عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين من لبنان للوفاق:
المقاومة بالانجاب.. الديموغرافية تُقاتل مع الفلسطينيين
عبير شمص
خلال سنوات من النضال، قاوم الشعب الفلسطيني، الاحتلال الصهيوني بالأسلحة النارية، والحجارة، كما لجأ إلى كل وسيلة تساعد في طرد الاحتلال الذي سعى إلى إقامة كيان غريب على أرض عربية، وفي ظل ما يعانيه الفلسطينيون من جرائم القتل الممنهج، الذي يهدف إلى اقتلاع الشعب الفلسطيني من جذوره، من أجل ضمان بقاء الكيان المحتل، الذي جاء من الشتات، لجأ الفلسطينيون إلى المقاومة بطريقةٍ أخرى، تختلف عن المقاومة بالسلاح، وهي "المقاومة بالإنجاب". ورغم تردي الظروف الاقتصادية والاجتماعية، أصر الفلسطينيون، وبخاصةً في قطاع غزة، على المقاومة بإنجاب الكثير من الأطفال، وذلك من أجل مواجهة قلة عدد السكان، جراء الحروب التي أوقعت آلاف الشهداء من الفلسطينيين، ناهيك عن عشرات القتلى الذين تسقطهم نيران قوات الاحتلال يوميًا، ويتضح ذلك في تعداد السكان الذي يُظهر ارتفاع الكثافة السكانية في فلسطين بشكلٍ عام وفي القطاع المُحاصر بشكلٍ خاص. ووفق إحصاء الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2022م فأنه للمرة الأولى يتساوى مجموع كل الفلسطينيين المقيمين في فلسطين التاريخية مع مجموع اليهود فيها؛ فقد وصل إلى سبعة ملايين نسمة، وهو ما يساوي عدد اليهود مع زيادة طفيفة للغاية لصالح هؤلاء؛ إذ أصبحت نسبة اليهود 50.1% من مجموع من يعيشون في فلسطين التاريخية.
وفي هذا السياق التقت صحيفة الوفاق عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ونائب مسؤولها في لبنان الأستاذ أركان بدر ليُطلعنا على أهمية سلاح الديموغرافيا الذي يعتمد عليه الفلسطينيون في صراعهم ضد الاحتلال، فهم يعتبرون التهديد الديموغرافي الصهيوني لا يقل خطورة، بل ربما كان أخطر من امتلاك اليهود الأراضي في فلسطين، على أساس أن هذا كان أحد وسائل الحركة الصهيونية لاحتلال فلسطين.
الإنجاب في مواجهة السياسات الاستعمارية
يعتبر الأستاذ بدر أن:" الإنجاب بشكلٍ عام حاجة ملازمة لاستمرار الحياة البشرية، من خلالها تتوالد الاجيال وتتكامل دورة الحياة الانسانية وتحافظ الفئات والأعراق والشعوب والأمم على الاستمرارية، وهي سُنة من سنن الحياة، ومدخلاً لا بُد منه لبقاء البشر على وجه البسيطة، ويكتسب الإنجاب في فلسطين عموماً، وفي قطاع غزة على وجه الخصوص أهمية استثنائية نظراً لارتباطه بمسيرة النضال المتواصل لاسترداد أرضنا من الاحتلال الصهيوني الكولونيالي الاستيطاني الاحلالي، الذي يسعى لإلغاء ماضي وحاضر ومستقبل الشعب الفلسطيني، وطمس حقوقنا الوطنية المشروعة في أرضنا أرض الأباء والأجداء، وفي حقنا بتقرير مصيرنا وعودة اللاجئين إلى ديارهم وإقامة دولتنا المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس. حيث يُشكل العامل السكاني عاملاً هاماً وحاسماً في الصراع مع هذا المشروع الصهيوني، الذي يراهن على موت الكبار ونسيان الصغار، كما قالت رئيسة وزراء دولة الاحتلال "جولدا مائير".
ويكمل حديثه:" يُعتبر الإنجاب ظاهرة وحاجة انسانية للتوالد والتكاثر. فإنه يكتسب حاجة إنسانية ضرورية لدى الشعب الفلسطيني، في سياق الصراع المفتوح مع العدو، الذي يسعى لمحو وكي الوعي الفلسطيني من خلال الأساطير والمزاعم التوراتية التلمودية المزعومة، على حساب الرواية الفلسطينية القائمة على الحقائق التاريخية الدامغة والمؤرخة. ومن هذه الخلفية جرى التعاطي مع الإنجاب من خلفية وطنية مرتبطة بالحفاظ على القضية الوطنية والحقوق المشروعة، وتوارثها من جيلٍ إلى جيل، وتسليم راية النضال للأولاد والاحفاد والأجيال المتتابعة. رغم تعقيدات الحياة وضنك العيش والظروف الاقتصادية والسياسية والأمنية المأساوية والمعقدة التي يعيشها شعبنا في الضفة ومدينة القدس، وبشكلٍ خاص في قطاع غزة المحاصر براً وجواً وبحراً منذ ما يزيد عن ١٧ عاماً، ورغم الاكتظاظ السكاني، حيث يعتبر قطاع غزة من أكثر المناطق اكتظاظاً بالسكان مساحته لا تزيد عن ٣٦٠ كيلو متر مربع، يعيش فوق القطاع أكثر من مليوني ونصف انسان، معظمهم من اللاجئين الذين طردوا من أرضهم بقوة الإرهاب الصهيوني، وبدعم من حكومة الانتداب البريطاني قبل وأثناء النكبة الفلسطينية الكبرى يوم ١٥ أيار / مايو عام ١٩٤٨، تنفيذاً لوعد وزير خارجية بريطانيا آنذاك "آرثر بلفور" للحركة الصهيونية بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، على حساب الشعب الفلسطيني وحقه في أرضه وسيادته فوقها، وهو وعد "ما لا يملك لمن لا يستحق".
هواجس الرعب الصهيوني من الديموغرافيا الفلسطينية
يوضح الأستاذ بدر إلى أنه نظراً لخطورة الانجاب والتكاثر السكاني الفلسطيني على المشروع الصهيوني العنصري، دأب الاحتلال وجيشه النازي على استهداف الأطفال والنساء في حربه العدوانية المسعورة على شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة من خلال المجازر وحرب الإبادة ضد المدنيين عموماً والأطفال والنساء خصوصاً، لتقليل الكتلة الشعبية الفلسطينية والحد من الإزدياد السكاني السنوي، تطبيقاً للنظرية الصهيونية القديمة المتجددة التي تمارسها حكومة اليمين المتطرف بقيادة الفاشيين والنازيين الجدد [ نتنياهو - سموتريتش - بن غفير ] وجيشها العنصري الهتلري، التي تقول "اقتلوا اطفالهم قبل أن يصبحوا رجالاً ويقاتلوننا"، وهو ما يُفسر استهداف الأطفال والنساء وارتكاب المجازر ضدهم، إذ يشكل ثلثي الشهداء في غزة حتى يومنا هذا أكثر من اثني عشر ألف شهيد وأكثر من ثلاثين ألف جريح غالبيتهم الساحقة من الأطفال والنساء جزءٌ كبير منهن من الحوامل. وهو ما يبرر استهداف المشافي وتدميرها وإخراج الجرحى منها ولاسيّما الأطفال والنساء، ما تسبب باستشهاد المئات منهم، خاصةً في غرف العناية الفائقة والإنعاش والحاضنات.. إضافةً للحصار المفروض ومنع إدخال المساعدات واللوازم الطبية وحليب الأطفال، ما تسبب باستشهاد المئات أيضاً من الأطفال وحديثي الولادة، إضافة لاستشهاد المئآت من النساء بسبب عدم وجود مستشفيات لإجراء عمليات الولادة الطبيعية والولادات القيصرية. كما انه يوجد حوالي خمسة آلاف امرأة حامل في قطاع غزة، وهن معرضات للإجهاض أو الموت مع أجنتهم، بسبب عدم وجود مستشفيات جاهزة لاستقبالهن.
الإنجاب .. مقاومة مجتمعية فلسطينية
يعتبر الأستاذ بدر:" أن الانجاب بالنسبة للشعب الفلسطيني أينما تواجد، هو شكل من أشكال الصراع مع هذا الكيان الغاصب لأرضنا، وهو شكلٌ من أشكال المقاومة لمشروعه الاستعماري الاستيطاني الكولونيالي الاحلالي، القائم على التمييز العنصري، وهو يشكل عاملاً حاسماً في مجرى الصراع، إذ يخشى الاحتلال من التزايد السكاني الفلسطيني، ويعتبره قنبلة ديمغرافية موقوتة، لا بد أنها ستنفجر في وقت ما، وأمامنا مثال على ذلك يتمثل بحجم الكتلة الشعبية الفلسطينية في الأراضي المحتلة عام ١٩٤٨، التي تشكل حوالي ٢٢ %من اجمالي السكان ( مليون وحوالي ثلاثمائة ألف نسمة حالياً)، وهي مرشحة كي تساوي نصف السكان، خلال فترة زمنية. وهو ما يُفسر السياسة العنصرية بالتعاطي مع الفلسطينيين العرب والتضييق عليهم، وتصويت الكنيست الصهيوني على قانون يهودية الدولة الهادف إلى ممارسة كل أشكال الضغوط والمضايقات وحرمانهم من أبسط الحقوق المدنية والسياسية لإرغامهم على الهجرة من أرضهم. ويلفت الأستاذ بدر إلى أن :" هذا مشروع تهجيري قائم على ضم الأراضي وتهجير الشعب الفلسطيني صاحب الأرض في الضفة ومدينة القدس، وحالياَ في قطاع غزة، حيث خصصت له حكومة الاحتلال موازنات ضخمة ومفتوحة، في سياق اقامة دولة "اسرائيل" الكبرى على كل أرض فلسطين التاريخية. ويختم الأستاذ بدر حديثه بالقول:" لكن المقاومة التي تسطر أروع ملاحم البطولة والتضحية والفداء، وصمود شعبنا وتمسكه بأارضه في قطاع غزة والضفة ومدينة القدس، سوف يُفشل هذا المشروع، وسيخرج شعبنا من معركة طوفان الأقصى منتصراً، على طريق تحقيق خطوات تراكمية تفضي إلى دحر الاحتلال وكنس الاستيطان وانتزاع حقوقنا الوطنية بالعودة وتقرير المصير واقامة الدولة المستقلة كاملة السيادة
وعاصمتها القدس".