شرارة حرق مسجد «الجامع» في كرمان
أرقت النظام البهلوي وحرقت أركانه
الوفاق / شكلت حادثة حرق مسجد "جامع كرمان" على يد النظام البهلوي سبباً رئيسياً لإشعال نار الثورة في المحافظات والمدن الإيرانية الأخرى، والتي أتت على إثر ارتكاب النظام البهلوي مجزرة في حق المواطنين العزل، فقد أطلق النار على الناس في ساحة ژاله في العاصمة طهران، والتي استشهد فيها عدد كبير من الأشخاص، وكان لها انعكاس واسع في المدن الإيرانية المختلفة.
مشاركة كبيرة رغم القلق من حصول إعتداءات
أقيم تخليداً لذكرى هؤلاء الشهداء مراسم تشييع وخُطب في معظم المساجد، وأقيم تجمع تذكاري لهم في مسجد الجامع بدعوة من رجال الدين في المدينة، ذهب الناس بأعداد كبيرة إلى المسجد منذ ساعات الصباح الباكر، وامتلأ المسجد بجمهورٍ غفير. وحضر تلك المراسم بالإضافة إلى الأعداد الكبيرة من شرائح المجتمع المختلفة، رجال دين بارزين في كرمان، وعلى رأسهم آية الله صالحي، وفي الجهة الأخرى، حاول عملاء النظام تنفيذ حيلة لقمع انتفاضة الشعب وتجمعهم السلمي عبر جمع عدد من المأجورين في مسجد الصفا وتقديم الوسائل لهم من عصي وهراوات لقمع انتفاضة الشعب مع تزويدهم بكل التعليمات الضرورية لتنفيذ مخططهم. أثارت الأجواء العسكرية السائدة في المدينة، وطريقة تنظيم هؤلاء الأشخاص، والأدوات والمعدات المجهزة التي تسلحوا بها الخوف والرعب في نفوس الأهالي، الذين توجسوا شراً وتوقعوا حصول أحداث غير سارة.
وعلى الرغم من الظروف التي عاشتها المدينة، إلا أن مراسم التشييع في المسجد بدأت كالمعتاد، ويومها تعمدت بعض العناصر المتنفذة تأجيج الأجواء القلقة ونقل الأوضاع إلى داخل المسجد، ورغم المخاوف والتهديدات، تعمد منظموا الاحتفال الاستمرار بإقامته وواصلوا تنفيذ برنامجهم معلنين استعدادهم بعدم السماح بأي هجوم على المسجد.
يوم الحادثة
في الساعة الثامنة من صباح يوم 16 اكتوبر / تشرين أول من العام 1978م اجتمع في المسجد العديد من الأشخاص من الفئات الإجتماعية المختلفة، للاحتفال بتأبين الشهداء والاستماع إلى كلام أحد رجال الدين.
وأثناء إلقاء الخطيب السيد "صمداني" كلمته ومع ترديد شعارات مؤيدة للإمام (قدس)، دخلت فجأة مجموعة من الغوغاء المؤيدين للنظام البهلوي، والذين ذكر تقرير لمنظمة السافاك أن عددهم كان يبلغ ألف شخص، إلى المسجد بالهراوات والقضبان الحديدية وبالطبع بدعم من ضباط الشرطة، وهاجموا الناس وهم يرددون شعار "البقاء للملك". كما أشعل المهاجمون النار في السيارات المتوقفة أمام المسجد قبل دخولهم إليه. وأنهالوا على أهالي كرمان بالضرب بالهراوات والسلاسل وقفازات الملاكمة والسكاكين.
إحراق المسجد وترويع الأهالي
أصيب في الهجوم، مئات الأشخاص بجروح متفاوتة بمن فيهم آية الله "صالحي كرماني"، عالم الدين البارز في المدينة، وسيد "محمد خوشرو"، سيد "جواد نيشابوري"، "لبيني صمداني"، سيد يحيى جعفري ، الشيخ "عباس شيخ الرئيسي"، الشيخ "عباس بور محمدي"، والشيخ "محمد حسين موحدي كرماني" واستشهد خمسة أشخاص. بعد تنفيذهم الإعتداء الإجرامي، وبعد خروج الأهالي من المسجد، جمع المهاجمون أثاث المسجد وسجاده ومصاحفه وأضرموا فيها النيران.
ولم يكتف هؤلاء المهاجمون بالكم من المآسي والجرائم، واستمرار لأعمالهم قاموا بمهاجمة ونهب المحلات التجارية المملوكة لأهل المدينة المتدينين أو صور الإمام (قدس) التي تم تركيبها خلف نوافذها، وأضرموا فيها النيران، واستمر الوضع حتى وقت متأخر من الليل.
هذا وقد أرسل آية الله "صالحي كرماني" رسالة مفتوحة إلى آية الله الشيرازي يوضح له فيها ملابسات الحادثة، فيقول: "تجمع أكثر من عشرين ألف شخص في مسجد الجامع في الساعة الحادية عشر صباحاً حداداً على شهداء ساحة ژالة بطهران، وأثناء إلقاء الخطيب لكلمته، وبينما كان الناس يجلسون في المسجد في هدوءٍ تام وصمت من دون أي شعارات، قام عدد من المشردين المسلحين والمستأجرين من قبل عملاء النظام بإشعال النار في سيارات الناس والدراجات النارية والدراجات خارج المسجد ودخلوا إليه وهم يلقون بالغاز المسيل للدموع داخل صحن المسجد ما أدى لإختناق الحضور، واعتدوا على الجميع بشدة ولم يسلم حتى الأطفال الصغار والرضع، وقتلوا علماء الإسلام، وشتموهم بأبشع الألفاظ وحطموا الأبواب والنوافذ وأضرموا فيها النيران مرة أخرى، وتعرضوا للفارين من المسجد بالضرب المبرح ما تسبب بإصابات مختلفة لهم، ونزعوا الحجاب عن رؤوس النساء. وأسفر الحادث عن مقتل وجرح عدد من الأشخاص، ثم دخل المهاجمون الشارع والسوق بدعم وإشراف الضباط وأضرموا النيران في العديد من المحلات التجارية بعد النهب.
رعب وهلع للنظام الحاكم جراء الحادثة
كانت الكارثة إجرامية لدرجة أنها تسببت في موجة من الانتفاضات والمظاهرات في جميع أنحاء البلاد، وكان النظام مرعوباً لدرجة أنه أعلن عن نيته بإجراء تحقيق في الحادثة.
واتخذ العلماء موقفاً موحداً في جميع أنحاء البلاد. أدان آية الله "صدوقي" من يزد، وآية الله "يثربي" من كاشان، وآية الله "قاضي" من تبريز، وعلماء الدين المناضلين من العاصمة طهران، وآية الله "كلبايكاني" ، وآية الله "مرعشي نجفي" وآية الله "شيرازي" من مدينة مشهد المقدسة والعديد من العلماء جريمة النظام عبر إصدار تصريحات وبرقيات ورسائل، كما أقاموا العديد من مراسم تخليد لشهداء الحادثة التي أثبتت التحقيقات فيها وفق بيان جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان الإيرانية بأن مؤامرة كرمان دُبرت في مكتب المحافظ بحضور مسؤولين حكوميين.
موقف الإمام الخميني (قدس) من الحادثة
قال الإمام الخميني(قدس) في كلمة ألقاها في باريس للإيرانيين عن الحادثة: "في كرمان، ارتكبوا الجريمة. دخلوا إلى المسجد، وأصابوا مجموعةً من الناس بالاختناق بالغاز، وقتلوا مجموعة من الأطفال والرجال والنساء والشيوخ، وأشعلوا النار في المسجد وكل شيء. ثم دخلوا السوق وأشعلوا فيه النار ونهبوه. الآن يقولون فقط إنه يجب أن نرسل المشاركين بالحادثة للتحقيق ليتضح من فعل هذا الشيء ... أرسلوا الشخص الذي أرسلهم للتحقيق، الملك يريد معاقبة هؤلاء القساة الذين فعلوا ذلك! أنت من يجب أن تعاقب".
انتشرت أثار الحريق الذي أشعله النظام البهلوي في مسجد كرمان الكبير إلى مختلف المناطق الإيرانية مشعلةً فيها الثورة، لدرجة أن الحادثة تغلغت في أعماق النظام الذي لم يشهد بعد ذلك يوماً هادئاً.
ختاماً لم يستفد النظام من تنفيذ المؤامرة الوقحة البغيضة للهجوم على المسجد الجامع وإضرام النار في المحلات التجارية وممتلكات الناس، والتي لم يكن لها سوى بث الرعب في قلوب الناس، سوى إثارة عاصفة الغضب باتجاهه، واعتبر الإمام الخميني (قدس) في رسالة، أن هذه التصرفات نتيجة لهجمات جنونية.
ومنذ اليوم التالي للحادثة، بدأ أهالي كرمان في فضح جرائم ومآسي عملاء النظام ورفعوا صرخاتهم الاحتجاجية أكثر، واشتدت التحركات الشعبية، وواصلت العديد من الإدارات والمنظمات التي كانت مضربة عن العمل اعتصاماتها واستمرت في الإضراب. وانضم المضربون وآخرون ما زالوا نشطين إلى الحركة الشعبية الاحتجاجية بعد الحادث معتبرين اللامبالاة غير مقبولة.
وكانت جميع الطبقات حاضرة في التحركات الإحتجاجية وتحركت كل منها بطريقة ما، وعلى رأس هذا التيار كان مجتمع رجال الدين في كرمان بقيادة آية الله "صالحي".
لقد مر خمسة وأربعون عاماً على الحادثة ، وبعد مرور سنوات عديدة على ذلك اليوم المرير، لم ولن ينس أحد ذلك اليوم الدامي لمسجد الجامع التاريخي في كرمان، وسيظل شعب كرمان وإيران يتذكران تاريخه إلى الأبد، وسيُكرم أسماء وذكرى شهيدي الحادثة الشهيدين "محمد باقدرت " و"غلام رضا يزدان شناس". وأضحى شعار ذلك اليوم، مسجد كرمان الكبير، كتاب القرآن، الشعب المسلم، الشاه أحرق مسجد كرمان، الشعار الوطني للشعب الإيراني.