عضو المجلس المركزي في حزب الله للوفاق:
السيد الشهيد صفي الدين من الثلة القليلة التي باعت نفسها لله
تعكس مشهدية استشهاد قادة المقاومة معركة الحق كله ضد الباطل كله، واجه سماحة السيد الشهيد هاشم صفي الدين كأخيه سيد شهداء الأمة سماحة السيد حسن نصر الله ، باسم الأمة العربية وأحرار العالم والتاريخ أحقر البشر وأقساهم، من يشيعون الإبادة في جميع الأراضي العربية المحتلة، دفاعاً عن المستضعفين والمظلومين، في عالم أصم وأبكم وأعمى لا يكترث لأبشع ما مارسه الإنسان على مدار تاريخه بأكمله. وفي هذا السياق وحول شخصية الشهيد السيد هاشم صفي الدين وجهاده وعلاقته بسيد شهداء المحور حاورت صحيفة الوفاق عضو المجلس المركزي في حزب الله الشيخ حسن بغدادي، وفيما يلي نص الحوار:
عبير شمص
أفنى حياته خدمةً للمقاومة ومجتمعها
يتحدّث الشيخ البغدادي بدايةً عن الصديق السيد الشهيد صفي الدين والذي يعدّه من الثلة القليلة التي باعت نفسها لله، وكان يوصل الليل بالنهار كي يرفع من شأن المقاومة وحزبها ومجتمعها، وهذا كان يتطلب على المستوى الشخصي أن يتمتع بمواصفات إستثنائية من الوعي والإخلاص والصبر الذي يصعب غالباً على كثير من الخواص فضلاً عن عامة الناس؛ أنا أتحدث عن شخص بدأتُ علاقة عمل معه وصداقة منذ خمسٍ وثلاثين سنة، وفي كلّ مرة كنت أرى فيه الشخص الذي يعمل على تربية نفسه وترويضها، وحتى في جلساتنا العملية المرتبطة بالعمل كنّا نأخذ قسطاً من الوقت في الحديث عن علماء كانوا مدرسة في الأخلاق والتربية وكنت أرى منه الإهتمام الشديد لمعرفة سيرة هؤلاء العظام كي يتأثر بهم ويقتفي أثرهم، وكان يُحب الإستماع إلى هذه الأحاديث وكان يستشهد بها أثناء محاضراته أو جلساته التنظيمية، وعن قرب أعرف في السنوات الأخيرة أنه ألزم نفسه ببرنامج تربوي خاص في عملية تربية النفس وتهذيبها.
ويلفت الشيخ البغدادي إلى أنه "لعلّ ما ميّز السيد هاشم عن غيره سعة أفقه وقدرته على استيعاب الأمور سواء ما كان مرتبطاً بتفكير وسلوك الأشخاص أو ما يتعلق بالمشاريع، وهذه كنا نتحدث بها، وكان يُظهر امتعاضاً شديداً من دون أن يؤثر هذا الغضب على طريقة المعالجة، وهذه هي طريقة القادة في المعالجة، لم يمزج بين غضبه واعتراضه وبين استيعابه لمعالجة هذه الأمور، ولطالما كنّا نتحدث بهذه القضايا وكان يُعجبني فيه صبره وقدرته على التحمل وطريقة معالجته بشكل تؤدي الغرض ولا تكسر الآخرين، هي الحكمة بنفسها، وكان يحرص على إظهار الإحترام للغير حتى لو لم يكن يستحق ذلك. وأختم هذه الفقرة بذكر بعض الصفات الحميدة التي تمتع بها الشهيد السيد هاشم صفي الدين، فقد كان كريماً ولم تمنعه قلة الموارد في بعض الأحيان من العطاء حتى ولو اضطرّ للإستدانة، إذ كان يتفهم الحاجات الملحة ومن دون منّة، كما كان عميق التفكير لا يستعجل بمعالجة الأمور، حتى أنه كان يرفض طريقة المعالجة لبعض الإخوة، وعندما كنا نتحدث بهذا الموضوع قال لي: "أنا مراراً قلت لفلان لا تحتاج الأمور إلى هذه الحدة ويمكن معالجتها بأقل من هذا فالأشخاص لهم طبائع مختلفة".
رئيس المجلس التنفيذي
يسرد الشيخ البغدادي المحطات الجهادية في حياة الشهيد السيد هاشم صفي الدين والتي بدأت معه منذ بدايات شبابه وقبل التوجه إلى مدينة قم المقدسة للدراسة وهناك تفرغ للدراسة الحوزوية؛ ولكن كان قلبه مع حزب الله والمقاومة الإسلامية وعندما كان يزور لبنان في فصل الصيف كان يقوم بدور تبليغي، ولم يكن من نيته ترك مدينة قم المقدسة حتى طلب منه سيد شهداء المحور سماحة السيد حسن نصر الله البقاء في لبنان وهذه سمعتها مباشرة من السيد نصر الله نفسه. في بدايات تسعينات القرن الماضي بدأ السيد هاشم بمهام تنظيمية في منطقة بيروت، بعدها انتقل إلى الجنوب حيث عُهد إليه مسؤولية المنطقة، وسرعان ما بدأ الحديث عن تطور في موقعية السيد هاشم صفي الدين ليتعين لاحقاً في شورى القرار ويُصبح رئيس المجلس التنفيذي في الحزب، كان الحمل ثقيلاً لكن تجربته في المناطق ووجود سماحة السيد نصر الله إلى جانبه جعل الحمل يخف عليه مضافاً لحمايته التامة من التشويش عليه لو أراد أحد أن يفعل ذلك، وسرعان ما أصبح السيد الشهيد صفي الدين يحظى بدور ومكانة داخل المجلس الجهادي وبالتدريج استطاع رحمه الله من حجز مكانة مميزة داخل مؤسسات حزب الله وعند العلماء والفعاليات المختلفة ولدى جمهور حزب الله حتى بات يُنظر إليه أنه الخليفة المؤكد للشهيد السيد نصر الله لو أُصيب بأي مكروه، هذا من حيث الظاهر؛ لكن الله أعلم بمصلحة عباده "وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم" ونحن من الذين نؤمن بالرسالة السماوية وبرب العالمين وبإمامنا صاحب الزمان(عج) ولسنا من جماعة أُحد الذين قال لهم تعالى: "وما محمد إلاّ رسول قد خلت من قبله الرسل"؛ وأستطيع القول وعبر عملي المباشر مع سماحة السيد هاشم صفي الدين لسنوات طويلة وصداقتي له، أقول: كان ناجحاً جداً في عمله وقدرته على العمل واستيعابه للأمور كانت رائعة والشخص البديل عنه حتى ينجح في عمله يجب عليه أن يدرس بدقة الأسلوب والنهج الذي خطه، ومع ذلك سيتُعب من بعده وليس من السهولة أن يأتي مثله بسهولة؛ لكن المهم في هذه السنوات استطاع السيد هاشم أن يُمسك بمفصل التنظيم ويضعه على السكة الدقيقة ويضع معايير لكل وحدات وملفات ومؤسسات حزب الله، حيث باتت جميعاً تعمل طبق قوانين مدروسة ومترابطة مع بعضها من دون تداخل يُخلّ بوظيفتها تحت سقف مرجعيته، وهذه لم تكن مسألة بسيطة لحزب بهذا الحجم، وهذا يُسجل للشهيد السيد هاشم وسيبقى طيفه حاضراً إلى ما شاء الله".
علاقة أخوة وقرابة وجهاد جمعت بين السيدين
يشرح الشيخ البغدادي بأن "العلاقة بين السيد حسن نصر الله والسيد هاشم صفي الدين كانت مركبة من رحمية وصداقة وعمل، فأُمّ السيد حسن رحمها الله من آل صفي الدين، وفي مدينة قم المقدسة نشأت صداقة وتواصل معه، وشكّلت معرفة السيد نصر الله بالسيد هاشم قناعة بضرورة حضوره إلى لبنان والتصدي لمهام أساسية في حزب الله، حيث أن وجوده سيكون نافعاً جداً لهذه المسيرة التي حملت على عاتقها مسؤولية حماية التشيع والمحافظة على وحدة المسلمين ومواجهة الإحتلال الصهيوني وحماية لبنان والدفاع عن المقدسات، وهذه أنا كنتُ شاهداً عليها منذ عام ١٩٩١م عندما قال لي السيد نصر الله: "أنا طلبت من السيد هاشم صفي الدين والشيخ نبيل قاووق البقاء في لبنان وترك السكن في مدينة قم المقدسة"، ويوماً بعد يوم كانت قناعة السيد نصر الله تزداد بأهمية وجود السيد هاشم الذي كان يعرف بالدقة ماذا يُريد السيد نصر الله وكان يستفيد من تجاربه ونصائحه، كما كان السيد هاشم حريصاً على عدم إزعاجه حتى في أبسط الأمور، هذه كانت تُزعج البعض وتعتبرها ضعفاً من السيد هاشم أو تملقاً؛ لكن السيد صفي الدين كان له اعتقاد تام بالسيد نصر الله وبخبرته الطويلة لذلك كان يرى الرشد باتباعه والإنصياع التام لما يراه، ولم يأبه بهذا الإنتقاد، في السنوات الأخيرة كان للشهيد السيد نصر الله اهتمات كبيرة خارج الإطار التنظيمي. هنا بدأ السيد هاشم يُحرر نفسه من بعض القيود وكان هذا يلقى تشجيعاً منّا، كنا نرى ضرورة أن يأخذ السيد هاشم مكانه الطبيعي كما لو أنه الرقم الأول وهذا له علاقة
بمصلحة العمل".
ويؤكد الشيخ البغدادي: "أنا شخصياً من خلال عملي لسنوات مع سماحة السيد حسن نصر الله كنتُ أدرك وأشاهد مكانة السيد هاشم عنده، وحتى بعض الجلسات التي كانت تجمعنا مع السيد نصر الله بحضور السيد هاشم كنتُ ألاحظ بوضوح الاحترام الشديد والحب الذي يكنّه السيد نصر الله للسيد صفي الدين، وكان السيد رحمه الله يُرجع الكثير من القضايا للسيد هاشم لثقته به ولمعرفته بقدرته على تحمل هذه الأعباء، مضافاً لتمكينه أن يكون البديل له لو أُصيب بمكروه، هذا لم يُصرح به لكنه كان معروفاً للقاصي والداني".
تأثير استشهاد القادة
بدايةً، يجب أن نعتقد بالأجل وأن الموت حق وهذا بيد الله وحده، ومسألة شهادة أو موت القادة تدخل ضمن السنن الإلهية التي اعتدنا عليها ونبّه إليها القرآن الكريم أن موت الأنبياء أمر طبيعي ولا يجوز للأمة أن تتراجع عن إيمانها وثباتها برحيل القادة، وعلينا أن نعتقد ونؤمن بأن صاحب الرسالة السماوية هو الله (سبحانه وتعالى)، فقال عزوجل: "إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون"؛ لكن فقدان هؤلاء القادة من ناحية الخسارة الظاهرية والإرتباط العاطفي لا تُقدر ولا يمكن وصفها، ونفس السيدة الزهراء(ع) عندما عاد المسلمون من دفن النبي(ص) قالت لهم: "وهل استطعتم أن تدفنوا نبيكم؟" تتحدث (ع) عن العاطفة والارتباط العضوي، بهذا المعنى خسارة القادة الذين هم النموذج القدوة لا يُقدر ولا يمكن وصف تلك المصيبة؛ لكن من جهة الاعتقاد كما بيّنا والمسيرة غير المتوقفة على الأشخاص سوف تتجاوز بسرعة هذه المصاعب وتسير طبق البصمات لهؤلاء القادة، فنحن لن نتمكّن في كل يوم أو مدة من الزمن أن نأتي برجال قادة لهم بصمات خاصة؛ لكن المطلوب أن نسير طبق هذه الخطط والبصمات وبهذا نضمن استمرار المسيرة والقيام بالتكليف الشرعي وغير ذلك، الله تعالى سوف يستبدل قوماً غيرنا لحفظ هذه المسيرة، وهذا ما درسناه في الحوزات العلمية فحتى الحواضر العلمية لها المؤسسون والقادة الذين تركوا مناهج وإبداعات ومن ثم رحلوا، وهذه المسيرة العلمية لم تتوقف، سواء في بغداد، عندما ارتحل المؤسسون لتلك المرحلة الشيخ المفيد والسيد المرتضى والشيخ الطوسي، وهكذا مرحلة الحلة، ثم جبل عامل، وكيف عادت إلى النجف الأشرف، فهناك مئات من السنين بين قادة هذه الحواضر العلمية والحوزات العلمية لم تتوقف برحيلهم، وإنّما استمرّت بتلك البصمات والمناهج، وهذه نفسها سارت عليها الجمهورية الإسلامية عندما فقدت المؤسس الإمام الخميني(قدس) ومعه العشرات من القادة الشهداء الأساسيين، واستمرت الثورة بوهج دمائهم وبصماتهم، ونحن اليوم نسير طبق الخطى ونلتزم نفس الطريق ولن تهزنا العواصف وسنحمل دمهم ووصاياهم وخططهم وبصماتهم ونمضي من دون تردد وسوف ننتصر
إن شاء الله".