العلامة عبد الحسين الأميني مؤرخاً للغدير
الوفاق / العلامة الأميني هو الشيخ عبد الحسين بن الشيخ أحمد بن الشيخ نجف قلي المعروف بأمين الشرع، ولذلك إكتسب لقب الأميني من جده أمين الشرع، عالم دين وباحث في علم الرواية، ومن أهم تأليفاته موسوعة الغدير في الكتاب والسنة والأدب". والعلامة الأميني، عُرف بالزهد وكثرة العبادة، ومن آثاره انشاؤه مكتبة في مدينة النجف الأشرف سماها مكتبة أمير المؤمنين(ع) وجعلها مكتبة عامة.
ولد العلّامة العلم الشيخ عبد الحسين الأميني من أسرة علمية عريقة في مدينة تبريز الإيرانية، في عام 1902م، في مدينة تبريز في إيران .والده الشيخ أحمد بن الشيخ نجف علي الملقّب بأمين الشرع – ومنه لقب الأميني – بدأ حياته العلمية بالتتلمذ على يد والده، ثم على آخرين، عبر تردّده إلى مدرسة الطالبيّة، وهي من أهمّ مراكز الثقافة ومعاهد العلم المعروفة بتبريز يوم ذاك، وما زالت قائمة حتى الآن، فقرأ مقدِّمات العلوم الإسلاميّة، وأنهى سطوح الفقه والأصول على عدد من نخبة علماء تبريز، منهم آية الله السيّد محمد بن عبد الكريم الموسوي، وآية الله السيد "مرتضى بن أحمد بن محمد الحسيني الخسروشاهي"، وآية الله الشيخ "حسين بن عبد علي التوتني."
بعدها يمّم وجهه إلى مدينة النجف الأشرف، واستوطنها لطلب العلم عند علمائها الكبار، وبعد سنوات، عاد إلى مسقط رأسه تبريز واعظاً وأديباً وعالماً ومربياً ومرشداً، مع انشغاله أيضاً في التدقيق والتحقيق والبحث العلمي، وكان تأليفه النفيس (تفسير فاتحة الكتاب) أوّل أعماله وإسهاماته العلمية الكبيرة، ولكنه عاد وقرر التوطن في مدينة النجف الأشرف.
كان الشيخ الأميني يتميز بزهده وتقواه وعبادته وورعه، وكان تواضعه في حياته ومعيشته البسيطة، يدلّ على عزوفه عن الدنيا ومظاهرها وتفرغه للتدريس والبحث، ولم ينسه انشغاله العلمي عن السعي إلى قضاء حاجات الفقراء والمعوزين، حيث كان السند والمواسي لهم.
مكتبة أمير المؤمنين (ع)
من الأعمال العظيمة التي قام بها العلامة الأميني هي تأسيسه مكتبة الإمام أمير المؤمنين (ع) العامة في مدينة النجف الأشرف وقد بذل كل جهده حتى أظهر هذه المكتبة من العدم إلى الوجود وجعلها صرحاً ثقافياً عالمياً شامخاً وفي السنوات العشر الأخيرة من عمره جاب العالم الإسلامي باحثاً في أروقة المكتبات العامة والمراكز الثقافية وفي بطون الموسوعات والصحاح والمسانيد والسير الموسعة مفتشاً عن تراثنا من المصادر والروايات الموثقة والمسانيد الصحيحة والتقط من تلك الخزائن الشيء الكثير لاستنساخها بنفسه وتصوير الكثير منها على "المايكروفيلم" وطبعها على الورق وجلدها، ثم أصبحت كتباً تحاكي النسخة الأصلية وجلبها إلى مكتبته العامة وجعلها في متناول أيدي المحققين والباحثين والكتاب والدارسين والتي كانت المكتبات الشيعية لا سيّما في مدينة النجف الأشرف تفتقر إليها.
العلامة الأميني: آية الله الأعظم هو الإمام (قدس)
تشير علاقة العلامة أميني بالإمام الخميني (قدس) إلى الدعم الصريح والواسع النطاق لهذا الفقيه التقي للحركة الإسلامية. حجة الإسلام محمد حسن رحيميان ، أحد تلاميذ الإمام الخميني (قدس) والمناضلين الثوريين، يذكر مذكراته بعنوان "حديث رويش" الصادر عن مركز وثائق الثورة الإسلامية، أنه: " كان يقع منزل العلامة الأميني ومكتبته في مدينة النجف الأشرف بالقرب من منزل الإمام (قدس) باتجاه مسجد الشيخ الأنصاري. كانت مكتبته المسماة " مكتبة أمير المؤمنين (ع)" واحدة من أكبر وأعرق المكتبات العامة في حوزة النجف الأشرف وكنت أقوم بدراستي هناك عدة مرات، كان لدي شعور بوجود علاقة خاصة بين الإمام (قدس) والعلامة أميني، لكن هذه العلاقة لم تكن ملحوظة وواضحة. ذهبنا في أحد المرات إلى منزل العلامة الأميني مع الإمام (قدس)، عندما وصلنا المنزل دخل الإمام (قدس) إليه وأغلق الباب من ورائه!
هذا ولقد جمعت الإمام (قدس) بالعلامة أميني في مدينة قم المقدسة قبل نفيه إلى مدينة النجف الأشرف. ولقد أخبرني السيد جعفري جيلاني كما يذكر حجة الإسلام "رحيميان" في مذكراته بأنه شهد لقاء مع المرحوم الشهيد حيدري في منزل الإمام (قدس)، إذ زار الشيخ "عباس علي إسلامي" وعدد من العلماء ووعاظ طهران الإمام (قدس)، وحضر هذه اللقاء العلامة الأميني، وفي هذا الاجتماع وبعد حديث السيد "إسلامي" شدد الإمام على ضرورة تشكيل اجتماعات للعلماء والاعتماد على حادثة الفيضية والحفاظ على الوحدة. وقال في يوم عاشوراء إنني سأتحدث مع الشعب، وأن الإسلام معرض للخطر وأنه لا يجب إعطاء الضمانات للسافاك فمن يعطيهم ضمانات فهو ليس منا.
حينها قال السيد "إسلامي" للعلامة "أميني"، الذي استمع إلى كلام الإمام من كل قلبه: "أنت أيضاً قل شيئا". فقال العلامة: "حيث توجد قيادة القوات العامة، فإن الجنود ورجال الشرطة عند مفترق الطرق لا يحصلون على دورهم". فطلب منه الإمام قائلاً: "أنت لغة الإسلام ومدافع عن الولاية قل كلامك". فقال العلامة أميني بناءً على طلب الإمام: "إنّ آية الله الأعظم هو الإمام(قدس).. عندما قال كينيدي (الرئيس الأمريكي السابق) في لقائه مع الشاه: أتمنى أن تعترف بالأقليات الدينية، وكان يقصد البهائية، ونُشر في الجريدة ، لماذا لم يصفع آية الله بروجردي هذا الرجل ؟!
موسوعة الغدير
عندما تسمع بالعلامة الأميني، يستحضر الذهن مباشرة موسوعته المشهورة التي ذاع صيتها في الآفاق، وهي بعنوان "الغدير في الكتاب والسنّة والأدب"، وقد انشغل لأكثر من نصف قرن في تأليفها، محتماً على نفسه الكتابة والمطالعة ستّ عشرة ساعة في اللّيل والنهار، إذ تطلب تأليفها المرور بآلاف من الكتب المطبوعة والمخطوطة، ومطالعتها والتمحيص والتدقيق فيها، وكذلك السفر للحصول على المصادر والوثائق، فقد سافر إلى بلدانٍ كثيرة، منها بلاد الشام وإيران والهند والحجاز وتركيا، وبذل جلّ جهوده في سبيلها، لذلك ترك البحث والتدريس، وجلس في داره معتكفاً بمكتبته الخاصّة، متفرّغاً للعمل.
وبلغت عدد المصادر التي اعتمدها وأسند إليها نصوص الحديث والوقائع التاريخية ومسائل الشّعر والأدب، آلاف الكتب خطّية ومطبوعة، ما جعل كتابه الموسوعيّ مرجعاً ضخماً ومهمّاً، يسهّل للباحث الوصول بكلّ يسر إلى ما يحتاجه في مجال التأليف والدراسات والأبحاث، دلّ كتاب الغدير الواسع على صبر المؤلّف ودقّته في أُصول البحث والدراسة والتقصّي، ذلك الصبر والدأب الذي جعل الموسوعة تتّسع حتّى تشمل كلّ ما قيل وما ورد عن حديث الرسول الشريف (ص)، لتشمل أخيراً ما يقارب خمسة آلاف صفحة، بعيداً بعداً كاملاً عن التعصّب والتطرّف.
كان الشيخ الأميني عالماً متبحراً في آداب اللّغة وعلومها، وقد انعكس ذلك في بعض تراثه، إذ نجد الغنى الموسوعي في استشهاداته وعرضه للقضايا وأدلتها، ولآراء العلماء ورجال الفكر والرأي. وقد ترك العلامة الأميني مؤلفات كثيرة، أبرزها "مجموعة الغدير" "تفسير سورة الفاتحة"، بالإضافة إلى "كتاب سيرتنا وسنتنا" والذي شرح من خلاله سبب حب الشيعة الكبير لـ أهل البيت (ع)، وقد امتازت مؤلَّفاته بالدقة العلمية وجودة البحث والتحقيق والعرض والاستنتاج.
رحيل العلامة الأميني
بعد مسيرة علمية طويلة، وسيرة مشرفة لرجل الدين الباحث والمحقّق والمعطاء، كانت وفاة الشيخ الأميني في اليوم الثامن والعشرين من شهر ربيع الآخر من العام 1971م في مدينة طهران، وشيِّع جثمانه الطاهر في طهران تشييعاً مهيباً، ثم نُقل بالطائرة من طهران إلى بغداد، ثم حُمِل إلى حرم الإمامين الجوادين(ع) في مدينة الكاظمية، ومن ثم إلى مدينة كربلاء المقدَّسة، حرم سيد الشهداء(ع)، وبعدها نقل إلى مثواه الأخير في مدينة النّجف الأشرف، بعد زيارة مقام أمير المؤمنين علي(ع)، ودفن في المقبرة التي أعدّها في حياته بجانب مكتبة الإمام أمير المؤمنين(ع) العامّة.