ضمن انتهاكاته اللاإنسانية للحقوق؛
الكيان الصهيوني الوحيد في العالم الذي يحاكم الأطفال
الوفاق/ وكالات - أفرجت سلطات الاحتلال الصهيوني عن عدد من الأطفال الفلسطينيين من سجونها، ضمن اتفاق تبادل الأسرى بين الكيان الصهيوني والمقاومة الفلسطينية بعد عملية طوفان الأقصى، وفي هذا السياق سنتطرق إلى واقع اعتقال الأطفال الفلسطينيين في ظل السياسة الممنهجة التي تستهدف إخافة هؤلاء الأطفال وإبعادهم عن ساحات الجهاد وتدمير مستقبلهم بكافة السبل.
الاعتقال تدمير ممنهج للطفولة الفلسطينية
ينص القانون الدولي وتحديدًا اتفاقية الطفل في المادة (16) أنه: "لا يجوز أن يجري أي تعرض تعسفي أو غير قانوني للطفل في حياته الخاصة، أو أسرته أو منزله أو مراسلاته ولا أي مساس غير قانوني بشرفه أو سمعته"، وأيضًا للطفل الحق في أن يحميه القانون من مثل هكذا ممارسات.
هذا الحق العالمي استثنى الاحتلال منه أطفال فلسطين وسلبهم صفة الطفولة، فدون رادع ودون أية حواجز يقوم الاحتلال باستمرار باعتقال الأطفال، دون سن الثامنة عشر، معتمداً في ذلك على قانون القضاء الصهيوني الذي يعتبر أن الطفل الفلسطيني هو كل إنسان دون سن السادسة عشر بالإضافة إلى الأمر العسكري 132، والذي يسمح لسلطات الاحتلال باعتقال أطفال في سن 12 عامًا باعتبارهم "مشاريع مخربين"، ويخضعهم للمحاكمة في المحاكم العسكرية وليس في المحاكم المدنية.
هذا وقد بلغ عدد الفلسطينيين الذين تعرضوا للاعتقال من قبل قوات الاحتلال الصهيوني منذ عام 1967 وحتى نهاية عام 2022 نحو مليون فلسطيني، أكثر من خمسين ألف حالة اعتقال سجلت في صفوف الأطفال الفلسطينيين (ما دون سن الـ 18 وفقًا للقوانين الدولية)؛ اعتقلت سلطات الاحتلال الإسرائيلى خلال العام 2022 نحو 882 طفلًا فلسطينيًا، منهم 654 طفلًا من القدس ويشكلون الغالبية العظمى ما نسبته 74,1% من إجمالي الأطفال الفلسطينيين الذين تعرضوا للاعتقال في العام 2022، وبلغ عدد الأسرى الأطفال والقاصرين رهن الاعتقال في سجون الاحتلال الإسرائيلي حتى نهاية عام 2022 نحو 150 طفلًا وطفلة في معتقلات "مجدو"، و"عوفر"، و"الدامون"؛ بعضهم جرحى بحالات خطرة، وبعضهم لا تتجاوز أعمارهم 10 سنوات، وذلك وفق تقارير مؤسسات الأسرى.
نفذ الكيان الصهيوني هذه الإعتقالات بحق أطفال فلسطين على الرغم من أنّ الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان شدّدت على ضرورة توفير الحماية للأطفال ومنحهم فرص التعليم والنمو بشكل آمن وسليم، لكن قوات الاحتلال، وبتعليمات مباشرة من أعلى المستويات السياسية والأمنية في الكيان، جعلت اعتقال الأطفال الفلسطينيين هدفاً أولياً، ومارست التعذيب المُحرم دولياً بحقهم منذ اللحظة الأولى للاعتقال.
"إسرائيل" تخطط لسجن فئة عمرية جديدة من أطفال فلسطين
في خطوة جديدة من سياسة استهداف أطفال فلسطين عدلت "إسرائيل" قوانينها الخاصة باعتقال الأطفال الفلسطينيين والتحقيق معهم ومحاكمتهم وزجهم بالزنازين، وأتاحت للمشرع في محاكمها فرض أحكام بالتوقيف على ذمة التحقيق والسجن الفعلي على القاصرين الفلسطينيين من عمر 12 سنة. فقد صادقت اللجنة الوزارية الصهيونية لشؤون التشريع في "الكنيست"، على قانون يسمح بإصدار قرار بسجن الأطفال الفلسطينيين المتهمين بتنفيذ عمليات ضدها من عمر 12 سنة. ويشمل القانون الأطفال المتهمين في ارتكاب جرائم قتل صهاينة أو محاولة الشروع في القتل، وينص "في حال تنفيذ عمليات من المراهقين يجب أن تكون العقوبة أشد، ويجب تغيير النهج حتى لا يكون من الممكن إعادة تأهيل قاصر جاء لتنفيذ هجوم، بل سجنه".
يهدف العدو الصهيوني عبر هذا القانون الجديد إلى خلق حال من الردع ووقف مشاركة هؤلاء الفتية في الأحداث التي يشهدها الكيان الصهيوني من عمليات ينفذها قاصرون.
خلق جيل خائف وضعيف
يتعمد الاحتلال تكثيف اعتقال القاصرين بهدف ردعهم عن المشاركة في المواجهات مع الاحتلال أو التفكير في تنفيذ أعمال مقاومة، وتدمير مستقبل الأطفال، وخلق جيل ضعيف وخائف. لذلك أعطى الضوء الأخضر لجنوده باستهدافهم بالقتل والاعتقال والحبس المنزلي والإبعاد وغيرها من الجرائم.
كذلك، واصلت محاكم الاحتلال خلال العام 2022 فرض الغرامات المالية على الأطفال، إلى جانب الأحكام الفعلية، بهدف استنزاف ذويهم، وأصبحت الغرامات تُشكل عبئاً مالياً كبيراً على الأهالي وعقاباً تعسفياً يمارسه الاحتلال بحقهم بهدف إرهاق كاهلهم، إذ إنّ محكمة عوفر وصل بها الأمر إلى إصدار غرامات مالية بما يوازي 137 ألف دولار بحق قاصرين. كما وأصدرت سلطات الاحتلال خلال عام 2022 أيضاً ما يزيد على 240 أمر حبس منزلي بحق قاصرين غالبيتهم من مدينة القدس المحتلة، رغم تأثيره النفسي القاسي في الأطفال، وأصدرت أكثر من 135 قرار إبعادٍ لقاصرين، سواء عن المسجد الأقصى أو عن منازلهم، لفترات مختلفة تصل إلى عدة شهور.
حرمان مطلق من الحقوق
تحرم سلطات الاحتلال الصهيوني الأطفال الأسرى من أبسط الحقوق التي تمنحها لهم المواثيق الدولية، بل وتمعن هذه السلطات في انتهاك هذه الحقوق وتتعامل معهم كإرهابيين. لذلك، فإنّ غالبية الأطفال الذين تم اعتقالهم تعرضوا لشكل أو أكثر من أشكال الإهانة والتّعذيب الجسدي والنّفسيّ، عبر جملة من الأدوات والأساليب الممنهجة المنافية للأعراف الدولية والاتفاقيات الخاصة بحقوق الطّفل. وتبدأ هذه الانتهاكات فعلياً منذ اللحظة الأولى للاعتقال، وتستمر في فترة التحقيق والاحتجاز.
وتحتجز إدارة سجون الاحتلال الأطفال في مراكز توقيف وسجون تفتقر الحد الأدنى من المقوّمات الإنسانية، إذ تحرم العشرات من الأطفال من زيارة ذويهم أو من زيارة المحامي الخاص بهم، وتحرمهم من حقهم في التّعليم والعلاج الطّبي، ومن توفير الاحتياجات الأساسية لهم، كإدخال الملابس والأغراض الشخصية والكتب.
ولا تتوانى إدارة السّجون عن تنفيذ عمليات اقتحام لغرفهم وتفتيشها وفرض عقوبات بحقّهم كالعزل، وسحب الأغراض الشّخصية، والحرمان من "الكانتينا" (مقصف الطعام والشراب)، إضافةً إلى استمرار المعاملة السيئة من قبل السجانين الذين يوجهون إليهم الشتائم والتهديدات بشكلٍ مستمر، ويحتجزونهم مع معتقلين جنائيين في الكثير من الأحيان.
تدمير ممنهج لمستقبل الأطفال
كذلك يحرم الاحتلال الأطفال من أبسط حقوقهم كالحق في التعليم، إذ يمنع سنويًا نحو 200 طفل فلسطيني من حقهم في التعليم بسبب الاعتقالات في مختلف المناطق الفلسطينية. ويعاني الأسرى الأطفال أيضًا من سياسة الإهمال الطبي والأحكام العالية التي تصل في بعض الأحيان إلى السّجن لمدة 15 عامًا، والمماطلة بإجراءات المحاكمة لهم حتى يبلغوا سن الرشد ليُصدِر الاحتلال بحقهم أحكامًا بالسجن المؤبد. هذا وتواصل سلطات الاحتلال فرض أنظمة عنصرية قائمة على التصنيف بحقّ المعتقلين الأطفال، ويخضعون لمحاكم عسكرية تفتقر للضّمانات الأساسية للمحاكمة "العادلة"، ودون أيّ مراعاة لخصوصية طفولتهم ولحقوقهم.
كما تُخضع سلطات الاحتلال الأطفال المقدسيين لأحكام (قانون الأحداث الإسرائيليّ)، وبشكلٍ تمييزي، وتحرمهم من حقوقهم أثناء الاعتقال والتّحقيق، وأصبحت الاستثناءات هي القاعدة في التعامل معهم. وشكّلت سياسة الحبس المنزلي والإبعاد عن المدينة المقدسّة "كعقوبة بديلة" أخطر السياسات التي خرج بها الاحتلال وتركت آثارًا واضحة على مصير الأطفال وعلى عائلاتهم وحوّلت بيت عائلة الطفل إلى سجن، وأيضاً فرض الغرامات الباهظة على عائلاتهم.
هذا وتتنصل دولة الاحتلال من الحماية الدولية التي منحتها أكثر من 27 اتفاقية دولية للأطفال، تحديداً اتفاقية حقوق الطفل، وعلى الرغم من الجهود التي تواصل المؤسسات الفلسطينية بذلها في متابعة قضية الأسرى الأطفال، إلا أنّ المنظومة الحقوقية الدولية لم تحدث اختراقًا واضحًا يُفضي لوقف أو خفض وتيرة الاعتقالات والانتهاكات التي يتعرض لها الطّفل الفلسطينيّ، رغم المواقف الدولية المعلنة حيال الانتهاكات. ختاماً تُطالب المؤسسات والمنظمات المعنية بحقوق الطفل بأن يتحمل مسؤولياته تجاه أطفال فلسطين وما يتعرضون له من جرائم فاقت كل الحدود، وإلزام الاحتلال بتطبيق المواثيق والاتفاقيات الخاصة بالأطفال لوضع حدّ لمعاناتهم المتفاقمة بشكل ٍيومي.