السيريّة في أدب الطفولة الفلسطيني
حسني مليطات
أكاديميّ ومترجم فلسطيني
تعدّ "القصص السيريّة" من الأنواع السرديّة التي تجسّد الترابط بين الرمز والاستعارة في أدب الأطفال، والتي تسرد حياة بعض الشخصيّات المهمّة، سواء كانت شخصيّات تاريخيّة أو سياسيّة أو فنّيّة. يهدف هذا النوع من القصص إلى تنمية ذاكرة الأطفال، ومساعدتهم على التعرّف إلى تلك الشخصيّات عن قرب، من خلال توظيف لغة مبسّطة ومُعَبَّر عنها من جهة، وتمثيلها من خلال بعض الرسومات الدالّة عليها من جهة أخرى.
روّاد الفنّ التشكيليّ
أمّا في أدب الطفولة العربي، فقد دعمت "مؤسّسة تامر للتعليم المجتمعيّ" في فلسطين مشروع سرد حياة روّاد الفنّ التشكيليّ الفلسطينيّ قصصيّاً. ومن القصص التي أُنْجِزت: قصّة "الفتاة الليلكيّة" (2021) لإبتسام بركات، وهي قصّة مستلهمة من حياة الفنّانة تمام الأكحل، زوجة الفنّان إسماعيل شمّوط، وقد فازت هذه القصّة بـ "جائزة الشيخ زايد للكتاب" عام 2020. أيضاً قصّة "سماء سامية الملوّنة" (2019) لهدى الشوا، وهي قصّة مستلهمة من رحلة الفنّانة سامية حلبي، وقصّة "جداريّة الحلّاج العجيبة" لرنا عناني ومحمّد معطي، وهي قصّة مستلهمة من رحلة الفنّان مصطفى الحلّاج.
استعارة هذه الأسماء تعزّز من "القيمة المعرفيّة" لدى الأطفال، بتعرُّف حياة روّاد الفنّ التشكيليّ، وتأمّل بعض إنجازاتهم، من خلال محاكاة بعض أعمالهم الفنّيّة، وتوصيف العناصر المؤسِّسة لإبداعهم الفنّيّ. لو توقّفنا أمام قصّة "جداريّة الحلّاج العجيبة" (2019)، على سبيل المثال، لوجدنا "مفردات استعاريّة" تربط المتلقّي بأهمّ أعمال مصطفى الحلّاج، وذلك من خلال "تشخيص" الجداريّة نفسها، وما تحتويه من عناصر أخرى، مع جعل شخصيّة الرسّام نفسه أحد محاورها الرئيسيّة، ليكون بذلك عامل "التفاعل الإستعاري" واضحاً داخل القصّة كلّها. يمكننا أن نعتبر هذه الشخصيّات استعارات لها معانيها، بالاعتماد على أنّ الشخصيّة نفسها هي المشبَّه، والمعنى الناتج عن سرد حياتها هو المشبَّه به، على اعتبار أنّ المشبَّه يمثّل الدالّ والمشبَّه به هو المدلول، وفق رأي بير جينو، الذي اعتبر الدال هو "الإسم"، والمدلول هو "المعنى".
قصّة "الفتاة الليلكيّة"... تمام الأكحل
تُصَنَّف قصّة "الفتاة الليلكيّة" من القصص المستوحاة من سيرة المبدعين؛ فهي عبارة عن سرد استعاريّ لشخصيّة الفنّانة الفلسطينيّة تمام الأكحل. تتحدّث القصّة، بشكل متخيّل، عن ثنائيّة المكان والفنّان، ودور الأوّل في تجسيد معالم الإبداع عند الثاني؛ فالمكان بالنسبة إلى الأكحل هو المكوّن الرئيسيّ لمعظم أعمالها الفنّيّة.
المقصود بالمكان هنا، مدينة يافا، المدينة الساحليّة الجميلة، التي أضفى سحرها وروعة مكوّناتها جزءاً من الإبداع الفنّيّ على اللوحات التشكيليّة التي رسمتها الفنّانة الفلسطينيّة.
تتجسّد معالم الإستعارة في القصّة من العنوان نفسه، "الفتاة الليلكيّة"، حيث شبّهت الكاتبة ابتسام بركات الفتاة تمام الأكحل باللون الليليكيّ، الذي يُعْتبَر من الألوان التكوينيّة في لوحاتها؛ لتبدأ بعد ذلك مظاهر التعبير الاستعاريّ بأنواعه، فنجد الإستعارة الأنطولوجيّة الممثّلة بــ "أنسنة الأشياء"، وجعلها تعبّر عمّا ترغب الفنّانة نفسها في التعبير عنه، فنقرأ، على سبيل المثال: "طرقتْ على الباب، اهتزّت النوافذ، وسرتْ في البيت رعشة. الجدران قالتْ للسقف، المطبخ قال لغرفة النوم، والطريق قال للحديقة: حضرت تمامُ بعد غياب أعوام!".