المفكر التونسي الدكتور عماد حمروني للوفاق:
دعم مسلمي أوروبا ضرورة لمواجهة الإسلاموفوبيا
مرضیه متولیان
إنّ حرق القرآن الكريم ليس أمراً جديداً بل مارسه منذ سنوات بعض المتطرفين في الولايات المتحدة الأمريكية والدانمارك والسويد وغيرها من البلدان بأهدافٍ مختلفة. وقبل مضي سنوات تمّ إنتاج فيلم وثائقي عن كواليس حرق القرآن الكريم في الغرب من إخراج الوثائقي الإيراني "عباس لاجوردي"، وقام الأخير بإجراء مقابلات مع حارقي المصحف الشريف وطرح عليهم أسئلة عما قاموا به. حينما كان يسألهم إن أطلعوا على الآيات القرآنية فكان جوابهم:" أننا لم نقرأ حتى آية واحدة من القرآن". هنا يخطر سؤال ببال كل متابع لهذه الأحداث وهو لماذا يقوم هؤلاء بذلك العمل الإجرامي ومن الذي يقف خلف كواليس هذه الأعمال؟ للكشف عن ذلك أجرت صحيفة الوفاق حواراً خاصّاً مع المفكر التونسي والأستاذ الجامعي في اختصاص الجيولوجيا السياسية في جامعة باريس الدكتور عماد حمروني وإليكم نص المقابلة:
ما هي جذور الإسلاموفوبيا وأسباب انتشارها في الغرب؟
أولاّ ماذا يعني مصطلح "الإسلاموفوبيا" ومتى ظهر وأين ؟ الإسلاموفوبيا كلمة مستحدثة، تتكون من كلمتي إسلام وفوبيا، ويُقصد بها الخوف أو الرُهاب الغير العقلاني من شيء يتجاوز خطره الفعلي المفترض. يُعرف قاموس أكسفورد الإنجليزي الإسلاموفوبيا بـ"الخوف والكراهية الموجهة ضد الإسلام، كقوة سياسية تحديداً، والتحامل والتمييز ضد المسلمين"، وكذلك عرّف باحث الدين المقارن السويدي "ماتياس غارديل" المصطلح بأنه "الإنتاج الاجتماعي للخوف والتحامل على الإسلام والمسلمين، بما في ذلك الأفعال الرامية لمهاجمة أو التمييز ضد أو عزل أشخاص بناء على افتراضات ارتباطهم بالإسلام أو المسلمين". هذا وقد ظهر الاستخدام الأول للمصطلح في اللغة الإنجليزيّة، طبقًا لقاموس أكسفورد، في عام 1923 في مقال في "مجلة الدراسات اللاهوتيّة The Journal of Theological Studies"، دخل المصطلح بعد ذلك للاستخدام العام بنشر تقرير رونيميدي ترست عام 1997. "أكَّد كوفي عنان في مؤتمر عام 2004 بعنوان [مواجهة الإسلاموفوبيا] على أهمية صياغة هذا المصطلح من أجل مواجهة التعصُّب المتزايد للإسلام".
شكلت" رونيميدي ترست" عام 1996 لجنة عن المسلمين البريطانيين والإسلاموفوبيا برئاسة غوردون كونواي، نائب مستشار جامعة ساسكس، وكان عنوان تقرير اللجنة كان الإسلاموفوبيا: "تحدٍ لنا جميعاً"، ونشره وزير الداخلية البريطاني السابق "جاك سترو". وقد تم تعريف الاسلاموفوبيا وفق التقرير باعتبارها "نظرة إلى العالم تنطوي على كراهية ومخاوف لا أساس لها ضد المسلمين، تؤدي إلى ممارسات تمييزية وإقصائية"، يشمل ذلك الآراء التي تجادل بأن الإسلام لا يشترك مع الثقافات الأخرى في أي قيمة، أنه أحط وأدنى منزلة من الثقافة الغربية، وينبغي اعتباره قوة سياسية عنيفة وليس مجرد معتقد ديني. تقول "رونيميدي ترست" لا يوجد كيان واحد للإسلاموفوبيا، فهناك "إسلاموفوبيا" ولكل منها خصائص مميزة.
تزايد تجلّي المظاهر الإسلامية بقوة داخل المجتمعات الغربية مثل الحجاب والمساجد من ناحية وتنامي الأزمات الإقتصادية والسياسية والإجتماعية في العقود الأربعة الأخيرة وصعود التيارات العنصرية واليمينية المتطرّفة سرّع في إنتشار"الإسلاموفوبيا" في الغرب.
وقد ساهمت الأعمال الإرهابية من طرف الجماعات السلفية المتطرّفة في العشرية الأخيرة ووصول آلاف اللاجئين خاصةً من سوريا والعراق وأفغانستان جرّاء الحروب التي تشنّها أميركا وحلفائها في المنطقة إلى تأجيج مشاعر العنصرية والرهاب ضد الإسلام والمسلمين، و يجب أن لا ننسى دور المخابرات الصهيونية في تأجيج حالة العداء بين الغرب والمسلمين خدمةً لمصالح أمنها القومي وضمان دعم الغرب للكيان الصهيوني عسكرياً ومالياً وسياسياً، قد نجحت إستخبارات العدو في نشر"الإسلاموفيا" من نشرها لصور الكاريكاتور المسيئة للرسول الأكرم (ص) في أكثر من مناسبة وحرق نسخ من القرآن الكريم وتشجيع الكراهية ضد المرأة المسلمة الملتزمة بالحجاب.
جذور"الإسلاموفوبيا" قديمة منذ منتصف القرن التاسع عشر عندما إستعمر الغرب أغلب الدول والشعوب الإسلامية وعمل ومازال على مسخ هويتها الدينية والثقافية ومنع أي عودة لروح الإسلام المحمدي الأصيل.
ماهي الطرق الفعالة لمواجهة الاسلاموفوبيا في الغرب ؟
يمثّل المسلمون اليوم ما يقارب 7 إلى 10٪ من عموم سكّان دول الإتحاد الأوروبي وسيبلغون 17 إلى 20٪ من مجموع السكّان بحلول سنة 2050 وهم يُعدون السكان الأصغر سناً والأكثر خصوبة، لذلك لديهم قدرات ذاتية مهمة لمواجهة موجة الكراهية والعنصرية ضدهم لكن هذا لا يكفي، يجب على الدول الإسلامية الكبرى المؤثّرة في العالم مثل جمهورية إيران الإسلامية، المملكة العربية السعودية، تركيا، الجزائر والمغرب دعم مسلمي أوروبا وأميركا وكندا وأستراليا للدفاع عن حقوقهم المدنية وتطوير مستواهم العلمي والإجتماعي وتشجيعهم على الإندماج الإيجابي داخل المجتمعات الغربية وإرسال مؤسسات إعلامية متطورة تُعنى بشؤون مسلمي الغرب، والعمل بجد لكبح عنصرية الغرب عبر فرض بنود توجب إحترام الإسلام والمسلمين في البلدان الغربية عند توقيع أي إتفاقات إقتصادية وسياسية ومالية مع الغرب.
ماهو دور القادة الدينيين والأكاديميين والناشطين في مواجهة الاسلاموفوبيا وإحداث التغيير؟
أمام موجة الكراهية والعنصرية في الغرب ضد الإسلام والمسلمين التي تُديرها الدوائر الصهيونية العالمية يجب على علماء الدين والمثقفين و القادة السياسين تحمّل مسؤولياتهم و القيام بتكليفهم الشرعي في الدفاع عن القرآن العظيم والنبي الكريم (ص) وتبيين مقاصده بلغةٍ عصرية منفتحة وإرسال مبلغين غربيين لشعوبهم خاصةً الشباب للتعريف بالإسلام المحمدي الأصيل.
ماهو تأثير الإسلاموفوبيا على حياة المسلمين في الغرب؟
يملك مسلمو الغرب الشجاعة الكافية للدفاع عن كيانهم ولا تأثير مباشر لتيارات "الإسلاموفوبيا"على وجودهم فهم ملتزمون بقوانين الدول التي يقطنونها من ناحية، ومن ناحية ٍأخرى لن يتنازلوا عن حقوقهم المدنية وخاصة حقّهم في ممارسة شعائرهم الدينية.
التأثير الأكبر هو في بطء إندماج الشباب في سوق العمل والتعامل العنصري في بعض الإدارات مثل الشرطة ممّا أدّى إلى مظاهر العنف والفوضى التي نشاهدها من حينٍ لآخر في فرنسا وبريطانيا والدانمارك وألمانياعلى سبيل المثال.
ماهي أفضل طريقة لنشر الوعي بالثقافة والقيم الإسلامية في المجتمعات الغربية بهدف تقليل الاسلاموفوبيا؟
أفضل الطرق لنشر الوعي بالثقافة الإسلامية هي: تخصيص برامج يعدّها ويقدّمها شباب مسلم غربي باللغة الإنکليزية والإسبانية والفرنسية تًعنى بالشأن التربوي والثقافي والروحي، إنشاء مؤسسات إقتصادية ومالية خاصة بالمسلمين بالغرب تشجّع إنتاج المعرفة والعلوم والفنون، تشجيع الوحدة الإسلامية عملياً و ليس فقط خطابياً ونشر ثقافة المودة والرحمة والأخوة الإسلامية، إرسال مؤسسات تُعنى بالتقارب الإسلامي/المسيحي وتهتم بالمحافظة على نظام الأسرة كما شرّعه الله "عز وجل" والتعريف المشترك بالقيم الروحية والإنسانية.