مثال رائع للدراسة في مجال الطقوس والتفاعلات الثقافية
الرادود مرزوق حائري ... نمط عزاء حسيني يثير الاعجاب
خلافاً للاعتقاد الشائع ، فإن ما يعرف اليوم باللطم والعزاء "التقليدي" ليس قديماً جداً ويعود أصله إلى الفترة الدستورية. وكان من أكثر الأشخاص تأثيراً في ابتكار هذا الأسلوب الرادود "محمد مرزوق عرب حائري" المعروف باسم "الحاج مرزوق".
الحاج مرزوق هو مثال مثير للاهتمام وقابل للدراسة في مجال الطقوس الشيعية والتفاعلات الثقافية بين المجتمعات الشيعية. كيف تتم دعوة شخص من بلد آخر لتغيير ثقافة الطقوس وإصلاحها، في ثقافة اليوم، يُعد الحاج مرزوق مدرسًا ومدربًا أجنبيًا.
الحاج مرزوق كان عالم دين ورادود من سكان مدينة كربلاء المقدسة. شاهدت مجموعة من الفعاليات الدينية طريقة ونمط قراءته للعزاء، وأُعجبت فيه، فطلبت منه الحضور إلى طهران، رفض طلبهم بدايةً، ولكنه رد بالإيجاب على طلب موكب "بني فاطمة" بالهجرة إلى إيران وقراءة العزاء في مجالسها. يقول الحاج مرزوق عن سبب قبوله الهجرة إلى إيران، أنه شاهد الإمام الحسين (عليه السلام) في منامه، وأخبره أنه أينما كنت فأنت على اتصال بنا، ولكن لدينا مجموعة من الشيعة في إيران، والأفضل لك أن تذهب إلى هناك. نتيجة لذلك، جاء الحاج مرزوق إلى إيران.
قبل انتقال الحاج مرزوق الحائري من مدينة كربلاء المقدسة إلى طهران، كان الطهراني القديم يضرب على صدره ثلاث مرات باستمرار. يُعد المرحوم الحاج مرزوق مؤسس اللطم على الصدور التقليدي في طهران، تشكلت ذروة تطور هذا الأسلوب في فترة المرحوم " شاه حسين والمرحوم" ناظم". وهو كان أحد مؤسسي التقليد "الرباعي" في ليالي مسلم بن عقيل في ضريح السيد عبد العظيم الحسني (ع).
عودة إبنه للحياة ببركة الإمام الحسين (ع)
لما وافت المنية نجل الحاج مرزوق، وصل خبر وفاة ولده أثناء قراءته لمجلس عزاء الإمام الحسين(ع)، لم يقطع قراءة المجلس واستمر حتى النهاية لأنه اعتبره أكثر أهمية.
وعندما عاد الحاج مرزوق إلى منزله، حمل طفله المتوفى بيده وطلب من الإمام الحسين (ع) أن يعيد ابنه إليه، وفي هذه اللحظة وبعناية خاصة من سيد الشهداء الإمام الحسين (ع) فتح الطفل عيناه وعاد إلى الحياة.
قراءة عزاء علي الأصغر في حضرة السيدة الزهراء (ع)
في أحد الأيام أرسل الحاج مرزوق برسالة إلى أحد أصدقائه ويدعى سيد "حسن" مفادها أنني احتاجك، في ذلك الوقت كان الحاج مرزوق على فراش المرض، يقول سيد حسن: ذهبت إليه لتفقد أحواله غير المستقرة، فقال له: أنا في آخر عمري سيد حسن! أريد أن أشاركك سراً، رأيت والدتك الزهراء(ع) البارحة، كنت أحترق من الحمى، رأيتك مستيقظًا، وليس نائماً. وقال: كنت أعاني من العطش الشديد، لدي ثلاث بنات راضية ومرضية وفاطمة، ناديت إبنتي الأول : راضية أعطني بعض الماء، رأيت سيدة جليلة ترتدي حجاب أخضر، وكانت خجولة، لم أطلب الماء منها. ومن ثم ناديت إبنتي الوسطى مرضية، وأخيراً ناديت إبنتي الثالثة فاطمة ، فرأيت تلك السيدة الجليلة تتجه نحوي، فقلت سيدتي، أخجل من الكلام معك، فقالت لي: لقد كنت خادماً لنا طيلة عمرك، والآن حان وقت جوابنا لك، أخفضت رأسي لكلامها، فسألتني: هل أنت عطشان؟ وأخرجت وعاء أزرق من تحت عباءتها، شربت من هذا الماء الذي لم أذق مثله في حياتي، وقلت: صلّی الله علیک یا أبا عبدالله، فارتفع صوتها بالبكاء، وقالت :" حاج مرزوق ، قلبي منقبض إقرأ لي مجلس عزاء، أجبتها سيدتي: منعني الأطباء من قراءة العزاء ، ولكن لأنك تطلبين فأنا حاضر، أي عزاء تريدين قراءته، قالت : إقرأ لي مجلس علي الأصغر.
تدريب الرواديد
من أهم نتائج وجود الحاج مرزوق في إيران كانت تدريب جيل من الرواديد الذين يعتبرون من الشخصيات البارزة في هذا المجال، كان من بين تلاميذ الحاج مرزوق والمتدربين على يديه "أكبر ناظم" وشاه "حسين بهاري" وسيد "حسن معطر" و"محمد علامه" و"محمد علي إسلامي" ، ويعتبر كل منهم من أهم رواديد طهران وأكثرهم تميزًا في فترة البهلوية.
الوفاة والدفن في مدينة قم المقدسة
بعد أن عاش في طهران لسنوات عديدة ، توفي الحاج مرزوق في عام 1950 م ودفن في المقبرة الجديدة في مدينة قم المقدسة بعد جنازة مهيبة، لكن ثمار وجوده في إيران لا تزال قوية بعد سنوات عديدة.
يقول أحدهم "بعد دفن الحاج محمد مرزوق بجانب آغا "الطهراني" العظيم ، رأى أحد المؤمنين السيد الطهراني في منامه، فقال للسيد: هنيئاً للحاج مرزوق لأنه دفن بجانبكم، فأجابني السيد الطهران: "ليس الأمر كما تظن ، بعد دفن الحاج مرزوق هنا، أتى الإمام الحسين (ع) واصطحبه معه".