إحدى النازحات اللبنانيات إلى سوريا للوفاق:
ضيوفٌ لا لاجئون.. هكذا استضافت عائلات سورية اللبنانيون في حرب تموز
عبير شمص
في تموز 2006، وجد كثير من اللبنانيين في سوريا وطنًا ثانيًا لا بلد لجوء بفضل حسن الاستقبال السوري دولة وشعبًا. فمنذ اليوم الأول لبدء الحرب الإسرائيلية على لبنان في 12 تموز 2006، فتحت سوريا أبوابها أمام اللبنانيين. استنفرت وزاراتها وإداراتها وشعبها لاستقبال النازحين، موفّرة لهم كلّ ما يحتاجون إليه.
تفاصيل هذا الاستقبال لم يغب عن ذاكرة كثيرين عبروا الحدود كما لو كانوا يتنقّلون داخل وطنهم، عن هذا الاستقبال والاحتفاء بالضيوف اللبنانيين تتحدث حوله الحاجة أم علي لجريدة الوفاق:
هرباً من القصف
شكل قصف مراكز المقاومة في قريتنا الهرمل الواقعة شرقي لبنان والقريبة من الحدود مع سوريا، وكذلك للجسر الذي يُعد الطريق الرئيسي لإيصال الإمدادات والمواد الضرورية لأهالي القرية ولوجود وضع صحي لإبنتي البالغة من العمر سنتان ونصف وضرورة متابعة طبية لها مع التخوف من عدم توفر الأطباء أحد أسباب قرارنا بالخروج من القرية، مثلما أخبرتنا الحاجة أم علي .
اتُخذ القرار النهائي بالخروج بعد قصف قريب جداً من منزلنا ما أثار الخوف في قلب أطفالي الذي يبلغ أكبرهم إثنا عشر سنة وهم توأم وصبي في التاسعة والصغيرة سنتان ونصف، فعقدنا العزم الذهاب إلى سوريا لقربها من قريتنا ولعدم القدرة بالتوجه إلى بيروت بسبب قصف الطرقات بين المناطق اللبنانية، تقول أم علي.
سوريا... الملجأ الآمن
توجهنا مع عائلتي وقد اعترانا الخوف والقلق من القصف الصهيوني طيلة الطريق، كنا ننتظر بفارغ الصبر الوصول إلى الحدود والدخول بأمان إلى سوريا التي ما إن دخلناها حتى تنفسنا الصعداء وتوجهنا إلى مدينة حمص التي توجه اليها أغلب النازحين من منطقتنا بسبب قربها منها، ولكن بسبب امتلاء مدارسها بالعائلات اللبنانية، رغبنا في التوجه لمنطقة أخرى حرصاً على وضع ابنتي الصحي والخوف من إصابتها بجرثومة تسبب لها مشكلة صحية نحن بغنى عنها، وفق ما قالت الحاجة أم علي.
فتوجهت العائلة إلى مدينة حلب، تتذكر الحاجة لحظة وصولها إلى مدينة حلب واستقبال الأهالي لهم ، إذ استنفرت العائلات السورية لتأمين مساكن للذين لا معارف لهم، فاستضافوا العائلات اللبنانية في منازلهم، منهم من كان يملك منزلاً من غرفتين، تم التخلي عن واحدة ليعيش وزوجته في غرفة ويترك الأخرى لعائلة نازحة. وهذا ما حدث مع عائلة الحاجة أم علي التي توجهت مع عائلتها إلى منزل إحدى العائلات في قرية "نبل" في محافظة حلب والتي جهزت ثلاثة منازل لاستقبال العائلات اللبنانية النازحة، وتشاء الصدف وبسبب تشابه الأسماء مع أحد أفراد العائلة وصلت الحاجة مع عائلتها إلى منزل إمام مسجد البلدة السيد عبد الأمير محي الدين، والذي لم يكن يملك غير منزله الذي يسكن فيه مع أبنائه وعائلاتهم.
تكمل الحاجة حديثها بالقول:" وصلنا إلى منزل السيد، ونحن قلقون وخائفون ولا نعرف من هم سكان المنطقة وكيف سيتعاملون معنا خاصةً مع أولادي الصغار، ولكن بمجرد دخول المنزل تبدد القلق أمام الابتسامة والاستقبال الحميم لنا وكأن هناك معرفة سابقة بيننا، دخلنا المنزل ولم يسألنا أحد شيئاً فمن عادات أهل حلب بل وأهل سوريا الأشقاء عدم سؤال الضيف عن سبب مجيئه إلا بعد مرور ثلاثة أيام، ولأن منزله لا يتسع، أسكننا في غرفة تابعة للحسينية الموجودة في داخل المنزل".
مودة ورحمة
أمّا عن تعامل وتفاعل العائلة المستضيفة مع عائلة الحاجة أم علي فتوضح بأنهم كانون شديدي الكرم والتهذيب، قدموا لنا كل ما نحتاجه ويحتاجه الأطفال، وتطورت العلاقة فيما بيننا، فكنا نجلس في باحة الدار نتسامر مع نساء المنزل حتى لا نشعر بالوحدة، ويلعب أولادنا مع أولادهم، وتطورت العلاقة والمودة فيما بيننا لدرجة رغب السيد تسجيل منزل قيد البناء باسمنا والطلب منا السكن به إما بشكلٍ دائم، أو جعله مصيفاً لنا لكي تظل العلاقة بيننا مستمرة حتى بعد عودتنا إلى وطننا لبنان. اهتمت بنا عائلة السيد كثيراً، تقول الحاجة أم علي، أخذوا ابنتي الصغرى والتي تعاني من تضخم في القلب إلى المستشفى لمتابعة حالتها، التي طمأننا الطبيب عل وضعها وعرض استعداده لمتابعة حالتها طيلة فترة وجودنا في سوريا. وتتابع الحاجة بالقول:" أقام أهل القرية الندوات الثقافية عن المقاومة وبطولاتها، وكان من ضمنها مسابقة رسم عن الحرب والمقاومة في لبنان والتي شاركت فيها إبنتي، ورسمت صورة للسيد حسن نصر الله (حفظه الله) ونالت جائزة عليها.
عمت العلاقات الطيبة والتفاعل المميز بين أهل البلدة والعائلات اللبنانية الذين غصت بهم القرية والمناطق المحيطة بها، ولقد بذل أهل قرية نبل كل ما بمقدورهم استطاعتهم لمساعدة النازحين اللبنانين الذين اعتبروهم ضيوفاً وليسوا لاجئين، وفق ما ذكرت الحاجة أم علي.
خوف على لبنان وأهله وقلق من المجهول
تفاعل أولادي مع أولاد القرية وأصبحوا أصدقاء لهم يلعبون سوياً ويخرجون معاً للتنزه، ارتحنا وسرررنا كثيراً في قرية نبل، ولكن كنا قلقين من أوضاع الحرب في لبنان تقول الحاجة أم علي :" كنت أخاف على عائلتي الموجودة في لبنان بسبب الحرب وأقلق من عدم العودة بسبب ما قيل عن تهجير الشيعة وعدم السماح بالعودة الى لبنان والتسفير إلى العراق، أصبنا بالقلق وكنا نبكي من خوفنا من المجهول ومن تطورات الحرب وهول المجازر في لبنان".
وقبل انتهاء الحرب في لبنان بثلاثة أيام عُقد اجتماع في حلب بحضور السيد عبد الأمير وفق الحاجة أم علي، وكان الغرض منه تسجيل العوائل اللبنانية الموجودة في قرية نبل لكن لم يقبل السيد، وأبلغهم أننا ضيوفه، لكنهم أصروا على تسجيل الأسماء لإحصاء الموجودين، وتوزيع المساعدات المقدمة من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتي كانت كثيرة ومتنوعة من كافة مستلزمات الأسرة، ولكن طلبنا منه توزيعها على الناس بعد رفضه الاستفادة منها.
العودة إلى الوطن
قبل انتهاء الحرب في لبنان بثلاثة أيام، استدعى الجيش اللبناني قوات الاحتياط التي كان زوجي فرداً منها، ما اضطره للعودة إلى لبنان بسرعة، وفق الحاجة أم علي، فبقينا في سوريا بمفردنا وبعناية السيد وعائلته الذي أمن كل الواسائل لعودتنا أمنين إلى وطننا لبنان، ومن ثم قدم لنا إبنه لنا مبلغاً من المال يكفينا مصروف شهر في لبنان لمساعدتنا على تخطي الأوضاع الصعبة بعد انتهاء الحرب، رفضت المال ولكنه أصر وأهداه لإبنتي، ودعناهم وعدنا الى لبنان وتبادلنا أرقام الهواتف للتواصل فيما بعد.
وتكمل الحاجة حديثها بالقول:" بعد فترة من عودتنا إلى لبنان، فقدنا أرقام هاتف عائلة السيد، فكنا ننتظر مقابلة أي أحد من أبناء قرية نبل للسؤال عنهم ومعرفة أحوالهم، واستطعنا الحصول على رقم الهاتف وتواصلنا معهم عدة مرات، كان أخرها في حرب سوريا وعرضنا عليهم استضافتهم في لبنان لكنهم قالوا انهم لن يتركوا منطقتهم وسيدافعون عنها بدمائهم، ومن ثم انقطع التواصل فينا بيننا بسبب الخراب الذي طال شبكات الهاتف، عدنا للتواصل معهم مجدداً بعد انتهاء الحرب السورية وقدمنا التعازي بوفاة زوجة السيد وكان واجبنا التوجه إلى سوريا لتقديم العزاء لكن لم نستطع بسبب الأوضاع وإن شاء الله نزورهم في يوم من الأيام" .