السيّد نصر الله ومدرسة الولاء للقيادة الدينية وحفظ الهوية الوطنية
الشيخ علي خازم *
ب. الحفاظ على الهوية الدينية
فيما يتعلق بالهوية الدينية حرص السيد حسن نصر الله (قدس) على أن يقوم بدوره التبليغي الديني رغم الأعباء السياسية والعسكرية مستفيدا من موسمي شهر رمضان وشهر محرم والمناسبات الدينية أو السياسية الخاصة، وتميّز خطابه الديني بالتسلسل المنطقي والعرض السلس الذي يوصل المعلومات والمفاهيم الى مختلف طبقات المجتمع، وركز السيّد نصر الله (قُدّس) على أهمية أن يتمسك المجتمع الشيعي بهويته دون أن يكون ذلك عائقاً أمام اندماجه في الوطن. وقد قال في خطبة عام 2013: "نحن نتمسك بهويتنا الدينية لأنها جزء أساسي من كياننا، ولكننا في نفس الوقت حريصون على أن نحافظ على لبنان وطن الجميع. الدين هو ركيزة أخلاقية وليس سبباً في الانقسام".
هذا هو الفهم العميق للسيّد نصر الله (قُدّس سره) للهوية الدينية باعتبارها بُعداً داخلياً يعزز الانتماء الوطني ولا يعزله عنه.
الاستقلالية الوطنية والدفاع عن الحدود
بناء على اعتبار لبنان وطنا للجميع، فإن السيد نصرالله قدس سره انطلق مع المؤسسين في إطلاق المقاومة الإسلامية بتوجيهات وفتوى الإمام الخميني (رض) واستمرارا بعناية ودعم الإمام الخامنئي والتزاما باستكمال مسيرة الإمام السيد موسى الصدر الذي أكد في أكثر من مناسبة، بدءاً من مهرجان بعلبك 17/3/1974 حيث قال سماحته "نريد أن نستعد، نريد أن نربي جيلاً كي يتمكن من حمل السلاح بيد والمنجل باليد الاخرى لذلك نحن بحاجة ملحة إلى التدريب العسكري، وطالبنا الحكومة بذلك، وليس هناك من مجيب، نحن مضطرون إلى تدريب أولادنا وتسليحهم لكي نحفظ كرامة بيوتنا ونحفظ أعراضنا ونؤدي دورنا في صيانة الوطن.".
وقد كان لسماحة السيد نصر الله رؤية استراتيجية نافذة وحكيمة ثبت صوابها باعتماده الدفاع عن سيادة واستقلال لبنان وسوريا حتى في داخل الأراضي السورية ضد التنظيمات التكفيرية جبهة النصرة وداعش وغيرها، الأمر الذي دفع خطر الإرهاب عن لبنان بحدوده ومواطنيه باختلاف مذاهبهم.
الإلتزام بمشروع الدولة الواحدة مقابل مشاريع التقسيم والفدرلة
اعتبر عدد من السياسيين اللبنانيين أن لبنان (وهو دولة منشأة حديثا في حدودها الجغرافية) قد وجد لخدمة طائفة معينة وفق الأوضاع السياسية السائدة في المنطقة حينها، ووفق مقتضيات وجود الانتداب الفرنسي، ووفقا للحجم السكاني لكل طائفة فضلا عن المستويات العلمية المتفاوتة والقدرة على القيام بوظائف الدولة فضلا عن الالتحاق بها. ومع التغير الحاصل في الوضع الداخلي (ديموغرافيا وتعليميا وثقافيا) في مقاطع تاريخية متعددة، واقتضائه تغييرا في قدرة المسلمين على الإمساك بمفاصل مهمة في الدولة، انقلب بعض الطائفيين على فكرة الدولة الواحدة وجاؤوا بعدة طروحات تقسيمية ونظّروا لها. فيما بقي الموقف الإسلامي وخصوصا الشيعي واحدا معارضا لأي طرح تقسيمي سواء على مستوى المرجعية الروحية الرسمية للطائفة وهي المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى أو على مستوى قواها التنظيمية السياسية (حركة أمل وحزب الله )، وكان سماحة السيد نصر الله(قدس) معبّراً عن هذا الموقف بكل وضوح. فمما قاله (قُدّس) في كلمة له خلال إحياء سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في بيروت الذكرى الثانية والعشرين لرحيل الإمام الخميني (قدس) 2011:
"نحن في لبنان جميعاً نريد الدولة ونؤيد مشروع الدولة. ومن حيث المبدأ أنا لا أعتقد أن أحداً في لبنان من اللبنانيين لا يريد ذلك. اتركوا المزايدات على جنب، يعني بين 8 آذار و14 آذار وعندما تتعقد الحكاية بين بعضهما "هؤلاء يقولون لا يريدون الدولة وأولئك يقولون أيضا هم لا يريدون الدولة". لا، أنا شخصياً أعتقد أنه لا يوجد بين اللبنانيين أحد مهما يكن إلا ويريد الدولة في لبنان، ومشروع دولة في لبنان. طبعاً نختلف كيف تكون الدولة وما هي الدولة، هذا بحث آخر. أنا أتكلم بالمبدأ، الكل عاش خلال عقود من الزمن في لبنان تجارب مؤلمة جداً، تجارب أمن الميليشيات (الأمن الذي تحققه الميليشيات للناس)، تجربة الإدارات المحلية، تجربة الكانتونات المغلقة، وخطوط التماس، وحصد اللبنانيون نتائجها. لبنان لا يحتمل لا دويلات ولا كانتونات ولا إدارات محلية، أي أمن ذاتي سيكون فاشلاً وعاجزاً ومأزوماً، نحن نؤمن بأن شرط الوحدة والأمن والاستقرار والتطور والنمو في لبنان هو قيام دولة واحدة حقيقة".
وأعلن (قدس) في نفس الخطاب:
" من أوجب الواجبات الحفاظ على مؤسسات الدولة، على بنية الدولة، بمعزل عن واقعها المتعثر هنا أو المرتبك هناك. كل مؤسسة من مؤسسات الدولة اليوم يجب أن نعمل على الحفاظ على وحدتها على تماسكها وخصوصاً المؤسسات الأمنية وبالأخص المؤسسة الوطنية، الجيش اللبناني، لأن الحفاظ على بنية الدولة هو الذي يحافظ على وحدة البلد، على أمن البلد، على استقرار البلد، في الحد الأدنى لا يأخذنا إلى المخاطر، إن لم نستطع أن نحقق الإيجابيات المنشودة. هذه مسؤولية كبيرة وددت اليوم أن أؤكد عليها".
بل ان سماحته رفع سقف التحدي إلى القول في خطاب احتفال ذكرى الشهداء القادة 2023 :
" من يريد أن يدفع لبنان الى الفوضى أو الانهيار عليه أن يتوقع منا ما لم يخطر في بال او وهم وان غداً لناظره قريب".
* أمين سر مجلس الأمناء
تجمع العلماء المسلمين في لبنان
يُتبع...
الفهرست:
- الخلفية الفكرية والمدرسة الصدرية بين لبنان والنجف الأشرف.
أ. السيد موسى الصدر: التركيز على البعد الوطني والتعايش.
ب. السيد محمد باقر الصدر: توظيف البعد العلمي والأخلاقي.
- تحليل الخطب والمواقف الخاصة بالسيد حسن نصر الله.
أ. التعايش الوطني.
ب. الحفاظ على الهوية الدينية.
- الاستقلالية الوطنية والدفاع عن الحدود.
- الإلتزام بمشروع الدولة الواحدة مقابل مشاريع التقسيم والفدرلة.
- الدروس الفكرية من الإمام السيد موسى الصدر وأثرها في فكر السيّد نصر الله (قُدّس).
- علاقة السيد حسن نصر الله (قُدّس) بولاية الفقيه من خلال كلماته عن الإمامين الخميني والخامنئي.
- الاستقلالية الوطنية والتبعية لولاية الفقيه.
- العلاقة مع القيادات الدينية الشيعية اللبنانية المخالفة لولاية الفقي.
- الخاتمة والتوصيات.