من القبيلة إلى الفيسبوك
شبكات التواصل الاجتماعي ودورها في التحولات المستقبلية
أَحدَثَ انتشار شبكات التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة، تحوّلاً كبيراً في المجتمعات، من التفكير بعقلية القبيلة إلى التفكير بأسلوب الفيسبوك. كما أسهم هذا الانتشار على نحو غير مسبوق، وبسرعة مذهلة، في تحقيق التواصل بين الناس الذين تجمع بينهم خصائص ثقافية ودينية وسياسية واقتصادية مشتركة، في مشارق الأرض ومغاربها. وحين تلتقي مثل هذه الأعداد الهائلة من الأفراد، عبر شبكات التواصل الاجتماعي، تغدو المجتمعات التي كانت خيالية ذات مرة واقعاً حقيقياً؛ وتتسع رقعة العوالم الافتراضية التي تضمّهم، وتغرس في "مواطنيها" رغبة متبادلة في تحقيق مصالحهم المشتركة.
وبأسلوب الباحث المتمرس، يرصد مؤلف الكتاب تأثير هذه الظاهرة؛ بهدف استكشاف النتائج المحتملة للتطور المتسارع لشبكات التواصل الاجتماعي وتحليلها؛ فيناقش الإمكانات الاقتصادية بشكل عام، وكذلك تأثير هذه الشبكات في مستقبل وسائل الإعلام التقليدية على اختلافها؛ وذلك بوصفها مصدراً للأخبار ومنصاتٍ رئيسية لتشكيل الرأي العام على حد سواء.
لقد أدّت وسائل التواصل الاجتماعي إلى التحـوّل مـن "القبيلـة إلى الفيسبوك فإذا كانـت القبيلـة الواحـدة تتكوّن من بطون وأفخاذ متفرقة وعصبيات متعـددة، فلا بـدّ مـن عصـبية أقوى تلتحم فيها جميع العصبيات وتنصهر، وتصير كأنها عصـبة واحـدة كبرى، وإلا وقع الافتراق المفضـي إلى الاختلاف والتنازع.
وإذا كان كل حيّ أو بطـن مـن القبائـل عصـبة واحـدة لنسـبهم العـام، ففـيهم أيضـاً عصبيات أخرى لأنساب خاصة هي أشـدّ التحاماً من النسب العام لهم، وهو أمرٌ ينطبق بصورة رئيسية على منظومة وسائل التواصل الاجتماعـي؛ فلكلّ مجموعة تتّصل على أي وسيلة تواصـل اجتماعـي توجهـات ورؤى واحدة كأنها عصبية قائمة بذاتها. كما أن المستخدم لا يتخلص من عصبيّته الأصلية. لذلك، يمكن القول إن لوسائل التواصل الاجتماعي "عصـبيات افتراضية"، وهـي سـمة البنيـة الاجتماعيـة الجديـدة في المجتمـع الكـوني الكبير.
أما إذا أخذنا القبيلة، وفـق مفهومهـا المتعـارف، بأنهـا "كيـان اجتماعي اقتصادي سياسـي يضم عائلات تجمع بينها القربى وتنتسـب إلى أبٍ واحد أو جدٍ واحد"، فـإن وسـائل التواصـل الاجتماعـي، وخصوصاً فيسبوك، أسهمت في تشكيل قبائـل مـن نـوع جديـد تضـم كيانـات وعائلات يربطها العالم الافتراضـي، ومـن ثـم انتقـل الفـرد مـن روابـط القبيلة إلى فيسبوك، وجرى تغيير ثنائيـة "العصـبية والقبيلـة" إلى ثلاثيـة العصبية الافتراضية المشتركة، وقوّة رابطة وسـيلة التواصـل الاجتماعـي، والشـعور بوحـدة الهـدف والمصـالح،
ويستكشف الكتاب أيضاً، استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، من قبل الإرهابيين وعصابات الجريمة المنظمة - وهو اتجاه لم يؤدِّ إلى تطوير أشكال جديدة من النشاط الإجرامي فحسب، بل إلى "عولمة" الجريمة - فيدرس إمكانية ظهور أنماط جديدة من الصراع "الافتراضي"، تكون شبكة الإنترنت ساحةَ معركته، وشبكات التواصل الاجتماعي سلاحَه، والدول والمواطنون مقاتليه.
وفي مجال الأمن الداخلي، يرى الكتاب أن الجهات المعنية بأمور الدفاع والاستخبارات ستعتمد على شبكات التواصل الاجتماعي؛ لشنّ شتى صنوف حرب المعلومات وصدّها، ولرصد تحركات الأفراد الخاضعين للمراقبة، ومتابعة اتصالاتهم كذلك.
ويركّز الكتاب بشكل رئيسي، على تنامي قدرة المتظاهرين ودعاة التغيير السياسي في البلدان ذات الأنظمة القمعية، على تشكيل ضغط سياسي "افتراضي" كبير، عبر شبكات التواصل الاجتماعي، والحصول على المعلومات ونشرها، من دون الخضوع للرقابة، في "ديمقراطية المعلومات" الجديدة. وهذا الدور الكبير الذي تضطلع به شبكات التواصل الاجتماعي، في التركيبة السياسية والاجتماعية للدول، هو ما يحدد أهمية هذا الكتاب؛ وبخاصة في ضوء حقيقة أن شبكات التواصل الاجتماعي أضحت في الآونة الأخيرة متغيراً حيوياً من متغيرات الحراك الاجتماعي-الاقتصادي في جميع أنحاء العالم، وفي العالم العربي على وجه الخصو.