه بداية إلى أنه مر نبأ ذات دلالة بالغة على انهزام الطغاة، مرور الكرام؛ مفاده العثور على قنبلة أميركية ضخمة MK-84 غير منفجرة، رماها أعداء البشرية الصهاينة على المدنيين لم تنفجر، وعثر عليها الجيش اللبناني في الضاحية الجنوبية لبيروت، تزن 907 كغ، من سلسلة Mark 80 ذات التأثير التفجيري الهائل، طولها 3.84 مترا، وقطرها 460 مليمترا، وقادرة على اختراق 38 سم من المعدن أو 3.4 متر من الخرسانAsXR.
فهذا أنموذج بسيط مما يرمى بشراسة على لبنان من أسلحة فتاكة مدمرة، تبيد المدنيين والأطفال والنساء والحياة بلبنان، وتزيل قرى عريقة انيقة، وأبنية شاهقة، مخلفة سموما لا تطاق، ولا تحتاج إلى تحقيق دولي للقول: إنها أسلحة محرمة دوليا!
لكن هذه الأسلحة التي تستخدم برا وجوا وبحرا، لم تستطع حتى الآن لي ذراع المجاهدين في الجبهات، بل على العكس، زادتهم بسالة وقوة، على الرغم من الآلام والتضحيات والأشلاء وقتل الأطفال حتى الرضع منهم!
فبمجرد الحديث عن صمود أسطوري للمجاهدين أمام الأسلحة الفتاكة؛ هذا يعد بحد ذاته إنجازا باهرا، له بعده الاستراتيجي والتكتيكي.
وليس أدل على مؤشرات الانتصار من التقهقر البري لجيش الغزاة الذي حاول اقتحام الجنوب اللبناني خلال شهر ونصف، فأخفق وتراجع وهزم شر هزيمة... مع أنه نسف مناطق شاسعة ودمرها، وجعلها أرضا محروقة، وعجز عن المكوث ببيت واحد بعدما رمى آلاف الأطنان من المتفجرات بمؤازرة الدول الكبرى وأقمارها التجسسية وأسطولها الضخم عابر القارات!
نعم، تقهقر الغزاة مذلولين، وهم يبكون أو ينتحرون ويولولون، مدعين أن قادتهم أصيبوا بحادث سير، وكأنهم يكذبون الكذبو ويصدقونها.. وكأن قادتهم كانوا يتنزهون في رحلة هانئة بالجنوب!
أجل، شهدت الخيام وكفركلا وعيترون وبنت جبيل ويارين ومروحين وغيرها من المناطق الحدودية، على الخيبة والهزيمة الصهيونية بامتياز... فمجاهد واحد شاهدناه يوقف جحافلهم ويرجف قادتهم، ما اضطرهم إلى الاستغاثة بالطائرات ورمي صواريخ باهظة الثمن عليه.... فما رف لهم جفن اقتصادي، ما دام هناك من سيدفع ثمن هذا الصاروخ من أموال الأمريكيين ونفط العرب!
ومؤشر دامغ على الانتصار، يتمثل في فشل مدو لأهداف الحرب المعلنة تجاه لبنان، لعل أبرزها فصل جبهة لبنان عن غزة... وهو حلم داسه المقاومون تحت أرجلهم، بعدما وصلت صواريخهم إلى مشارف غزة وتل أبيب وداخلها، وفي عمق حيفا، وغيرها، مستهدفة حتى منزل نتنياهو، فضلا عن المطارات الحيوية التي لم نكن لنحلم باستهدافها كمطار بن غوريون والصناعات الاستراتيجية.
ومؤشر إخفاق الأهداف يتعانق وفشل هدف عودة سكان الشمال المغتصبين إلى بيوتهم، العكس حدث بالفعل، إذ بات الشمال غير قابل لسكن الطغاة، بحيث دمرت مستعمراته كالمطلة وكريات شمونة... ودمرت مراكز حيوية حولها الغزاة من قبل إلى متاريس وتجمعات غزو واحتلال...فلا أهل الشمال عادوا ولا حتى سكان حيفا وعكا وتل أبيب شعروا بالأمان نتيجة دك مناطقهم العسكرية بصليات صواريخ ثقيلة، ناهيك بتوسيع دائرة التهجير والفرار... لدرجة أن نتنياهو شوهد وهو يهرول خوفا تحت الأرض، في مشهد مخز ومذل لهم... لم لا وهم ذوو عشق حياة وإن كانت حياة ذل.. في مقابل مشهد نضال مشرف أظهره استشهاد السنوار والقادة المجاهدين...
ومن مؤشرات النصر أيضا استمرار دك الأراضي المحتلة بما فيها تل أبيب بصواريخ نوعية لا يزال اللصوص الصهاينة يتكتمون عن خسائرهم الهائلة فيها.. فلا المقاومون أوقفوا رمي الصواريخ ولا هم استطاعوا إبعاد شبح التهديد... بل على العكس، زادت الصليات المطاردة لهم كما ونوعا ودقة وتدميرا وتحريرا...
وهكذا، بات الاحتلال في تهديد حقيقي لوجوده، مضافا إلى تقهقر اقتصاده ومعامله وزراعته وسياحته... فلجأ إلى سياسة الهرب إلى الأمام، من خلال محاولته توسيع الحرب والتصديق على خطط جديدة، وما تفجير حقول الألغام في الجولان المحتل، والتي كانت معدة لمنع تسلل الفدائيين منذ عشرات السنين، سوى مؤشر إلى محاولته اقتحام البقاع اللبناني من الجولان، فجاء ذلك بعد عجزه عن اقتحام الجنوب، فهل هذا دليل تعاف...؟
على العموم، ومع الألم والتضحيات، لا زالت بيئة المقاومة وأهلها وأنصارها متمسكة بهذا الخيار... فهم صامدون وإن نزح بعضهم... وإن دمرت أرزاقهم... في المقابل نجد الهرب من التجنيد في الكيان المسخ وانتحار قادته وجنوده.... ودمار دباباته وجرافاته على أيدي القلة المجاهدة... ونجد التبريكات الغزيرة بالشهادة.
صفوة القول: لم يعد للصهاينة خيار في فلسطين سوى الهرب والعودة إلى حيث أتوا أو الانتحار أو الغرق بالبحر.. قبل فوات الأوان... كون ما يحدث من قتال أسطوري يبديه المجاهدون، سيطبق فعلا مقولة: إن إسرائيل ستزول من الوجود، كما أن أعداد الصهاينة الهاربين والذين يحضرون «شنطهم» أكثر من أن يحصى... وسط شكوك في قبول أوروبا هؤلاء على أراضيها بعدما شاهدنا صفعهم في هولندا وخوفهم من حضور مباريات باريس.. فهل ستستقبلهم عشيقتهم أمريكا أو يحتضنهم المطبعون العرب؟!
* كاتب وأديب لبناني