كتاب ثقافة العنف في سوسيولوجيا السياسة الصهيونية
ثقافة العنف في سوسيولوجيا السياسة الصهيونية من الأبحاث الجادة القليلة التي اهتمت بمتابعة وتحليل التنشئة الأيديولوجية للأجيال داخل الكيان الإسرائيلي وذلك من خلال قراءة سوسيولوجية أكثر منها سياسية.
ويمكن لمصطلح الثقافة أن يكون مضللاً في بعض الأحيان، خاصة حين يرتبط بمفهوم العنف، إذ تصبح ثقافة العنف شيئاً آخر بعيداً عن الثقافة بمضمونها الإبداعي والإنساني، بل شيئاً لصيقاً بالإبداع في مجال العنف والحقد والعنصرية وكراهية الآخر. فالثقافة الصهيونية ليست إلا قناعاً يخفي حقيقة العنف والإرهاب الذي تقوم عليه، وهو في حقيقته السوسيولوجية ليس عنفاً وإرهاباً عابراً بقدر ما هو عنف مؤسسي يتغذى من وقائع الاجتماع الصهيوني وحقائق السياسة التي تقوم على الاستيطان والتهجير والعنصرية. ويذهب الباحث الجامعي د.عبدالغني عماد في كتابه الذي نستعرض أبرز أفكاره في مقالنا هذا، إلى توظيف طبيعة هذه الثقافة التي تقوم على العنف المؤدلج والمؤسس باعتباره عنفاً بنيوياً لصيقاً بالمشروع التأسيسي للصهيونية، وهو كذلك ليس نتاج اللحظة التاريخية، وليس ردة فعل مؤقتة أو ظرفية، وليس إفرازاً لوقائع اقتصادية أو اجتماعية عابرة، بقدر ما هو حاجة وضرورة وحقيقة ثابتة مع طبيعة المجتمع/الكيان، لذلك فهو عنف بنيوي بقدر ما هو ثقافة منهجية.
مثلث العنف
مثلث العنف الذي يتوقف عنده الكتاب يقوم على القوة والاستيطان والاصطفاء العنصري، وهو مثلث لا يتمظهر فقط بالممارسة العسكرية، بل أيضا بالفكر والسياسة والثقافة. فالأيديولوجيا الصهيونية تؤطر ألوان الثقافة التي يمكنها أن تعيد إنتاج الشخصية الصهيونية في أنماط سلوكية تخدم باستمرار وظيفة الاغتصاب والاستيطان تجاه الآخر العربي الفلسطيني، وبذلك يجري شحن ثقافة العنف واستنهاض عناصر الدفع فيها بصورة ذاتية ودونما حاجة إلى تعبئة إعلامية أو نفسية أو جماهيرية، وهي تتقوى كلما مارست الضحية حق الدفاع عن النفس، لأن ذلك يعني أن الآخر لايزال يقاوم وينبض بالحياة، وفي ذلك تهديد وجودي للذات الصهيونية ينبغي القضاء عليه.
أطماع غير محدودة
يحلل المؤلف سيكولوجية العنف الإسرائيلي من خلال طرحه أسئلة عدة: هل هذا العنف مجرد رد فعل أم هو عنف مؤسسي؟ وهل له علاقة بالبنية الذهنية الصهيونية وبالتربية والتنشئة السياسية؟ وهل تمتلك إسرائيل (شخصية قومية) أم إنها مكان تلتقي فيه جماعات قومية متعددة نجحت في إنتاج نمط سلوكي يقوم على العنف والقوة والتوسع، هذه الأسئلة الإشكالية تطرح على بساط الشك الذي يقترب إلى حدود الاستحالة، إمكان صناعة السلام مع نمط سلوكي ينتج عنفاً تجاه الآخر. فهذا المجتمع أو التجمع يعاني خللاً بنيوياً وتكوينياً يجعله عاجزاً عن صناعة السلام، فسلوكيات أفراده في الغالب تتقرر وفق قوالب منمّطة، وليس وفق تراكم ثقافي يبني شخصية قومية سوية.
ما بعد الصهيونية
وفي قراءة مستقبلية يتوقف المؤلف بالتحليل والنقد عند ظاهرة "ما بعد الصهيونية" والتي كثر عنها الحديث في بعض الأوساط الأكاديمية الإسرائيلية. ويخلص فيها إلى اعتبار أن تفكيك النموذج الصهيوني ونقده من قبل هذه الحركة لا يستهدف نقض بنيته ووضع حد لنتائجها الإرهابية المرعبة، بقدر ما يستهدف تخفيف تناقضاته وإجراء عملية تجميلية لوجوهه البشعة والعنصرية لتصبح أكثر مقبولية في محيط يرفضها بصيغتها الحالية، وهي صيغة في كل الأحوال دخلت في مأزق تاريخي ووجودي.