الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • مقالات و المقابلات
  • الریاضه و السیاحه
  • عربیات
  • منوعات
العدد سبعة آلاف ومائتان وواحد وسبعون - ٠١ يوليو ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف ومائتان وواحد وسبعون - ٠١ يوليو ٢٠٢٣ - الصفحة ۷

ثورة العشرين حية في الوجدان العراقي من الأجداد إلى الأحفاد

الوفاق/  يحيي العراقيون - ذكرى مرور 103 عام على اندلاع ثورة العشرين ضد الاحتلال البريطاني للمطالبة بالاستقلال، التي أخذت صداها وأصبحت نقطةً لافتةً في التاريخ الحديث، وتحولت إلى يوم وطني للأجيال اللاحقة يحتفل بذكراها من كل عام بوصفها ذكرى احتجاجية مشتعلة.
ولاشك أنه مما لايختلف عليه إثنان من العراقيين على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم وتوجهاتهم، هو أن ثورة العشرين، تُعد من بين أبرز الاحداث التي شهدتها البلاد في تاريخها الحديث، بل لعلها مثلت نقطة التحول الكبرى بين مرحلتين أو عهدين، وما ميزها عن سواها من الوقائع والأحداث التاريخية جملة أمور من بينها، إنّ كل فئات وشرائح ومكونات المجتمع العراقي اشتركت فيها، من علماء ورجال الدين إلى شيوخ ووجهاء وأبناء العشائر، إلى النخب الثقافية والاجتماعية من طلبة وأساتذة وساسة وأعلام فكر، من العرب والأكراد والتركمان، ومن الشيعة والسنة، ومن أبناء الوسط والجنوب والفرات الأوسط والشمال، إذ برز إلى جانب أسماء علماء الدين شيوخ ووجهاء العشائر، والزعماء السياسيين، والمثقفين والمفكرين.
ظروف ومقدمات اندلاع الثورة
لم يلتزم الاحتلال البريطاني بوعوده باستقلال العراق بعد تحريره من العثمانيين، وتسلطهم على مقدرات العراق واستخدام أسلوب القسوة ضد السكان، ففي 25 نيسان 1920 أعلنت مقررات مؤتمر سان ريمو والذي يتضمن إعلان الانتداب البريطاني على العراق وفلسطين والفرنسي على لبنان وسوريا، أحدث القرار صدمةً قوية للأوساط الشعبية والدينية العراقية، وكانت قد سبقته تحركات سياسية فجرها الاستياء من سوء معاملة الإدارة البريطانية للعراقيين عموماً.
سبق قيام ثورة العشرين اندلاع ثورة النجف الأشرف عام 1918 التي قمعها البريطانيون بكل قسوة، وأعدموا كثيراً من الرموز الوطنية آنذاك، ثّم تسارعت وتيرة الأحداث التي دعت إلى قيام ثورة شاملة ضد البريطانيين وإنهاء فكرة إلحاق العراق بمحمية عدن وجعله مستعمرة تابعة لها. إذ اجتمعت بعض من زعامات الفرات الأوسط وخرج الجميع من الاجتماع بفكرة واحدة، هي توعية الناس وحشد الجهود، وأنشئت جمعية الرابطة الإسلامية للقيام بذلك.
وكان لقيام الثورة البلشفية بقيادة لينين في روسيا الأثر الكبير لدى عامة سكان العراق وخاصة بعد تأييد البلاشفة لأية حركة مناوئة للاستعمار. وقد جاءت أفكار الحركة البلشفية إلى العراق عن طريق الزوار والطلبة القادمين من بلاد فارس. كما شجعت انتصارات كمال أتاتورك في الأناضول الكثير من العراقيين الذين عانوا من تعسف الاستعمار البريطاني. كما تأثر العراقيون بالحكومة الوطنية في سوريا بزعامة الملك فيصل الأول الذي أصبح فيما بعد أول ملوك المملكة العراقية من العام 1921 إلى العام 1932.
هوية الثورة
يتحدث المؤرخ الدكتور علي الوردي في كتابه عن ثورة العشرين وهويتها الوطنية: "يمكن القول على أيَّةِ حال أنَّ ثورة العشرين هي أول حدث في تاريخ العراق يشترك فيه العراقيون بمختلف فئاتهم وطبقاتهم، فقد شوهدت فيها العمامة إلى جانب الطربوش، والكشيدة إلى جانب اللفة القلعية، والعقال إلى جانب الكلاو، وكلَّهم يهتفون "يحيا الوطن".
أمَّا رأي الدكتور عباس كاظم في كتابه (ثورة 1920)، المُترجم عن الإنكليزية، فيُشير بقولهِ: "كانت ثورة العشرين ثورةً وطنية عراقية في المقام الأول ". مؤكِّداً أنَّ كلَّ المشاركين في الثورة لم يستلموا أيَّة مساعدة أو دعم خارجي، بل اعتمدوا على الموارد
الذاتية .
وقال السيد حسان علي آل بازركان في مدخل الطبعة الثانية لكتاب والده، ما نصه: "الذين حاولوا أن يعزوا ثورة 1920م إلى قيام عشيرةٍ ما دون الشعب كلِّهِ، أو الذين عزوه إلى طائفةٍ ما دون سائر شعب العراق، أو إلى منطقةٍ ما دون سائر أرض العراق، ما هم إلاَّ مُفرقي الصفوف وممزقي وحدة الشعب وهم الذين حرفوا الحوادث التاريخية..." .
وبعد هذهِ الآراء التي تُعبِّر عن الهوية الوطنية للثورة لا بد من العودةِ للكلام عن أسباب ثورة العشرين.
أسباب اندلاع الثورة
كانت ثورة عام 1920 من أهم الثورات ضد القوات البريطانية في العراق، وكان وراء اندلاعها أسباب متعددة منها إنّ أسباب الثورة تكمن في الضغط والاستغلال الاقتصادي واستنزاف جهود العاملين في ميدان الزراعة، كذلك في فتاوى العلماء الأعلام المُجاهدين في كربلاء والنجف، وفي مقدمتهم المُجاهدون مُحمَّد تقي الشيرازي والأصفهاني والخالصي.. إضافةً للفئة المثقفة في النجف، إلى  جانب الضغط السياسي والمُطالبة بحقِّ تقرير المصير، واختيار الحكَّام والحكومات بحرية. وقد تأثر بهذا العامل أبناء المدن والحواضر أكثر من غيرهم. وسبب آخر هو أنَّ العراقيين عانوا من ظلم وإرهاق الإنكليز، فبثوا شكواهم للعلماء فاتفق الطرفان على الشروع بمُقاتلة الغاصبين.
وكذلك سوء الإدارة البريطانية وتعسفها في إدارة البلاد، فضلاً عن الضرائب الثقيلة التي أرهقت كاهل الشعب العراقي، حدوث التضخم النقدي وما أدى من بعده إلى ارتفاع في الأسعار، عدم تنفيذ المحتل البريطاني ما وعدوا به السكان أثناء احتلالهم للعراق من إنشاء دولة مستقلة.
يشرح ويُفصل المؤرخ علي الوردي في كتابهِ (لمحات اجتماعية)، أسباب اندلاع ثورة العشرين، بقولهِ:
"أصاب البلاد تضخم نقدي أيام الاحتلال البريطاني فارتفعت أسعار القمح والرز فولّد مجاعة وبالمقابل زادت الضرائب إلى ثلاثة أضعاف ما كانت عليه أيام العثمانيين. واتبع الانجليز سياسة تقريب شيوخ عشائر وإهمال آخرين، فثارت الضغينة بينهم وامتعضوا من سياسة المُحتل البريطاني. كما إنَّ السياسة البريطانية التي تتوخَّى العدالة والمُساواة في الحكم القضائي، دفعت الفلاَّحين إلى أن لا ينظروا إلى شيوخهم كما كانوا في الماضي، ولهذا زاد كُره الملاَّكين للسياسة البريطانية. وهناك أخيراً رعونة بعض الحكَّام السياسيين البريطانيين ومعاونيهم وقلَّة خبرتهم، ومنهم "ليجمان" في الموصل ومن ثمَّ الرمادي، والنقيب ديلي في الديوانية، حيث اتَّسمت سياستهما بالتعسُّف والاستبداد والفظاظة".
دور المرجعية في ثورة العشرين
لم تمض سنتان على انتفاضة النجف حتى انفجرت ثورة العشرين الكبرى 1920م، وخضع لبنان وسوريا وفلسطين وغيرهما من البلاد العربية والإسلامية للانتداب الفرنسي والبريطاني وما لبثت أن سقطت الأجزاء الشمالية من إيران للاحتلال الروسي في سنة 1920م، ولذلك تصدت المرجعية لهذا الاحتلال وأعلنت فتاوى الجهاد ضد المحتلين.
وربما تكون المرجعية المتمثلة آنذاك بالشيخ "محمد تقي الحائري" الشهير بالشيرازي قد عبّرت عن أهداف الثورة الحقيقية، وذلك عندما حاولت السلطات البريطانية تعيين حاكم بريطاني على العراق بشكلٍ ثابت ودائم على أن يكون مستشاروه من العراقيين، أطلق فتواه: "ليس لأحد من المسلمين أن ينتخب أو يختار غير المسلم للإمارة على المسلمين" ولمّا تمادى الإنكليز في غيّهم ونهبهم لثروات العراق أصدر سماحته فتوى ثانية أوجب فيها على كل العراقيين استعادة ثرواتهم، وهذا نص فتواه:"مطالبة الحقوق واجبة على العراقيين، ويجب عليهم ضمن مطالبتهم رعاية السلم والأمن، ويجوز لهم التوسل بالقوة الدفاعية إذا امتنع الإنكليز قبول مطالبهم".
وسار السيد " فتح الله الأصفهاني" على خطى سلفه في شحذ العزيمة وثبات الموقف على القتال والجهاد في سبيل الاستقلال، فحمل السلاح في ثورة العشرين في العراق، وذهب مع المجاهدين إلى ساحة المعركة، ثم عاد إلى النجف الأشرف بإلحاح من زعماء الثوار، ولم يقتصر دوره على العراق فحسب بل شارك في الهيئة التي شكلت لتولي مهام الإعداد والتخطيط للعمل الجهادي ضد الجيوش الروسية إبّان احتلالها لشمال إيران 1329هـ/1920م
هذا وبعد إعلان الثورة أصبحت مدينة النجف تحكم نفسها بنفسها ولا تخضع لسلطة الإدارة البريطانية. إذ تقرر في النجف تشكيل مجلسين تشريعي وتنفيذي، وقد تمت مبايعة "الأصفهاني" لكي يكون المرجع الأعلى لدى الشيعة بعد وفاة الشيخ "محمد تقي الشيرازي".
وتشكّل حزب سياسي في النجف أطلق عليه "الحزب النجفي السري"، ضمّ علماء دين وشخصيات اجتماعية معروفة وزعماء عشائر. حظي هذا الحزب بتأييد المرجعية التي نسقت معه في ظروف الساحة وأساليب التحرك.
مستشارة المندوب البريطاني بيرسي كوكس حينها ذكرت: "رجال الدين من العلماء في النجف وبغداد وكربلاء والكاظمية وسامراء كان لهم أثرُ كبير على السكان لاسيما في المدن المقدسة".
والنقطة الجوهرية والمهمة التي تمحورت حولها مجمل المطالب والأهداف لثورة العشرين التي انفجرت في وجه الاحتلال الإنكليزي بتوجيه وقيادة علماء النجف وكربلاء هي إنهاء الاحتلال البريطاني الجاثم على صدور العراقيين وإقامة حكومة إسلامية في العراق متحررة من السيطرة الأجنبية، ولتحقيق ذلك رفعوا نداء الوحدة بين السنة والشيعة، ودعوا إلى التآزر وشد أواصر التلاحم بين مختلف شرائح المجتمع من عرب وأكراد فضلاً عن القبائل العربية.
لذلك كانت هذه  ثورة وطنية خالصة، صنع مقدماتَها وحرك أغلب أحداثها علماء الحوزة العلمية، فكانت ثورة علمائية بامتياز، تخطيطاً وتنظيماً، إذ كانت توجيهات المرجعية وفتواها هي العامل والمحرك الأول للجماهير باتجاه المطالبة بحقوقهم المشروعة، ومواجهة مخططات المحتل، ولم تكن الثورة المسلحة هدفاً للمرجعية الدينية، بل كان هدفها الأوسع والأشمل هو الإصلاح.
نتائج ثورة العشرين
لقد ارتبطت أهمية ثورة العشرين بالظروف التي أحاطت بها ورافقت اندلاعها وبالنتائج التي انعكست فيّما بعد على مستقبل العراق دولةً وشعباً، فتأسيس الدولة العراقية الحديثة في عام 1921م، وإنهاء الانتداب البريطاني فيما بعد، والتأسيس للحكم الوطني، تعتبر من المخرجات والنتائج المهمة لثورة العشرين، مع بقاء العديد من المظاهر والحقائق السلبية قائمة، لأن البريطانيين لم يذعنوا ويستسلموا بالكامل، وواصلوا منهجهم العدواني والعمل بالعقلية الاستعمارية بوسائل وأدوات مختلفة.
ختاماً بقيت ثورة العشرين تلامس الوجدان الشعبي العراقي، وتبعث في نفوس العراقيين الهمم، وتجعلهم ذائبين في المشروع التحرري الرافض لكل أنواع الاحتلال، وسيظل يوم 30 حزيران / يونيو- تاريخ انطلاق الثورة-  يوماً خالداً، ملهماً للساعين والباحثين عن الحرية، وللعاملين على رفض كل أشكال الاحتلال.

 

البحث
الأرشيف التاريخي