المجالس الحسينية ... المربي الأول للأجيال
تُمثِّل عاشوراء منعطفاً تاريخياً في حياة الأمة الإسلامية، فهي لا تُعتبر حدثاً عابراً أو حادثةً قديمة، لأنَّ اثارها وما تركته من تداعيات ومواقف شكَّلت مفترقاً هاماً وأسست لمنهجية في الثورة والجهاد، وقد تحوَّلت بفعل مداليلها المتنوعة إلى مدرسة تربوية مُلهمة، خرَّجت أجيالاً من المتمسكين بمنهج أهل البيت عليهم السلام ، وثبَّتت قواعدَ وتعاليم وَفيرة ومتكاملة في السياسة والسلوك والأخلاق والتربية ومواكبة متطلبات الإنسان والمجتمع.
من هنا فإن التعاطي مع عاشوراء لا يتوقف عند ما جرى في التاريخ، ولا يقتصر على استحضار القصة من الماضي، وإنما يهدف إلى تربية الأجيال والمجتمع من منطلق ما حدث مع الإمام الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه في سيرهم ومسارهم إلى كربلاء وما جرى فيها وما تركته من أثار بعدها.
إنَّ تخصيص المجالس العاشورائية للأطفال والناشئة يتطلب مخاطبتهم بمستواهم ومتطلباتهم، وفرق كبير أن يحضر الأطفال في المجالس العاشورائية العامة ليتأثروا بأجوائها ويلتقطوا بعض مضامينها، حيث يكون الهدف الرئيس عيشهم للذكرى بالتفاعل العاطفي بالدرجة الأولى، وبين أن يحضروا في مجالس خاصة بهم، حيث لا يمكن نقل مجلس الكبار بحذافيره إلى الصغار، فلا بدَّ من مراعاة مدى استيعابهم، وطبيعة المشاهد المؤثرة فيهم، والأفكار التي تتناسب مع بنائهم الثقافي والمعرفي، والأجواء التي تدخل إلى أعماق قلوبهم وتساهم في تعبئتهم.
ربط أحداث كربلاء بالواقع
من المفيد ربط أحداث كربلاء وظروفها بأحداث الواقع المعاش التي يفهمها الولد ويدركها، كي لا تتجرَّد الصورة وتبقى في التاريخ، وبهذا يكون الربط بين التاريخ والواقع مساعداً في تقريب الفكرة، ويؤهل المستمع لتبني الموقف الحسيني الذي يرمز إلى الحق والعزة والشجاعة والأخلاق والرضوان الإلهي. فتجربة المقاومة الإسلامية في مواجهة ظلم الاحتلال تستحضر صورة أصحاب الإمام الحسين (ع) الذين يضحون ويستشهدون في مواجهة يزيد وأعوانه الظلمة، وجرأة الشاب المجاهد في اقتحام المواقع دون خوف وهو أخ له أو أب أو قريب أو جار أو صديق للعائلة تقترب من صورة علي الأكبر الشاب الذي لا يبالي بالموت، وبهذا تتوضَّح صورة الحق الذي قاتل كل منهما لأجله.
والحديث عن القيادة يدفعنا لربطه بقيادة الأمة، ففي كل زمان قيادة يعود إليها المسلمون، ولا ضرورة أن تباشر العمل مع كل فرد، وإنما تدير أمورها مع معاونيها وممثليها، وهذا ما يلمسه من الارتباط بولاية الفقيه وقيادة الأمة المعاصرة المتمثلة بالإمام الخامنئي (حفظه الله)، وهو يرى المؤيدين له والمعادين له، فيتفهم معنى وجود المؤيدين للإمام الحسين(ع) القائد والمعادين له، وأولئك الذين تفانوا وضحوا ليلتزموا بأمر القيادة.
هذا الربط بالواقع يحقق الفعَّالية باتجاهين: الأول من عاشوراء للتأسي بها في واقعنا، والثاني من واقعنا لفهم وإدراك المعاني العاشورائية، ما يجعل الولد جزءاً من المسار العام المرتبط بخط كربلاء.