فاغنر.. إلى الخارج دُرْ!
علي عبادي
كاتب ومحلل سياسي
هل انتهت قصة "مجموعة فاغنر" بنفي قائدها الى روسيا البيضاء أم بقي لها دور ما؟ وهل استتبّ الموقف للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي ظهر مساء الاثنين ليطمئن الشعب إلى أن الأمور ممسوكة وأن ما حصل يوم السبت كان تحت السيطرة؟
من الواضح أن فاغنر لم تنتهِ بعد، ووجود قائدها يفغيني بريغوجين على مرمى حجر في روسيا البيضاء المجاورة يشير الى انه سيواصل دوره في قيادة قوات فاغنر ضمن شروط معينة. وتذكر مصادر إعلامية غير رسمية أنه يجري بناء قاعدة تتسع لثمانية آلاف من مقاتلي فاغنر في منطقة موغيليف جنوب شرقي مينسك عاصمة روسيا البيضاء، لكن ليس من الواضح أن ذلك سيكون جزءاً من المشاركة في حرب اوكرانيا، خاصة أن وزارة الدفاع بدأت إخضاع مقاتلي فاغنر لشروط العمل الجديدة التي تفقدهم الإستقلالية الإدارية والعسكرية. مع الإشارة أيضاً الى أن فاغنر لها أنشطة في دول أفريقية مثل مالي وأفريقيا الوسطى، وسيُسمح لها بالاستمرار في أداء دورها في هذه البلدان ضمن الاستراتيجية الروسية، بحسب ما ألمح وزير الخارجية سيرغي لافروف.
لكن بريغوجين لم يشفِ غليله من نزاعه المرير مع القيادة العسكرية في موسكو، فهو أعاد الإثنين الهجوم عليها مبرراً الحملة التي قادها من مدينة روستوف جنوب البلاد. وهذا يعني أنه سيستمر في التسبب بوجع رأس للكرملين، مستفيداً من فجوة قائمة بين الخطاب الرسمي وواقع الحرب. ويتضح من الوداع الشعبي الذي لقيه بريغوجين ومقاتلوه أثناء انسحابهم من روستوف أن التمرد يحظى ببعض التأييد الشعبي، على الأقل بسبب جرأة بريغوجين في انتقاد القيادة العسكرية التقليدية، إضافة إلى صيت مقاتليه في حرب أوكرانيا.
وقد بدا خطاب بوتين المسائي وكأنه رد غير مباشر على الفيديو الذي ظهر فيه بريغوجين نهاراً. مرة أخرى يقف بوتين في مواجهة بريغوجين، لكنه هذه المرة يحظى بدعم أكبر من النخب الحكومية التي غابت عن الصورة يوم السبت، تاركة بوتين شبه وحيد في مواجهة الموقف المستجدّ.
من المؤكد أن التسهيلات التي حظيت بها فاغنر في السابق ستتقلص الآن وستتم إعادة تنظيم دورها وضبطه تحت إشراف رسمي. لكن هذا لا يمنع أن آثار أحداث السبت الماضي وما قبله ستبقى ماثلة، وتتطلب إجراءات عسكرية وإدارية وتنظيمية عميقة، إضافة إلى مكاشفة الشعب بالحقائق، لمنع إعادة تشكّل مشهد تمرد مسلح على مسافة قصيرة من موسكو ولقطع الطريق على إحداث "دفرسوار" يترقبه الغرب داخل الجبهة الروسية.