معركة مخيم جنين الكبرى 2002.. التاريخ الحي
يتناول هذا الكتاب معركة جنين التي دارت أحداثها في نيسان/أبريل 2002، خلال الاجتياح الإسرائيلي لمدن الضفة الغربية، ضمن ما أسمته سلطات الاحتلال "عملية السور الواقي"، والكتاب من الإصدارات الحديثة لمؤسسة الدراسات الفلسطينية 2022، ومن تأليف جمال حويل، أحد الفدائيين الذي كانوا في قلب الحدث، ومن تقديم الأسير القائد مروان البرغوثي.
قسمه المؤلف إلى خمسة فصول رئيسية؛ يتناول في الفصل الأول مخيم جنين كما جاء في التقارير والأدبيات والكتب التي وصفت معركة مخيم جنين بتفاصيلها اليومية، موضحاً أهم التباينات في الروايات المتعددة عن المعركة. أمّا في الفصل الثاني فقد وصف مخيم جنين ضمن سياقه العام: التاريخي والاجتماعي والعسكري والسياسي. ثم تناول في الفصل الثالث عملية الإعداد للمعركة، قبل بدء "السور الواقي"، وكيفية تشكيل غرفة العمليات المشتركة، والخطط العسكرية التي تم تبنيها (الخريطة والميدان)، وكذلك خطط جيش الاحتلال وأهدافه من عمليات الاجتياح، واستهدافه بشكل خاص مخيم جنين، ولماذا تعمّد هدمه؟ وفي الفصل الرابع تناول يوميات المعركة من اليوم الأول حتى اليوم الثاني عشر، مبيناً بالتفصيل الفرق بين الصورة الحقيقية والأساطير التي نُسجت حول المعركة. أمّا الفصل الخامس والأخير فهو عبارة عن خلاصات المعركة، واستنتاجاتها، مع ملاحظات نقدية، وتوصيات. وفي نهاية الكتاب عدد من الملاحق تضمن بعضها صوراً عن المعركة.
من وجهة نظر المؤلف، يستمد الكتاب أهميته من ثلاثة عناصر أساسية، هي: أولاً، أنه عملية تأريخ وتوثيق لصيق بالحدث نفسه، ذلك بأن مؤلف الكتاب كان أحد أبرز المشاركين في المعركة من أولها إلى آخرها. وثانياً، أنه يكمّل النقص في عملية أخذ الدروس واستخلاص العبر من التجارب المفصلية والمهمة التي حدثت في التاريخ الفلسطيني المعاصر، والتي اعتدنا على غيابها، أو نقصها على المستويين الرسمي والشعبي، وبالتالي فالكتاب تأسيس وتواصل لنهج توثيقي وتحليلي ينبغي أن يستمر ويترسخ. وثالثاً، أن الكتاب ليس مجرد تدوين تاريخ تفصيلي، بل أتى أيضاً مشفوعاً بتحليل سياسي وعسكري واجتماعي وثقافي لمعركة مخيم جنين، وما أحاط بها من مؤثرات وتداعيات وظروف من شأنه أن يعزز نهج وخيار المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وخصوصاً في ظل قناعة البعض باستنفاد خيار المقاومة المسلحة.
ينطلق الكتاب من مجموعة فرضيات فحواها أن خصوصية معركة جنين، مواجهة وانتصاراً، نبعت من قناعة لاجئي المخيم أن لا ملاذ آخر لهم، ولا يمكنهم القبول بنكبة جديدة، ولا بتهجير جديد، وبالتالي ليس أمامهم إلاّ الصمود والالتفاف حول المقاومة. والخصوصية الثانية تمثلت في تجسيدهم للوحدة الوطنية؛ بين السلطة والشعب، وبين الفصائل الوطنية واحتضان الجماهير للمقاومة، وتلك حسب مقولة مروان البرغوثي بوابة الانتصار. والخصوصية الثالثة أثبت مخيم جنين مرة أُخرى أن العالم لا يأبه بالضعفاء، ولا يكترث للعدالة إلاّ عندما يصرخ المظلوم بأعلى صوته، ويبرهن لهم أنه ليس مجرد مظلوم وخانع ينتظر منهم الدعم، بل هو فدائي ومسلح، وبوسعه عمل الكثير، فلولا السلاح وصمود وثبات وبسالة المقاتلين والأهالي لسحق جيش الاحتلال جنين ومخيمها، وأضافهم إلى قائمة الضحايا على مرأى ومسمع العالم.