الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • مقالات و المقابلات
  • الریاضه و السیاحه
  • عربیات
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وثلاثة وعشرون - ٠٣ سبتمبر ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وثلاثمائة وثلاثة وعشرون - ٠٣ سبتمبر ٢٠٢٣ - الصفحة ۷

مشاهد إنسانيّة عظيمة

أطفال الأربعينية..مشاعر صادقة ومستقبل واعد

الوفاق / مشاهد إنسانيّة عظيمة يُشاهدها المرءُ حين يسلك طريق الجنّة متّجهاً الى أرض الطفوف، حيث تتجلّى أجمل الصور الإنسانيّة متمثّلةً على أرض الواقع، لتُصبح مصاديق حيّة لا قصصاً تروى في متون الكتب، تصادف على طول تلك الطريق وفي  مدينة كربلاء المقدسة الكثير من تلك المشاهد كان أبرزها هو العدد الكبير من الأطفال الذين يتسابقون فيما بينهم لخدمة أنصار الإمام الحسين(ع)، كيف لا وهم أطفال العراق الذين رضعوا حبّ الحسين وخدمة زوّاره منذ نعومة أظفارهم.
يتبارى الكثير من الأطفال في العراق للمساهمة الفاعلة في خدمة زائري الامام الحسين(ع)، المتوجهين نحو كربلاء سيراً على الأقدام، إذ تمتد مراحل المسير لمسافات شاسعة تصل إلى 700 كيلو متر، من رأس البيشة أقصى نقطة في جنوب العراق وحتى مدينة كربلاء المقدسة التي تتربع وسط البلاد.
هذا وتشكل الزيارة الأربعينية الخالدة سمةً متأصلة لدى الشعب العراقي، وباتت من المراسيم الدينية الأكثر تميزاً على أكثر من صعيد، إذ يقطع محبو وموالو أهل البيت(ع) كل هذه المسافات تأسياً بسبايا معركة الطف، حيث عادت قافلة السبايا سيراً على الأقدام من مسافات شاسعة لزيارة الإمام الحسين(ع) بعد أربعين يوماً من استشهاده.
مواكب الأطفال والفتية
يشارك الأطفال في مسيرة الأربعين عبر تقديم الخدمة الحسينيّة للزائرين ملبّيةً نداء (ألا من ناصرٍ ينصرنا).. وكانت مشاركتهم في هذه الفعاليات منذ بداية الزيارة المباركة ولم تقتصر على مواكب العزاء فحسب، بل كانت لهم مشاركة كذلك في المواكب الخدمية مع أهلهم وذويهم بتقديم الخدمات للزائرين، فتنوّعت نشاطاتهم العزائية فكان منهم من يسير وآخر يلطم صدره ومنهم من يتقدّم ليوزّع الماء والشاي وتقديم المأكولات والخدمات للزائرين. فمن الأطفال الرضّع مروراً بابن السنوات القلائل صعوداً للفتى، كلّهم ماشون وماضون في هذا الطريق الحسينيّ كما مشى عليه آباؤهم وأجدادهم فهي عقيدةٌ وفطرة حسينية.
فمن أجمل مشاهد زيارة أربعين الإمام الحسين (ع) هي مشاهد أطفال وأشبال في الطرق المؤدية إلى كربلاء، حيث يساهمون، كل حسب طاقاته وإمكانياته، في المشاركة بالمسيرة الأربعينية وتقديم الخدمات للزوار.
وها هي شهادات الزوار تُخبرنا عن أصحاب هذه المواكب: فها هي الطفلة زينب بصُحبة إخوانها ينصبون موكبهم الخدميّ الصغير وكلّهم لهفة لتقديم الخدمة البسيطة لمن يقطعون الطريق سيراً أمام دارهم متوجّهين إلى مدينة كربلاء المقدسة، حيث تُلاحق عيناها البرّاقتان وجوه الزائرين متوسّلةً إيّاهم بشرب الماء من موكبهم صغير الحجم كبير المعنى، وعلى مسافةٍ ليست بالبعيدة تقف الطفلة فاطمة التي لم تبارح مكانها وسط الطريق وهي تحمل الإناء ساقيةً كلّ من مرّ بجانبها، كأنّ العيد لديها هو خدمة أبي عبد الله(ع) وزوّاره، أمّا حسن الطفل الذي يقف منتصباً على جادّة الطريق حاملاً بين يديه الصغيرتين صندوق المياه الذي جمع ثمنه عن طريق عمله كبائع قبل الزيارة، ارتأى أن يُهدي ما جنى من أموال إلى الزوار، على الرّغم من الحالة المادّية التي يعيشها برفقة عائلته وما يعانونه من ضنك المعيشة، وحين سُئل عن ذلك قال: "من يخدم الحسينَ يرزقه اللهُ".
وكذلك محمد علي، ذو السنوات العشر، الذي أصر ورفاقه على إقامة موكب صغير يقدم فيه الشاي للسائرين إلى مدينة كربلاء المقدسة، متخذاً من الشارع الموازي لمنطقة سكناه مقراً لهذا الموكب المتواضع، شاحذاً همم أقرانه على ضرورة المشاركة في مراسيم الأربعينية وإن كانت مشاركة محدودة. فيقول، "فكرة إعداد الموكب الخاص بنا جاءت من رغبتنا في المشاركة في مراسيم الزيارة وكسب ثوابها، خصوصاً أن الجميع ترك عمله وانصب للمساهمة فيها".ويضيف، "استطعت ان استحصل اكثر من خمسين ألف دينار من أبي وأعمامي وأخوالي لشراء الشاي والسكر، فيما جمع بقية أصدقائي المشاركين في الموكب مبالغ متفاوتة ساهمت في شراء الأقداح وأباريق الشاي بالإضافة إلى بعض المستلزمات".
الطفل الكربلائي ... أنموذج التضحية والعطاء
مشاعر عارمة يحملها الأطفال الصغار في الشوارع والطرقات وهم يستضيفون المارة بالعصائر الباردة والشاي في أيام محرم الحرام، وفيما بعد في أيام أربعين الإمام الحسين(ع)، على طاولات وفي أماكن صغيرة، تُثير في النفوس الفخر والاعتزاز.
هذا الاهتمام البالغ في المناسبة المتعلقة بقضية الإمام الحسين (ع) من قبل هؤلاء الأطفال  يعبر عن مشاعر خاصة إزاء ما تتضمنه هذه القضية من مشاهد وأحداث يسمعها من المنابر والرواديد، وأيضاً؛ من ثقافة الأسرة والوالدين.
إنّ أسماء لامعة من شهداء الطف ممن هم في مرحلة الطفولة، وهي تطرق أسماع أطفال اليوم، مثل علي الأصغر، والقاسم بن الحسن، وعمرو بن جنادة الأنصاري: “أميري حسين ونعم الأمير، والحسن المثنى، نجل الامام الحسن المجتبى، والسيدة رقية، سلام الله عليهم، تدعوهم، وتدعو كل طفل يظهر في مسيرة التاريخ إلى التعاطف والتضامن مع ما لاقوه من ظلم وقسوة قلب، وأشد المظالم وطأة في النفس؛ العطش الذي ألمّ بالاطفال، فبدلاً من معاملة خاصة للأطفال في هكذا حالات دون الكبار بتوفير الماء والأمان لهم، كما هي أعراف الحرب في كل مكان، تلقى أطفال الإمام الحسين(ع) ، النبال والموت تحت حوافر الخيل.
تُمثل هذه العواطف والمشاعر العميقة والموجهة مسبقاً فرصة تنموية عظيمة لا تُضاهى في كل مكان بالعالم، والمجتمع الإسلامي بشكلٍ عام، موعود بمستقبل مشرق إذا تم استثمار هذه العواطف الجيّاشة والنابعة ذاتياً من الفطرة النقية، في مسائل كبرى ليس أقلها تكريس قيم الخير والعدل والإنسانية في المجتمع، والاحتكام على قوانين السماء المتوافقة مع تكوين البشر ومتطلباته وحاجاته الحقيقية.
وهنا يجب تفعيل الجانب المعرفي لدى شريحة الأطفال لتكريس الفعل الواعي والمسؤول لمختلف أشكال الشعائر الحسينية، في الوقت الحاضر، وفي المستقبل عندما يتحول هذا الطفل إلى رجل كبير ناضج بفكره الحسيني، مثال ذلك؛ حالة العطاء عبر تقديم الطعام والشراب في مرحلة الصِغر، ثم تحول هذا الفعل إلى منهج ثابت في الحياة في الكِبر بالعطاء في مناسبات ومجالات مختلفة، وهكذا؛ تفعيل وتكرس قيم لها مدخلية بتنظيم الحياة بشكل يخلو من الأزمات عندما يعمّها التعاون والتواصي والتسامح والاحتكام إلى قيم الحق والفضيلة، وليس إلى الانتهازية والنفعية.
زيارة الأربعين وصناعة الأطفال القادة
هل الطفل الذي يشارك في المواكب الحسينية مختلف عن سائر أطفال العالم؟ نعم، فهل يُعقل أن طفلاً يبيع قميص المدرسة من أجل شراء قناني الماء لتوزيعها على الزوار في أربعينية الإمام الحسين(ع)  الزاحفين بالملايين باتجاه كربلاء؟ وهل سمعنا بطفل لم يجد ما يوزعه سوى أخذ علبة المناديل الورقية من بيته ويخرج بها إلى الشارع لتوزيعها على المارة من زوار الإمام(ع)؟
أم هل شاهدنا طفلاً يبكي وهو يستجدي الزوار لتناول الطعام والمبيت في المضيف الذي يخدم فيه من بين آلاف المضائف على امتداد طريق النجف - كربلاء؟!
يؤكد خبراء التربية، ومن أجل تدريبهم على ثقافة العطاء، على ضرورة السماح للأطفال بالمشاركة في المشاريع الخيرية التي تتماشى مع مواهبهم وإفساح المجال لهم لتحمل المسؤولية وإعطاؤهم الفرصة لتولي القيادة. ولكن الطفل الحسيني الكربلائي خلق ليجد نفسه فرداً مشاركاً ملؤه روح القيادة في أكبر تجمع للعطاء والجود، مناسبة أربعين الإمام الحسين(ع). فهو لا يحتاج إلى تدريب أو حتى تعليم على ثقافة العطاء والكرم فالأجواء التي يعيشها جعلت منه جوادا بالفطرة.
نعلم جميعاً بوجود قانون إلهي من قوانين الحياة مفاده بأن المعطي دائماً ما يعطي لأنه غير محتاج، ولكن الطفل الحسيني الكربلائي يتنازل عن ما يحتاج إيماناً منه بوجوب الخدمة في مسيرة الأربعين. فهو يصر على المشاركة وإحساسه القوي بأن خدمة الزوار هي الطريق إلى الجنة وهي الوسيلة إلى التوفيق والنجاح. من هنا هذا الطفل الحسيني الكربلائي قدوةً لكل أطفال العالم العربي، إن لم يكن أطفال العالم أجمع.

 

البحث
الأرشيف التاريخي