من خلال الدبلوماسية والتنمية والأمن و رغم التحديات
السعودية تسعى لكسب الصراع على النفوذ في افريقيا
تحدث نيك كيمبل الباحث في جامعة هارفارد عن سياسة السعودية للتأثير في قارة أفريقيا، لاسيما بعد أزمة أوكرانيا وتأثيرها على أسواق الطاقة التي جعلت السعودية تصبح مرة أخرى في مركز الاهتمام العالمي، واستطاعت من خلال هذه الفرصة أن تتخلص من الخلافات الماضية وتتبنى نهجًا إقليميًا جديدًا يستند إلى المناورات الدبلوماسية والإدارة الاقتصادية في ظل التغيرات العالمية كبيرة.
تحاول المملكة العربية السعودية تأمين مصالحها وتوسيع نطاق تأثيرها في مناطق مختلفة، وخاصة في قارة أفريقيا التي تشهد نموًا اقتصاديًا وسياسيًا ملحوظًا. ولهذا الغرض، تستخدم السعودية مزيجًا من القوة الناعمة والصلبة، بما في ذلك الدعوة الدينية، والتعاون التنموي، والتحالفات العسكرية، لبناء شراكات مستدامة مع الدول الأفريقية.
أزمة أوكرانيا وفرصة للسعودية
أثارت أزمة أوكرانيا التي اندلعت في عام 2014 اهتمامًا عالميًا بشأن مستقبل أسواق الطاقة، خصوصًا في ظل التوترات بين روسيا والغرب. وكانت السعودية من بين المستفيدين من هذه الأزمة، حيث استطاعت أن تستغل موقعها كأكبر منتج ومصدر للنفط في العالم لزيادة حصتها في السوق والضغط على منافسيها. كما استخدمت السعودية هذه الفرصة لتحسين علاقاتها مع دول أوروبية كانت قد شهدت خلافات معها في الماضي بسبب قضايا سياسية أو إنسانية.
ولكن السعودية لم تكتف بذلك، بل سعت أيضًا إلى تطوير استراتيجية إقليمية جديدة تستند إلى المناورات الدبلوماسية والإدارة الاقتصادية، بدلاً من التورط في صراعات عسكرية أو فكرية. وكانت قارة أفريقيا هي المجال الأبرز لتطبيق هذه الإستراتيجية، حيث تحولت إلى قوة اقتصادية ناشئة تجذب اهتمام الدول الكبرى.
علاقات تاريخية وتعاون مستمر
لطالما كانت السعودية تمتلك علاقات جيدة مع الدول الأفريقية، سواء على المستوى الديني أو الثقافي أو التجاري. فالسعودية هي مهبط الرسالة الإسلامية، ومقصد حجّ المسلمين من جميع أنحاء العالم، بمن فيهم 446 ملیون مسلم أفریقی. كما أن 25 دولة أفریقية عضو في منظمة التعاون الإسلامي التي مقرها في جدة. ومن بين 55 دولة أفريقية، لديها 40 دولة سفارات في الرياض، ولديها سفارات في 35 دولة أفريقية.
ومنذ عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز، شهدت العلاقات السعودية الأفريقية تطورًا ملحوظًا، حيث زار عدد من المسؤولين الأفريقيين السعودية، وتبادلت الزيارات والاتصالات بين الجانبين. ومن المتوقع أن يتم توقيع المزيد من اتفاقات ووثائق التعاون في القمة المقبلة لزعماء السعودية والدول الأفريقية التي ستُعقَد هذا العام.
ومن ناحية أخرى، صندوق التنمية السعودي، نفذ مشاريع ضخمة في الدول الأفريقية، مما ساهم في تعزيز الموارد المالية لصندوق التنمية الأفريقي. وقد دفع معظم قروض صندوق التنمية السعودي لصالح السودان، وموريتانيا، والسنغال، والجزائر، والمغرب، وتونس. وتشمل هذه المشاريع مجالات مختلفة مثل البنية التحتية، والطاقة، والزراعة، والصحة، والتعليم.
قضية الأمن الغذائي والتحديات الأخرى
إحدى المشكلات التي تواجهها السعودية هي قضية الأمن الغذائي، حيث تعتمد على شركاء بعدين جغرافيًا لتأمين المواد الغذائية. لكن أفریقیا أصبحت الآن أرضًا خصبة لإنتاج المواد الغذائیة التی تحتاجها السعودیة. فمبادرة الملك عبدالله للاستثمار في زراعة فائض في عام 2008 حثت المواطنین السعودیین على شراء أراضی زراعیة فی أفریقیا. وبشكل خاص، عمل عدد كبير من المستثمرین السعودیین فی أراضی زراعیة فی إثیوپیا والسودان.
ولكن هذه المبادرة لم تخل من التحديات والانتقادات، فبعض المجتمعات المحلية في أفریقیا اشتکت من استيلاء المستثمرین على أرضھم أو استخدامھم للمیاه بشكل غیر مستدام. كما اتھم بعض المحللین السعودیة بإطلاق حروب ماء في أفریقیا لضمان إمداداتها من المیاه.
صراع على النفوذ
تسعى السعودية مع تركيا، ومصر، و العديد من الدول الأخرى للتأثير في أفريقيا. من المثير للاهتمام أن تدخلات السعودية في قضايا البلدان الشرق أفريقية هو دخول في منطقة نفوذ قديمة، كانت مصر قد نظرت بشك إلى جهود السعودية في إنشاء قاعدة عسكرية في جيبوتي وإثيوبيا، إلا أن هذا التدخل يعكس رغبة الرياض في تعزيز وجودها العسكري في القرن الأفريقي، والذي يشهد صراعات وتوترات بين الدول المجاورة. كما أن هذا التدخل يمثل تحديًا لقوى اقليمية تحاول أيضًا توسيع نفوذها في المنطقة.
فتركيا التي تتنافس مع السعودية على قيادة العالم الإسلامي (الدول السُّنِّية)، قامت بجهود كبيرة للتأثير الاقتصادي والعسكري في أفريقيا. فقد أنشأت تركيا قاعدة عسكرية في الصومال، وزادت من استثماراتها ومشاريعها التنموية في عدة دول أفريقية.
حيث وسعت تركيا نفوذها في أفريقيا بشكل ملحوظ منذ عام 2005، حيث أعلنت عن سياسة أفريقية جديدة تهدف إلى تطوير شراكات استراتيجية مع الدول الأفريقية، و زادت عدد سفاراتها في أفريقيا من 12 إلى 42، و رفعت حجم التجارة مع أفريقيا من 5.4 مليار دولار إلى 26 مليار دولار، وزادت حجم المساعدات التنموية التي تقدمها لأفريقيا من 51 مليون دولار إلى 385 مليون دولار. كما نظمت تركيا ثلاث قمم أفريقية في إسطنبول، وشاركت في عدة منظمات إقليمية مثل الاتحاد الإفريقي والاتحاد من أجل المتوسط.
تركز تركيا على بناء علاقات قائمة على المصالح المشتركة والتضامن والثقة مع الدول الأفريقية، وتقدم نفسها كشريك موثوق وصديق لإفريقيا. تسعى تركيا إلى دعم التنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية في أفريقيا، وإلى تحسين البنية التحتية والخدمات الصحية والتعليمية. كما تسعى تركيا إلى تعزيز التعاون الأمني والعسكري مع أفريقيا، خصوصً في مجال مكافحة الإرهاب وحفظ السلام. تضطلع تركيا بدور فعَّال في دعم المصالحة في الصومال، حيث أنشأت قاعدة عسكرية هناك، كبرى قواعدها خارج حدودها، بطاقة استيعاب 10 آلاف جندي.
فإذا السعودية تواجه تحديات كبيرة في محافظة على نفوذها في أفريقيا، خصوصًا في ظل المنافسة من دول أخرى و التي ذكرنا تركيا كمثالا عليها، والتغيرات السياسية والأمنية في القارة.