تغيير في المنطلقات والأهداف
وسائل التواصل الإجتماعي من التواصل المجتمعي إلى التفكك الأسري
الوفاق / هل منصات التواصل الاجتماعي تزيد العلاقات الأسرية ترابطاً أم العكس وما هي علاقة وسائل التواصل بالترابط الأسري والمجتمعي؟ ارتفعت نسبة الأشخاص الذين لا يقضون وقتاً مع عائلاتهم في العالم الى 54 بالمئة بسبب الانشغال بهذه المواقع، فقد غزت وسائل التواصل الاجتماعي ليس فقط الأسرة بل كل فرد من المجتمع حتى باتت تهدد العلاقات بين الأفراد فكثرة الانشغال بها تدخل كل شخص عالماً افتراضياً وتبعده عن الواقع هذا ما يجعل الفرد يتجاهل الآخر مما يوتر العلاقات.
مواقع التواصل الاجتماعي بين الإيجابية والسلبية
لا نستطيع أن ننكر ما لمواقع التواصل الإجتماعي من فوائد جمة، فهي تقوم بتقريب المسافات بين العائلات وعبرها يجمع الشخص العالم بين يديه كما أنه يستخدمها بالنقاشات بين العائلة الواحدة بالإضافة للتسلية وقضاء الوقت وهي فتحت نوافذ كثيرة على المجتمعات والثقافات المختلفة نتج عنها آثار ايجابية، ومنها الانفتاح الفكري والثقافي، وتطوير المعرفة والبحث العلمي، كما أنَّها تحقق احتياجات متعددة لمستخدميها من الناحية الوجدانية والمعرفية والتكامل النفسي والاجتماعي. وعبرها يتواصل الأفراد فيما بينهم بكل سهولة ويسر إما لدواعي إجتماعية أو لتبادل الخبرات والمهارات والاهتمامات، ووصلت أهميتها أنها أصبحت تُشكل جزءًا أساسياً من حياتنا الاجتماعية، إذ تغلغلت في نسيجنا الاجتماعي وبتنا نعتمد عليها في جميع أوجه أنشطتنا الاجتماعية الرسمية وغير الرسمية، مع الالتفات أنها ينبغي لتلك الوسائط أن تظل أدوات في أيدينا نستخدمها ولا تستخدمنا، نملكها ولا تملكنا، نتعامل معها بقدر الحاجة ولا نستسلم لما تفرضه علينا من قيم دخيلة.
تحول وظيفي في دور وسائل التواصل الإجتماعي
أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي تُشكل عنصراً هاماً وأساسياً في حياة الأفراد، وبالرغم من الايجابيات الكثيرة والتي حملتها معها إلا أن الاستعمال الخاطئ والمفرط لها وغير المدروس أدى إلى إحداث الكثير من التأثيرات السلبية في النظام الأُسري بشكل خاص، لا تسبب هذه الوسائل التفكك الأسري أو المشاكل الإجتماعية بحد ذاتها بل هي تحمل من الإيجابيات الكثير، لكن يرجع ما ينتج عنها من سلبيات على صعيد الأفراد والأسرة والمجتمع من طريقة استخدامها، فالمشكلة لا تكمن في وسائل التواصل الاجتماعي بل في الأشخاص بالأساس، والذين لا يراعون أنها تؤثر بشكل مباشر على حالتهم الصحية وعلاقاتهم الاجتماعية. عليه يبقى الفرد هو من يحدد مدى الاستفادة من هذه التقنية الجديدة، واستخدامها في وجهتها الصحيحة، عن طريق تحقيق الاستفادة الكاملة من هذا التقدم التقني، الذي حقق مكانة تحسب لهُ في معظم الدول، والابتعاد عن ما هو سلبي قدر الإمكان.
ولكننا لم نُحسن في العالم العربي التعامل معها، فازدادت الخيانات الزوجية والطلاق والمشاكل التربوية، فبدلًا من كونها وسيلة للتواصل وتقريب المسافات بين الأفراد، ووسيلة مفيدة لقضاء وقت الفراغ، أصبحت الشغل الشاغل والمتحكم في وقت الأفراد كله. أصبح الوالدان سجناء لتلك المواقع، في حالة مستمرة من الانشغال العقلي والتوتر النفسي بسببها، فاقدي الرغبة في بذل مزيد من الجهد والتواصل الحقيقي مع صغارهم، لتطفو على السطح مشاكلها وسلبياتها التي تعتبر مظاهر التفكك الأسري إحداها، وعليه فإن الاستغراق في استخدام هذه الوسائل يُضعف العلاقات الاجتماعية ويُقلل من التفاعل الاجتماعي في محيط الأسرة، وذلك من خلال قلة الزيارات واللقاءات العائلية، كما تزيد من الاغتراب النفسي بين الشباب ومجتمعهم، إلى جانب تأثيرها سلباً في مهارات التواصل الاجتماعي، ما قد يُسبّب عزله اجتماعية، وكذلك سماحها باستيراد نماذج من السلوك لا تتفق مع ثقافة المجتمع الدينية والاجتماعية، إذ تفسح المجال لبناء علاقات بين الجنسين بما يتعارض مع قيم المجتمع.
غياب الخصوصية مع وسائل التواصل
بكبسة زر على وسائل التواصل الاجتماعي قد تحول سعادة دائمة أو تعاسة إلى تدمير حياة الشريكين، هذا ما يحصل في ظل انهماك بعض الأُسر في ارتياد منصات التواصل الاجتماعي ونقل تفاصيل حياتهم اليومية فيها، ورغم أن هذه المواقع جعلت العالم قرية صغيرة إلا أن ضبط المعلومات الشخصية وتنظيمها بات أمراً ملحاً كي لا يقع الزوجان في مصيدة الاستغلال والابتزاز، هناك سلبيات عديدة لنشر تفاصيل الحياة الخصوصية على مواقع التواصل الاجتماعي إذ تدخل الأزواج في مجال مقارنات مع الآخرين على حساب الاهتمام بالأسس الصحيحة للعلاقات الأسرية وقد ينتهي الأمر بتفكك روابط الأُسرة وانهيارها.
خلل في السلوكيات العامة لأفراد الأسرة
أثبت الدراسة النفسية ان تفكك الأسرة بسبب وسائل التواصل الإجتماعي مما يصيب أركان الأسرة بالخلل فيؤثر سلبا ًعلى السلوكيات العامة داخل المحيط الأسري وخارجه، فهي تُعتبر بمثابة المسؤول الأول عن المشاكل الأسرية إذ إنه في أغلب الأحيان لا يتم توظيفها على النحو السليم فأصبحنا نرى الأجهزة الهاتفية بين أيدي جميع أفراد الأسرة ولكل منهم عالمه الافتراضي الخاص به، وبالتالي فُقدت مشاعر الألفة داخل المحيط الأسري وخارجه، وهي أصبحت من أهم مسببات الخلافات الأسرية التي يمكن أن تتطور لتؤدي إلى انفصال الأسرة نهائياً، وهذا ما نراه وبكثرة في محاكم الأسرة العربية، فأصبحنا نشهد ازدياد في حالات الطلاق في المحاكم بسبب هذه الوسائل، وتحوي ملفات قضايا الطلاق على الكثير من التفاصيل الغربية التي تجاوزت القيم والعادات الأصيلة منها الخيانة الرقمية والتي أصبحت سهلة باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، قصص وحكايات هذا النوع من الخيانة أكثر من أن تُعد نتيجة غياب الرقابة، سواء كانت الأُسرية أو المجتمعية، مع وجود الفراغ وغياب الوازع الديني وإدمان الجلوس أمام الحاسوب لفترات طويلة للتسلية، والنتيجة في النهاية خيانة زوجية. في المجال نفسه، يزيد سوء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي نسبة الخلافات الزوجية، مع إمكانية تطور تلك الخلافات بسبب إدمان التكنولوجيا إلى انفصال الزوجين وهدم الأُسرة. فمتابعة مواقع التواصل الاجتماعي زادت فجوة توتر العلاقات بين الكثير من الرجال والنساء، فعلت الأصوات من الزوج والزوجة في الفترة الأخيرة من إدمان المكوث لساعات طويلة خلف شاشة الحاسوب، ولم يقف الأمر عند ذلك بل غزت تلك المواقع بيوتاً ينعدم فيها الحوار لتنبت من أثر ذلك أشواك البعد والانفصال وحدة الخلافات. فإن سوء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي يهدد الاستقرار الأسري، ويُمزق أواصر التواصل بين أفرادها، ويؤدي إلى تجمد العواطف، وتزداد درجة العصبية في التعامل، وتكثر الخلافات التي قد تصل لدرجة الانفصال، وسيظل الاستخدام السيئ للإنترنت السبب الرئيسي في تفكك الأسرة ، لذا يجب توعية أفراد المجتمع وتعريفهم عبر الوسائل المختلفة من وسائل إعلام وإرشادات وتحركات مؤسسات الدولة المعنية بالأُسرة والمجتمع نحو الاستخدام الصحيح للإنترنت لكي يساعد على ترابط الأسرة
وعدم تفككها.
في النهاية..إنّ مظاهر التفكك الأسري الواضحة في مجتمعاتنا والناتجة عن وسائل التواصل الإجتماعي ناقوس خطر يخبرنا أن الأسر في طريقها للضياع، والانتماء في طريقه للاختفاء، وهما عماد قيام المجتمعات وتقدمها. قوة المجتمعات تُقاس بمدى قوة الأسرة ومتانة العلاقة بين أفرادها، لأن التفكك الأسري يُعطل الناس عن الإنتاج، ويدفعهم إلى التخريب والتدمير ونشر الجريمة، ونشر الخوف بين الناس، ويُدمر العلاقات الاجتماعية بينهم. لذا، علينا جميعًا أن نتعاون ونعمل سويًا لإصلاح هذا الوضع بأسرع وقت وبكل الطرق الممكنة.