وتحرير فلسطين أولى أولوياته؛
الإمام الخميني (قدس) غرس قضية فلسطين في قلب الشعب الإيراني ووجدانه
الوفاق / وكالات - في أفكار سماحة الإمام الخميني (قدس) السياسية، كان تأسيس الحكومة الإسلامية الأولوية القصوى لسماحته في إيران، أمّا خارج البلاد فكان تحرير بيت المقدس والأراضي الفلسطينية يُشكل أهم هاجس فكري وعمل سياسي له، فمن أسباب الخلافات الجوهرية بين الإمام (قدس) والنظام البهلوي هو النفوذ الصهيوني في إيران وعدم مساندة الشعب الفلسطيني الأعزل، كما يمكن اعتبار تحرير الشعب الإيراني والفلسطيني في أفكار الإمام الثورية والتحررية ضرورة ملموسة وجوهرية، وتدل على هذه القضية الآثار المكتوبة والشفوية لنضال وسعي الإمام(قدس) في سبيل تحقيق ذلك، لهذا كان يدعو الشعب الإيراني والمسلمين والأحرار في العالم لدعم الشعب الفلسطيني.
في هذه المقالة سنتعرف على موقف الإمام الخميني (قدس) من القضية الفلسطينية على مر تاريخها عبر قراءة بياناته النضالية حول دعم فلسطين في تواريخ وأزمنة مختلفة، والتي يُسجّل فيها له أنه جعل قضية فلسطين في قلب الشعب الإيراني وروحه ووجدانه.
فلسطين بوصلة الصراع مع العدو الصهيوني
مثّلت القضية الفلسطينية في فكر الإمام الخميني(قدس) ونهجه مساحةً كبيرة عبر المواقف الإيرانية الثابتة تجاه فلسطين، وكانت على الدوام نصب العين وفي القلب؛ ووفقاً للوثائق التاريخية فإن بداية نهضة الإمام الخميني(قدس) تزامنت مع توجيهه النقد للشاه ونظامه بسبب تقربه من الكيان الإسرائيلي، ففضح العلاقات الخفية بين النظامين، وتزامن أول موقف رسمي له مع بدء نضاله السياسي في وجه النظام البهلوي حول عدم موافقة الأخير على العقوبات النفطية المفروضة على الكيان الصهيوني وعدم قطع علاقاته الدبلوماسية كما فعلت الدول العربية والإسلامية، إذ قال سماحته في إحدى المقابلات حول هذا الأمر:"من القضايا التي تجعلنا نقف بوجه الشاه، هو مساعدته ل"إسرائيل"، إنني قلت مراراً بأن الشاه تعاون مع الكيان الصهيوني منذ تأسيسه، وعندما بلغت الحرب بينه وبين المسلمين ذروتها، قام الشاه بالسيطرة على نفط المسلمين، ومنحه له وهذا الأمر يُعد من أسباب معارضتي مع الشاه".
فضلاً عن هذا انتقد الإمام(قدس) في بيانٍ له سيطرة الصهاينة على المنشآت والمصادر الإيرانية، واعتبر تطوير العلاقات الاقتصادية مع الكيان الصهيوني خطراً كبيراً على الإسلام واستقلال البلاد، ودعا الجميع إلى إبداء الاحتجاج على تحالف الشاه معه.
ومن أكثر المواقف السياسية للإمام(قدس) حدةً تجاه الشاه والكيان الصهيوني هو محاضرته في المسجد الأعظم في مدينة قم المقدسة بعد إطلاق سراحه، إذ حذر فيها من تطوير العلاقات الاقتصادية والعسكرية مع الكيان الصهيوني، واعتبره مُضراً بالبلاد، كما وجه اللوم لحكومة إيران وتركيا بسبب الابتعاد عن البلدان الإسلامية."
وبعد ارتكاب المجزرة في المدرسة الفيضية، هدد الإمام(قدس) الشاه وأوصاه بأخذ العبرة من أبيه، وذلك في محاضرة تاريخية ألقاها في المدرسة وجعل محاربة الكيان الصهيوني محوراً لنضاله وقال: "والله لا يأتي من "إسرائيل" إلا الضرر، أخبروني باعتقال الأمن لبعض الأشخاص، وقالوا لهم لا تتحدثوا عن الشاه ولا عن "إسرائيل" ولا تقولوا بأن الدين معرض للخطر، فلو لن نتحدث عن هذه القضايا ما علينا قوله، فكل ما نعاني منه يأتي من هذه القضايا الثلاثة، وكل مشاكلنا منها، ما العلاقة بين الشاه وإسرائيل؟ هل الشاه إسرائيلي؟".
كما خاطب قادة الدول الإسلامية والدول العربية وغير العربية وزعماء الدين والشعب والجيش الإيراني في بيانٍ له أصدره بمناسبة مرور أربعين يوماً على مجزرة مدرسة الفيضية، وأعلن فيه استعداده للشهادة على يد عملاء إسرائيل.
فتواه الشهيرة بتقديم الدعم المالي لفلسطين
تاريخياً يُعد أول ارتباط فعلي بين الإمام الخميني(قدس) والقضية الفلسطينية قُبيل اندلاع الثورة الإسلامية الإيرانية عبر إصداره أول فتوى عام 1968، التي حثّ فيها على أهمية تقديم الدعم المالي والإسناد للثورة الفلسطينية، وضمان استمرار جذوة المقاومة والالتحاق بها ضد الاحتلال الإسرائيلي، انطلاقاً من قاعدة أساسية هي أن فلسطين قضية محور الصراع، وهي في قلب إيران الثورة، وستبقى ثابتة راسخة بعيداً عن أيّ حسابات سياسية أو طائفية مذهبية أو عقائدية أو أيديولوجية، وأن تحريرها واجب لا يجوز التخلي عنه، وكأنه يرسل رسالة مفادها أن القضية الفلسطينية منذ تلك اللحظة أصبحت جزءاً لا يتجزأ من ثوابت إيران تجاه فلسطين وقضيتها، بإعلانها الانحياز لفلسطين المقاومة.
ولقد كتب الإمام (قدس) عند انطلاقة الرصاصة الأولى للثورة الفلسطينية في 16 نیسان/ ابريل 1965 رسالةً مفتوحة الى رئیس الوزراء الإيراني (امیر عباس هویدا) استعرض فیها ممارسات النظام المجرمة وحذّره من الوقوف الى جانب اسرائیل وقال فيها : "لا تعقدوا عهد الإخوة مع "اسرائیل" عدوة الإسلام والمسلمین، التی شردت أكثر من ملیون مسلم، لا تسیئوا إلی عواطف المسلمین، لا تطلقوا ید "إسرائیل" وعملائها الخونة فی أسواق المسلمین أکثر من هذا، لا تُعرضوا اقتصاد البلاد للخطر من أجل "إسرائیل" وعملائها، لا تضحوا بثقافتنا من أجل أهوائکم ... خافوا غضب الجبار، واحذروا سخط الشعب ."
تحريم العلاقة بين العالم الإسلامي والكيان الصهيوني
فی السابع من شهر اغسطس/ حزیران 1967 م أصدر فتواه الثوریة بتحریم أي نوع من العلاقة التجاریة والسیاسیة للدول الإسلامیّة مع اسرائیل، وحرّم شراء البضائع الاسرائیلیة، وذلک بمناسبة حرب الأیام الستة بین العرب والكيان الصهيوني، وقد ألحقت الفتوى ضربة قویة بالعلاقات المتنامیة بین نظام الشاه والكيان الصهيوني.
وأصدر عدة بيانات للدول والشعوب الإسلامية داعياً الجميع إلى الجهاد الشامل بعيداً عن الخلافات بوجه الكيان الصهيوني، وحذرهم من بيع النفط له."
يوم القدس العالمي
بعد انتصار الثورة الإسلامية أصدر سماحة الإمام(قدس) بياناً اعتبر السلام بين مصر و"إسرائيل" خيانةً للإسلام والمسلمين والإخوة العرب، كما شدد دعمه لفلسطين ولبنان في مختلف المناسبات سواء في اللقاء بالشعب والسفراء والمناضلين من فلسطين بعد الثورة الإسلامية، وقد تجلت ذروة مناهضة الصهيونية عند الإمام(قدس) ودعمه للشعب الفلسطيني في تحديده الجمعة الأخيرة من شهر رمضان كل عام يوماً عالمياً للقدس ليكون فرصة مناسبة تمكِّن المسلمين في مختلف أنحاء العالم من شحذ الهمم، وكسب الاستعداد لمواجهة التحديات الخطيرة المتمثلة في التصدي لتحرير القدس قبلة المسلمين، يقول الإمام: "نسأل الله (سبحانه وتعالى ) أن يوفقنا يوماً للذهاب إلى القدس، والصلاة فيها إن شاء الله، وآمل أن يعدَّ المسلمون يوم القدس يوماً كبيراً. وأن يقيموا المظاهرات في كل الدول الإسلامية في يوم القدس الذي يحل في آخر جمعة من شهر رمضان المبارك، وأن يعقدوا المجالس والمحافل، و يرددوا النداء في المساجد" .وقد تعامل الإمام مع القضية الفلسطينية من واقع أنها قضية إسلامية محضة، وحذّر من الخمول، والإهمال، و دعا إلى القيام من أجل الواجب المقدس حتى لا يتعرض
المسلمون للهزيمة".
بعد بدء الحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية الإيرانية من قبل نظام صدام البائد دافع الإمام (قدس) عن فلسطين ولبنان في مواجهة الكيان الصهيوني، وأكد على أنه بعد القضاء على نظام صدام سوف نعمل ونُسارع إلى
تحرير القدس.
وأخيراً تحدث سماحة الإمام (قدس) في وصيته عن فلسطين وأبدى مواقفه حول هذه القضية على غرار أول أيام نضاله بوجه حكومة الشاه، واعتبر أمريكا والصهيونية الإرهابيين، وسمى فكرة "إسرائيل" الكبرى بالوهم الغبي، وصرح بأن الحل الوحيد للقضية الفلسطينية هو تدميرها وتحرير فلسطين عبر الجهاد والنضال، ولم يتراجع عن هذه القضية طيلة نضاله قبل الثورة وبعد انتصارها.