واشنطن تريد الحوار مع ايران .. ماذا عن «إسرائيل»؟
شارل ابي نادر
موقع العهد الاخباري
في الأيام الأخيرة وفي تصريح لافت في التوقيت وفي المضمون، أفاد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، بأنّ الإدارة الأميركية "تريد إعادة المباحثات مع الجمهورية الإسلامية، وتسعى لفتح حوار معها من خلال وسطاء". وأضاف (كنعاني) في حديثه خلال مؤتمر صحافي: "أنّ "الأعداء فشلوا في حربهم التركيبية ضد إيران العام الماضي، لذلك باتوا يتحدثون عن الحوار في الظروف الراهنة". وفي الواقع، من تابع وما زال يتابع مسار الحرب الأميركية على ايران، منذ قيام الجمهورية الاسلامية وحتى اليوم، مرورا بعدة محطات نافرة من الاستهداف المباشر اميركيا، او غير المباشر عبر اطراف اقليمية والمدفوع اميركيا ايضا، لا يمكنه، الا وان يجد هذا التحول الطارىء والمفاجىء في موقف وفي سياسة واشنطن، أمرا غير واقعي وخارج السياق الطبيعي لسياسة الدول، وخاصة لسياسة الولايات
المتحدة الأمريكية.
صحيح ان هذا التحول لم يكن منتظرا او متوقعا، ولكن، جاءت عدة وقائع واحداث وحقائق لتفرضه على واشنطن فرضا، وذلك بعدما فشلت كل استراتيجيات استهدافها لايران، وبعد أن رأت (واشنطن) ان مسار العنجهية والعناد وعدم تصديق ما اثبته ايران من امكانيات ومن قدرات لم يعد مجديا، وبأن المناسب اصبح في الاعتراف بموقعها وبقدراتها والتعامل بعقلانية مع هذا الواقع.
هذه المقاربة فيما خص تطورات العلاقة بين واشنطن وبين طهران، وما يمكن ان تؤول إليه الامور من هدوء وتوازن امني وسياسي إيجابي في المنطقة والعالم، فيما لو اكتمل ونجح هذا المسار التفاوضي، يمكن ان يدفع باغلب المتابعين، للبحث والاضاءة على مسار العلاقة وكيف يمكن ان تتطور بين طرفين اخرين مؤثرين وبقوة على الساحة الاقليمية، وربما بنسبة غير بسيطة ايضا على الساحة الدولية، وهما: "إسرائيل" وحزب الله.
مقارنة مع الاشتباك الاستثنائي التاريخي، والذي طبع العلاقة بين واشنطن وطهران، لا يبدو انه يختلف عنه كثيرا، في شراسته وفي حدّته ايضا، الاشتباك الاستثنائي بين "إسرائيل" وبين حزب الله... ففي الواقع، ومن خلال إجراء مقارنة بين العلاقتين (طهران ــ واشنطن و"اسرائيل" ــ حزب الله)، هناك الكثير من المعطيات تدفعنا للاستنتاج والتكهن، بان تل أبيب ستحاول وستعمل جاهدة للتوصل الى "علاقة هادئة وجيدة" مع حزب الله، وذلك للأسباب التالية:
إسرائيل اليوم، من جهة تعيش اوضاعا صعبة وازمات سياسية واجتماعية كييرة، وذلك على وقع خلافات داخلية مستعصية، ومن جهة اخرى، تمر بمرحلة غير مسبوقة ايضا من تأكل الردع والخوف من عدو خارجي، يرابض بقوة على حدودها الشمالية مباشرة، ويثبت لها كل يوم، ومن خلال امكانيات نوعية واستثنائية، قدرته على النجاح في مواجهتها.
فان يقول وبكل وضوح وبالفم الملآن، رئيس كيان الاحتلال الإسرائيلي، "إسحاق هرتسوغ": "إنّ "إسرائيل في وضع سيئ وتواجه تحديات هائلة" وبانه: "يجب الذهاب إلى التواصل وإجراء محادثات بدلاً من الخوض في المواجهة بيننا"، فهذا امر لا يمكن تجاوزه واعتباره كلاما عابرا، بل هو كلام معبر وبصدق، عن واقع ما تعيشه اسرائيل من ازمات داخلية مستفحلة. بالمقابل، أن يستعجل رئيس الكيان التحدث وإجراء حوار داخلي عميق لأنّه بحسب رأيه: "على بعد عدة كيلومترات من هنا، يوجد من يسعى لتدمير كل ما هو موجود عندنا" ، وليوافقه الرأي ايضا، ومن خلال كلامه بطريقة اخرى، وزير الأمن، "يوآف غالانت"، بقوله: "إن إسرائيل تشهد فترة أمنية معقدة، حيث إيران تدير حرب استنزاف ضدها، وفي المقابل تتقدم في برنامجها لحيازة سلاح نووي عسكري"، وليؤكد من جهة اخرى، هذا المستوى من الخوف والخشية الذي تعيشه "اسرائيل" اليوم ، قائد فيلق الأركان العامة السابق، اللواء احتياط غرشون هكوهين، بقوله: " إنّ من يقول ان "إسرائيل" تفقد قوّة الردع ، يقصد شيئاً أكثر تعقيداً، مفاده أنّ الخوف الذي يساورنا بشأن الحرب له أساس من الصحة".
من هنا ، وأمام ما تعيشه "إسرائيل"، وبشهادة المذكورين من مسؤوليها السياسيين والعسكريين، ومقارنة مع ما حصل (ورغما عنها) من تغيير في موقف واشنطن تجاه ايران وسعيها للتقارب معها، وهي ( واشنطن) القادرة وصاحبة الامكانيات الضخمة عالميا، لم يعد مستبعدا، بل اصبح واردا وبقوة، أن تسعى "اسرائيل"، وبكل الطرق والوسائل او القنوات الممكنة، للتوصل الى ما يشبه التسوية او على الاقل، التهدئة، مع حزب الله، علّها بذلك تجد حلا مقبولا سريعا، لما تراه وبوضوح خطرا اكيدا على موقعها وعلى وجودها. ولكن... تبقى هناك صعوبة كبيرة في ان تنجح "إسرائيل" في طموحها هذا ويتجاوب معها حزب الله في سعيها للتقارب او على الاقل للتهدئة بين الطرفين.