أحد صنّاع أسطورة تموز 2006...
«أبو محمد سلمان».. قائد لبناني اختلط دمه بالتراب العراقي
وكالات / ذات يوم من أيام الله، خطّ التاريخ سيرة أبطالٍ شهداء، عاصرت بنادقهم مختلف المعارك منذ البداية، ولازمت سيّرهم انتصاراً تلو الانتصار. تدرجوا في عملهم الجهادي حتى الثاني عشر من تموز 2006م، موعد اللقاء مع الشهادة الذي حرص الكثيرون من عدم تفويته.
بعد اندحار الاحتلال عام 2000 وقف المقاومون أمام عدوان همجي أسال الدماء واغتال البراءة والأحلام وهدم البيوت والقرى، وقفوا لوضع حد لعنجهية محتل تكسرت أمامهم، تحدوا الموت بالموت وأكملوا مسيرة لطالما حلموا فيها لنيل إحدى الحسنيين، النصر أو الشهادة وما بدلوا تبديلاً.
" الوفاق" تروي بعضاً من حكايات شهداء ومجاهدي الوعد الصادق الذين شاركوا في صد عنوان تموز، منهم من استشهد على أرض الجنوب، ومنهم من ارتقى في ساحات أخرى، على الدرب نفسه، تتناول مقالة اليوم الشهيد القائد إبراهيم محمود الحاج "أبو محمد سلمان" والذي يصادف ذكرى استشهاده في التاسع والعشرين من الشهر الجاري.
"أبو محمد سلمان" الاسم العسكري الذي طغى على الاسم الحقيقي للشهيد القائد في حزب الله ابراهيم محمود الحاج، مواليد بلدة مشغرة البقاعية عام 1970، والذي استشهد في 29 تموز / يوليو من العام 2014م في الضابطية بالعراق خلال عمليات "تطهير حزام بغداد" من المجموعات الإرهابية. حظي الشهيد "سلمان" بعلاقة مميزة مع قائد قوة القدس في حرس الثورة الإسلامية الشهيد قاسم سليماني ونسّقا سوياً العديد من العمليات العسكرية.
للشهيد سيرة جهادية في لبنان ضد كيان الاحتلال، فقد كان مسؤولاً عن عدد كبير من عمليات المقاومة في الجنوب (قائد الهجوم على ثكنة الريحان، شارك في كمين الريحان العيشية، قاد عمليات خاصة ضمن محور كفرحونة قادَ عمليات جزين وعملية كمين الأرز، إضافةً إلى عمليات نوعية أخرى في سهل الخيام وبيت ليف)، وشارك في مواجهات ميدون ومواجهات بئر الضهر ومواجهات بوراشد الجبور، واقتحام الأحمدية. وكان له بصمة كبيرة في صد عدواني الاحتلال عام 1993 وعام 1996.
تصفية قائد وحدة الارتباط في جيش الاحتلال
بعد تسعة عشر عاماً من تصفية إيرز غيرشتاين كشفت المقاومة الإسلامية دور الشهيد في هذه العملية التي تمت في عام 1999 وتحديداً في 28 من شهر شباط / فبراير حين قاد عملية شكّلت ضربة كبرى تلقاها الاحتلال منذ اجتياحه لبنان (1982) على طريق مرجعيون – حاصبيا في الجنوب.
في التفاصيل، استهدف مجاهدو المقاومة وعلى راسهم "أبو محمد سلمان" موكباً أمنياً - عسكرياً للاحتلال بعبوة ناسفة عند نقطة "الهرماس"، أدت الى إصابة الموكب مباشرةً ووقوع قتلى وإصابات في صفوف جنود الاحتلال. وبينما حاولت مجموعة التقدّم الى مكان الانفجار استهدفها المجاهدون بعبوة أخرى أسفرت عن مقتل قائد وحدة الارتباط في جيش الاحتلال "إيرز غيرشتاين"، وضابط اتصال الوحدة برتبة رقيب عومر أكلبيتس، بالإضافة الى الرقيب الأول عماد أبو الريش وصحافي إسرائيلي يدعى إيلان روعيه.
فارس مواجهات عيتا الشعب
عُرف الشهيد بأحد قادة انتصار تموز عام 2006م، فقد قاد أبو محمد سلمان خطّة الدفاع عن بلدة عيتا الشعب الحدودية حيث كان "مفتاح الصمود الأسطوري" وفق ما يصفه العارفون به. وبعثت قيادة المقاومة له رسالةً مكتوبةً في الحرب، أعربت فيها عن ثقتها به، وسألته هل تستطيع الصمود والاستمرار؟ فردّ برسالة مكتوبة أيضاً قال فيها "نستطيع أن نقاتل حتى آخر نفس" وتوجه بكلمات الى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله (حفظه الله) أن " لك رجالٌ لا تهاب شيئاً من جيشهم...وسنبقى نقاتل ونقاتل حتى النفس الأخير".
خلال عملية "الوعد الصادق" تولّى مهمة تأمين القوات المهاجمة، وكان قرار قيادة المقاومة، وفق الخطة المرسومة، يقضي ببقائه في البلدة بعد انتهاء العملية، والإدارة المباشرة للتشكيلات العسكرية المنتشرة فيها، تجاه أي تطور ميداني محتمل. في الحرب عمل على الحفاظ على مستوى الجاهزية، وانتشار القوات، والتوزيع المتوازن للذخائر والمؤن، وكيفية شحنها. كما تولى مسؤولية السيطرة والحفاظ على ثبات المجاهدين ومعنوياتهم، واهتم بشؤون الجرحى منهم وبأهالي البلدة. ونظّم التنسيق بين قيادة المقاومة والتشكيلات العسكرية في الميدان.
تقدّم الصفوف الأمامية لخطوط المواجهة في "عيتا" وتواجد عند أخطر النقاط. وصلت معلومات إلى القائد تفيد بتقدّم مجموعة برية من جنود الاحتلال إلى الحارة القديمة للبلدة، فبادر إلى معاينة المكان بنفسه حيث تواجه وجهاً لوجه مع القوات وأصيب بجرح في قدمه ضمده بنفسه وتركه سراً مخفياً عن المجاهدين الآخرين، فيما ترك الجنود بين قتيل وجريح، مضيفاً بذلك تكتيك "الدفاع عن البقعة" إلى الاستراتيجيات العسكرية للمقاومة.
عند شروع أحداث سوريا توجه الحاج أبو محمد إلى هناك ملبياً نداء السيدة زينب (ع) مشاركاً في معارك الدفاع المقدس، وكان له الدور البارز في العديد من المناطق السورية (حلب- القلمون-كسب)، حتى أن مخططاته في منطقة القلمون استفادت القيادة منها في العمليات بعد استشهاده، إذ كان من أوائل الإخوة المشاركين في التصدي للإرهاب التكفيري في العراق.
وتظهر صورة للشهيد في منطقة القلمون تشير إلى دوره في الدفاع والعمليات ضد الجماعات الإرهابية التي استهدفت سوريا. هذه العمليات النوعية هي بعضٌ مما كُشف عن سيرة الشهيد القائد "أبو محمد سلمان" إذ أنه كغيره من قيادي حزب الله الذين تميّزوا بالسرية وقدّموا جهادهم في سبيل المقاومة ومواجهة الاحتلال صدقة سر.
وقد ختم الشهيد حياته الجهادية بشهادة مباركة في 28/ 7/2014م في منطقة الضابطية ضمن عمليات تطهير حزام بغداد مع القائد المؤسس في كتائب سيد الشهداء الشهيد المجاهد أبو علي النظيف.