التعليم.. سلاح الفلسطيني للبقاء والحفاظ على الهوية
الوفاق /وكالات - بالعلم يتحدى الفلسطينيون أكاذيب الاحتلال، ويتصدون لسياسة التجهيل التي اتبعها منذ أن وطأت قدماه أرض فلسطين، بالرغم من كل المحاولات التي اتبعها وما زال يتبعها الاحتلال من عرقلة العملية التعليمية ووضع الحواجز وفصل الطلاب عن مدارسهم بفعل الجدار بالضفة الغربية، وقصف المدارس وتدميرها كما هو حال قطاع غزة، وأسرلتها في القدس وحرمان فلسطينيو 48 منها بالداخل، إلا أن الفلسطيني ورغم كل تلك الظروف متمسك بعملية التعليم لأنه على يقين بأنها السبيل الوحيد لنيل حريته.
تُسلط هذه المقالة في اليوم العربي لمحو الأمية على النكبة الفلسطينية المستمرّة حتّى هذا اليوم، والتي وضعت الشعب الفلسطيني أمام المعادلة التالية: ضياع الوطن يستوجب التزوّد بسلاح العلم، باعتباره الوسيلة الوحيدة المتاحة للبقاء. لذا، كان من البديهي أن تحتلّ فلسطين المرتبة الأولى على مستوى العالم العربي فيما يتعلّق بالمتعلّمين نسبة إلى أعداد أفراد الشعب.
معدلات الالتحاق بالتعليم الأعلى عالمياً
يُعتبر التعليم من أهم جوانب حياة الفلسطينيين نتيجة الظروف التي يعيشها شعب على أرضه المحتلة أو في الشتات، فمعدلات الالتحاق بمؤسسات التعليم في فلسطين تعتبر من الأعلى بالمقاييس الإقليمية والدولية.
ويعكس ذلك بوضوح أهمية التعليم بالنسبة للفلسطينيين، فبسبب لجوء الفلسطينيين بعد حربي عام 1948 و1967 ونزوحهم عن أراضيهم وفقدانهم للكثير من أملاكهم، أصبح التعليم حاجة ماسة بسبب فقدان مصادر الرزق الأخرى المتمثلة بالزراعة والتجارة والصناعة لدى شريحة عريضة من الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة والضفة الغربية وقطاع غزة. وأصبحت العائلة الفلسطينية مستعدة لبذل الكثير من أجل تأمين تكاليف تدريس أبنائها في المدارس والجامعات، وهي في المقابل تعتمد على مساعدة هؤلاء الأبناء المادية المنتظمة حين حصولهم على وظائف، في الخارج على الأغلب.
وبذلك فمن الطبيعي أن يعمل الطلاب الفلسطينيون وذووهم المستحيل من أجل الحصول على قبول في إحدى الجامعات المحلية، فان لم يتيسر ذلك ففي جامعة عربية، وان عجزوا عن ذلك فلن يترددوا بتحمل نفقات التعليم في الجامعات الأوروبية. لا بل وصل الطلاب الفلسطينيون إلى جامعات آسيوية من بنغلادش مرورا بالهند حتى فيتنام. ونتيجةً لهذا، حقق الفلسطينيون على مدار ستين عام أعلى نسبة من المتعلمين في العالم العربي، والتي تُعتبر في ذات الوقت من أعلى النسب في العالم.
وقد أظهرت المؤشرات أن فلسطين تعتبر من أقل المعدلات أمية في العالم، إذ بلغت 2.2% بين الأفراد 15 سنة فأكثر. وأشار جهاز الإحصاء، وهو جهة رسمية فلسطينية، في بيان صحافي بمناسبة اليوم العالمي لمحو الأمية، إلى أن معدل الأمية بين الأفراد الفلسطينيين 15 سنة فأكثر في أراضي عام 1948، بلغ 3.6%. ووفق النتائج الجديدة، فقد أظهرت وجود انخفاض في معدل الأمية في فلسطين بنسبة 84% في العقدين الماضيين، إذ انخفض معدل الأمية بين الفلسطينيين 15 سنة فأكثر من 13.9% عام 1997 إلى 2.2% في عام 2022. إذن فالتحديات التي يفرضها الاحتلال شكلت دافع قوي للفلسطينيين من أجل التصدي له، ولا تتم مواجهتها الا بتطوير ومواكبة العلم عبر بناء مؤسسات تعليمية كفيلة بتخريج أفواج علمية تواكب هذا التطور، وتعزز من ثقافة المجتمع، وإيلاء المناهج التعليمية واساليب التدريس في المدارس اهمية اكبر في تحسين كفاءتها.
أهم أداة في معركة البقاء
كان التعليم دائماً مصدراً للأمل وللتحول للشعب الفلسطيني. بعد العام 1948 عندما نزح أغلب الفلسطينيين وأُجبروا في النكبة على ترك ديارهم قام الطلبة والمدرسون بلعب دور حاسم في إعادة بناء المجتمع الفلسطيني. ساهمت المدارس والجامعات والمعاهد غير الرسمية في فلسطين، وفي المنفى، في إدامة الحياة الوطنية الفلسطينية لشعب ممزق جغرافياً، وفي ذات الوقت، كانت توفر المهارات للتطور والنمو الشخصي.
لقد وعى الفلسطيني أن التعليم هو الذي سيجعله يسترجع كرامته ضد العدو الصهيوني، لذا توجه إليه دون تردد، فقد اعتبر الشعب الفلسطيني بأن العِلم كان الوسيلة الوحيدة التي تضمن للفلسطينيين العيش بكرامة، لذلك جاهدت كل عائلة فلسطينية من أجل أن ينجح على الأقل واحد من أبنائها كي ينتشلها من ذات اليد ومن فاقة الفقر.
وهكذا بعد خسارة الأرض، شكل التعليم بالنسبة للفلسطينيين مرتكزاً أساسياً وأداة هامة في معركة الصمود والبقاء التي خاضوها وما زالوا أمام عدو أراد لهم أن يكونوا جاهلين، بعد أن اعتمد التجهيل كسياسة رسمية ترجمت بتدمير جهاز التعليم الفلسطيني ومؤسساته في النكبة وإلحاق ما تبقى منه بجهاز التعليم الإسرائيلي الرسمي كشعبة ثانوية يشرف عليها "الشاباك" في إطار ما عرف بسياسة الضبط والسيطرة.
التعليم في إطار مواجهة الرواية الصهيونية بالحقائق العلمية والتاريخية
يتجسد الصراع المذكور في مجال التعليم عبر سعي الصهيونية لفرض الرواية الصهيونية العامة حول فلسطين عامة بأنها " أرض إسرائيل " التي تعود تاريخياً إلى "شعب اسرائيل " الذي يدعى أنه نفي منها قبل ثلاثة آلاف عام، فيما استمر في الحفاظ على نقائه العرقي في "الشتات" طيلة هذه السنوات، ويتضمن منهاج "مدنيات إسرائيل" الذي يتم تعليمه في مدارس القدس الشرقية التابعة للبلدية ووزارة المعارف الإسرائيلية هذه الأساطير . اعتمد الكيان الصهيوني آليات ووسائل لفرض نظامه التعليمي وأرائه تشمل القوة الفظة كالاعتقالات وهدم مدارس، والقوة الناعمة الإغراءات المالية وفي فتح مجالات العمل، وخصخصة التعليم، علماً أن آليات القوة الناعمة لم تؤثر سوى على عدد محدود نظراً لسطوة الاحتلال وانتشار عمليات الاستيطان الاستعماري واعتداءات المستعمرين وعمليات هدم البيوت وسحب الهويات في كل أنحاء المدينة.
حاولت سلطات الاحتلال الصهيوني بكافة الوسائل خلق تعليم صهيوني شامل في القدس الشرقية عبر الاستفادة من سلسلة مركبة من الأدوات تشمل مؤسسات التعليم الرسمي من مدارس وجامعات وكليات، وغير الرسمي وذلك عبر النشاطات اللاصفية، ونشاطات المراكز الثقافية والفنية التابعة للاحتلال.
في المقابل يعمل التعليم الفلسطيني لتعزيز الحقيقة الفلسطينية والعربية عبر المدارس والجامعات الفلسطينية سيّما جامعة القدس عبر برامجها التعليمية وكذلك مراكزها المنتشرة في كافة أنحاء المدينة، وكذلك عبر الفضاء الإلكتروني، ومنظمات المجتمع المدني، والعائلة، ومجالس أولياء الأمور في المدارس الذين يلعبون دوراً هاماً في هذا المجال بمن فيهم لجان أولياء الأمور في المدارس التابعة للاحتلال . كما ويلعب المجتمع الفلسطيني في بقية أجزائه دوراً في تعزيز التعليم العربي الفلسطيني عبر علاقات المعارف والأصحاب، والنشاطات المجتمعية، كما أن هناك البرامج التعليمية للوكالات العربية والإسلامية والفلسطينية التي تعمل في مدينة القدس المحتلة، وفوق كل ذلك تتعلم الأجيال المقدسية عبرالهبات والاحتجاجات ضد سياسات الاستيطان الساعي للسيطرة على مواقع القدس والمسجد الأقصى المبارك، وأدت هذه المكونات كلها إلى نشوء تعليم فلسطيني مقاوم يحافظ على الهوية الفلسطينية العربية الإسلامية والصمود وتثبيت الوجود ما حال دون تنفيذ برامج الاحتلال في أسرلة التعليم في القدس. وأسهم هذا التعليم في تعزيز الاستقلالية الوطنية والقومية عن الاحتلال، ويبني مداميكها من أسفل عبر الحفاظ على مجتمع فلسطيني منيع غير قابل للاختراق وذلك رغم كونه خاضعاً للاحتلال .
ختاماً يجب ألا يغيب عن الأذهان أن ارتفاع نسبة المتعلّمين بين أبناء الشعب الفلسطيني لا تكفي لدعم المشروع النضالي المقاوم، إذ إن العامل الحاسم فيما يتعلّق بجدليّة التعليم والثورة، هو مخرجات العمليّة التعليميّ وجودة التعليم وليس عدد المتعلّمين فحسب، وهي ما تستوجب النضال من أجلها.