كتاب الجامعة في فكر الإمام الخميني (قدس)
لا شك أن الثورات الكبرى في التاريخ حملت إلى عصرها تغييراً كبيراً امتد ليستوعب كافة مناحي وشؤون الحياة, وترك آثاراً عميقة في التطورات السياسية-الاجتماعية على مستوى الإنسانية كافة.
والثورة الإسلامية في إيران التي حدثت أواخر القرن الماضي، كان شأنها شأن الثورات الاجتماعية في أنها حملت مفردات وأفكاراً جديدة بل قيماً ومبادئ, عكست تغييرا في النظام السياسي، وفي المؤسسات والبنى الطبقية، وفي كثير من مفردات الأيديولوجيا الحاكمة في حياة الناس.
والجامعة، باعتبارها إحدى المؤسسات التي طالها التغيير، كانت وما تزال مسرحاً وأرضاً خصبة مهيأةً للتفاعل، سواء من حيث الإمكانيات والطاقات المتوفرة لديها، أم من حيث الاستقطاب والعطاء. وإذا كان حالها كذلك، فمن المفيد أن تتجه المقاربة نحو موقع الجامعة ضمن إطار المشروع العام للإمام الخميني(قدس) الذي تجسد بالثورة الإسلامية التي استندت إلى منطلقات دينية إسلامية ورسمت لنفسها مساراً مستقلاً عن التبعية للغرب أو للشرق. وبالتالي فنحن في مواجهة معرفة الدور الذي تلعبه الجامعة والمسؤولية المجتمعية والحضارية الملقاة على عاتقها. انطلاقاً من ذلك تتجه المقاربة نحو صياغة نظرة تأسيسية شاملة لنكتشف، عبر أقوال الإمام(قدس)، أن الدور الذي تلعبه الجامعة في تشكل مجتمعها وفي رسم حاضر ومستقبل بلدانها يعد دوراً خطيراً. كان الإمام يؤكد دائماً أنه إذا صلح العالِم صلحت الأمة أو العالَم ويجدر بنا أن نضيف أنه إذا صلحت الجامعة صلح المجتمع، ففي الجامعة تُناقش هموم البلاد وقضايا المجتمع الأساس، وتُطرح الحلول والمشاريع، وتُقَّدم في مراكز بحوثها الحلول لمشاكل المجتمع، فهناك علاقة تأثير وتأثر بين الجامعة والمجتمع، فمن ناحية هي انعكاس لحاجات وتطور المجتمع، ومن ناحية أخرى هي المطبخ الفكري الذي يصوغ النظريات في جو من الحرية الفكرية، حيث تتلاقح الأفكار فيما بينها لتوّلد الأمثل والأنجع في عملية دفع لمجتمعها نحو التقدم والرقي والرفاهية.
ما يرمي إليه هذا الكتاب هو تسليط الضوء على الجامعة في فكر الإمام الخميني (قدس) لنستنبط المنهج الكلي لهذا الدور من كلمات ووصايا وتوجهات الإمام (قدس) ضمن نظراته الشاملة إلى الوجود والإنسان وعبر مشروعه الحضاري الإستنهاضي الذي أسسه عبر قيام دولة حديثة أصبحت تنافس بجدية النظم القائمة و"المتحضرة" في العالم بل وتتفوق عليها في الكثير من المجالات.
تنبع أهمية هذه المقاربة من الإشكالية المطروحة التي حاولت تبيان البُعد العلائقي للجامعة مع الرؤية العامة للإمام الخميني(قدس)، أي مع مشروعه الإسلامي الذي استندت إليه الثورة الإسلامية الإيرانية، لا سيما وأن ما كُتب عن الجامعة في فكر الإمام الخميني(قدس) ليس سوى محاولات متواضعة جرى خلالها إعادة تصنيف أقوال الإمام مع إضاءات قصيرة خصوصاً من باحثين غير إيرانيين، علماً أن هذه الإضاءات وفرت موئلاً لإغناء معلومات ومعارف الهادفين للبحث ممن لم يتوفر لديهم اطلاع على اللغة الفارسية. مع ذلك يقتضي التواضع العلمي القول أن هذه المقاربة مع مراعاتها لأصول البحث وللموضوعية العلمية تحتاج لاستكمال وإلى رؤيتها من زوايا وأبعاد أخرى تضيف إليها الكثير من الإغناء المعرفي. كذلك فإن اشتراك ثلاثة باحثين في مقاربة واحدة، يجعلها محتاجة نوعاً ما إلى سياق يسير وفق تجانس حاد كما هو معمول به في الأطروحات الجامعية، لكنه يوفر للقارئ الوقوف على تنوع المعالجة التي تجعلها تحمل الكثير من الغنى المعرفي. ولهذا الاعتبار نجد في المقاربة ما يفسح المجال أمام باحثين آخرين ممن لديهم تضلُّع بسبر أغوار المعرفة لاستكمال ما قد يجدونه قاصراً عن الرؤية ولإعداد أبحاث أخرى متكاملة لا سيما حول التجربة الراهنة للجامعة بعد رحيل الإمام الخميني(قدس) باعتبار أن الجهد كان قد انصب على العنوان المطروح في زمن وجود الإمام الخميني(قدس) ليس إلا. أخيراً فأن المقاربة استطاعت إبراز بعض معالم رؤيته للجامعة باستلهامها من مشروعه الخاص باعتبار أن المشروع العام يشكل العناوين العريضة في حين أن البحث في تفاصيل المشروع معقود اللواء للمفكرين الثوريين وللأساتذة أنفسهم ممن ساهم في نجاح تجربة انتصار الثورة الإسلامية انطلاقاً من المنطلقات ومن العناوين التي كان قد رسمها الإمام الخميني(قدس) هو نفسه.