كتاب «تأسيس الحضارة الإسلامية في فكر الإمام الخامنئي»
يُعد هذا الكتاب الصادر من مركز نون للتأليف والترجمة دراسة علمية عميقة جديدة عن تأسيس الحضارة الإسلامية تعتمد على الفكر الأصيل للإمام الخامنئي (حفظه الله)، وهي لا تغوص بشكل جامد في الأحداث كالدراسات التاريخية المحضة، بل تحلّل الأحداث وتستنطقها من بوابة الحاضر والمستقبل.
يواكب الكتاب، الخطوات الأولى التي أرساها النبي محمد (ع) في تبليغ الرسالة الإسلامية في الجزيرة العربية، ثم نشرها في الأصقاع المختلفة، وصولاً إلى بناء الحضارة الإسلامية الشامخة في فترة زمنية وجيزة قياساً مع أوقات بناء الحضارات، ويقدم تقويماً دقيقاً للمراحل المختلفة التي مرّ بها المسلمون وصولاً إلى عصر الإمام الخميني(قدس) وبناء الدولة الإسلامية والنظام الإسلامي.
في السياق العام للكتاب، إنّه كتاب يميط اللثام عن عبقريّة فكر ومنهج ورأسمال معنوي عظيم لوليّ وقائد غايةً في الذكاء والفطنة والحكمة، استمدّهم من ميراثه النَسَبيّ وإخلاصه الولائيّ لرسول الله محمّد (ص)، المنحة الإلهيّة التي منّ الله بها على قوم عاشوا بداوة الصحراء، وانحرموا من أوّليات التمدّن البشريّ بتعبير السيّد القائد. هذ الفكر الذي لا زال عموم المؤمنين مقصّرين من الاستفادة من أوّل حروف أبجديّته.
في المقابل هو ليس أفكارًا مُبهَمة وغير معروفة أو مُتداولة ولكنّه مرتّب ومنظّم وموَثّق من خطب السيّد القائد على مدى مناسبات ولقاءات وسنين عديدة.
الموضوعات أو العناوين الأساسيّة
يحمل هذا الكتاب في طيّاته عناوين متعدّدة، تتناول الموضوع من جوانب مفصليّة وأساسيّة، وتسلّط الضوء على:
الأسس لتشكيل الحضارة الإسلاميّة
كان دأب الرسول (ص) تبيين العقائد والأفكار التوحيديّة وتلقينها لأتباعه في بداية الأمر فردًا فردًا، وتعليمهم الحكمة، وتنوير بصائرهم على حقائق العالم، وذلك في سياق صناعة الخواص والنخب وتربيتهم. وهنا يربط السيّد القائد هذا الأمر باستعداد وقابليّة الشباب المتديّن لحمل اللواء والتبليغ، مسلّطًا الضوء على أهميّة وقت الشاب في النظام الإسلامي.
المعالم الأساسيّة في نظام حكومة الرسول (ص)
يقدّم السيّد القائد عبر خطبه المذكورة في هذا الكتاب المخطّط لسير الحكومة الإسلاميّة والنظام الإسلامي، وذلك عبر ذكر الخطوات التأسيسيّة لرسول الله (ص) والتي كان أهمّها وأصعبها تحقيق العدالة في المجتمع بالإضافة إلى المعرفة الشفّافة التي أوصلت المجتمع الإسلامي في القرن الرابع الهجري؛ (أي القرنين العاشر والحادي عشر الميلادي)، إلى أوج الحضارة العلميّة، في حين كانت أوروبا ترزح تحت ظلام الجهل. أي باختصار شديد (العلم والعدالة). إلى جانب ذلك العبوديّة الحقّة (التامّة لله)، والمحبّة لله ولخلق الله والإلفة بين المؤمنين، وتربيتهم عقلًا وروحًا، والجهاد في سبيل الله لا سيّما في المحطّات الجهاديّة الأساسيّة والمؤثّرة، التي يكون فيها وجود الإسلام معرّضًا للخطر من الزوال، فيكون آنذاك أهميّته مضاعفة.
عوامل تطوّر الحضارة الإسلاميّة
من العناصر المؤثّرة في هذا التطوّر كان الاتكال على الله والاستناد إلى الأحكام الإلهيّة (أي الإيمان القلبي)، كذلك عدم الاهتمام بالذات والمصالح الشخصيّة، إلى جانب الإخلاص والصدق وتحمّل المصاعب والتضحيات والمجاهدات والتربيات التي أثمرت استمرارًا وتوهّجًا. التجربة الإسلاميّة تؤكّد بأنّ الإسلام لديه الأهليّة والقدرة للوصول إلى أعلى المراتب العلميّة والتطوّر بشرط إرادة الناس وإيمانهم وجهادهم والوحدة فيما بينهم، الوحدة التي لا تلغي الخصوصيّات وتذوب في الآخر، بل تسعى إلى التفاهم والتقارب وإيجاد المشترك بين جميع المكوِّنات، فأكثر طاقات المسلمين العلميّة والفكريّة القيّمة قد صرفت على امتداد التاريخ على مخالفة بعضهم بعضًا.
الطريق والعوامل المؤثّرة في الوصول إلى الحضارة الإسلاميّة
الخطوة الأولى على هذا الطريق بعد إزالة الأسس الخاطئة السائدة هي تحقّق الثورة، ثم يتشكّل بعدها النظام الإسلامي المبنيّ والمشخّص على أصول وأسس قرآنيّة واضحة، يكون هدفه الأساس إحياء الإسلام مجدّدًا، من خلال الدفاع عن المستضعفين في العالم، وعن الوحدة للأمّة الإسلاميّة الكبرى بتجاوز الاختلاف والتفرقة بين المسلمين على مستوى العالم، والجهاد من أجل تشكيل المدينة الإسلاميّة الفاضلة، والعودة إلى قيم القرآن.
دعوةً لبناء حضارة إلهيّة
ختاماً عبر من خلال الاطلاع على الخطوات التي اتّبعها رسول الله (ص) في تأسيس الحضارة الإسلاميّة تُفتَح الآفاق لصناعة الحضارة الجديدة. وهذا ما دعا إليه الإمام الخميني (قدس) فقد أطلق دعوةً لبناء حضارة إلهيّة كحضارة رسول الله (ص)، يكون الميزان فيها للتقوى وللإنسانيّة.
هناك تأكيد دائم ومتتالي على تحصيل العلم والمعرفة وإظهار حثّ الدين عليها، وعلى تزكية النفس وتربيتها، وعلى حاكميّة القسط والعدالة الاجتماعيّة، وعلى المحبة والصفاء والأخوة، وعلى تحصيل العزّة والقدرة عبر العمل والحركة والتطور الدائم، أي بشكل عام العودة إلى الرسالة الإسلاميّة، إلى القيم الأخلاقيّة الدينيّة، والعمل بمعارف الإسلام وقوانينه، التي تدعو الإنسان إلى الاستفادة من مقدّرات الحياة بأقصى ما يمكن لإقامة الخلافة الإلهيّة على الأرض كما أراد الله تعالى.
هكذا أجاب هذا الكتاب على السؤال بدقّة وموضوعيّة، السؤال الذي حيّر الكثير من الباحثين، ودلّهم على السبيل للعودة إلى إشراقهم وتوهجهم بلباس جديد، لا ينسى القديم بل يستفيد منه، ولا يتقمّص التقدّم الموهوم، بل يحافظ على الأصالة، ويجدّد بالأسلوب بحسب مقتضيات العصر، صحيح أنّ المهمّة صعبة وشاقّة ولكنها مؤمـِّلة بمؤونة الإخلاص والتوكّل على الله جلّ وعلا.