الفن والمقاومة.. ريشة.. شعر.. حنجرة.. كاميرا
هدى يوسف أبو هاشم
تعددت أشكال المقاومة والرفض والمعارضة باللسان أو اليد أو في القلب، ولم تعد مرتبطة بالجانب المادي فقط بل بالجانب المعنوي وأصبح لها دلالة عظيمة، رحم الله عميد المقاومة الفكرية بالقرطاس والقلم واعتداده بالكلمة
كبير وعظيم في دلالاته ولم نبق اسيري مفهوم السلاح وكأننا ننظر من ثقب باب، فلا نرى من المقاومة إلا المسلحة منها، غير مدركين بأنها " أي المسلحة " عبارة عن جزء من مفهوم شامل يبدأ بأنفسنا لينتهي بعدونا، فمقاومة الشيء تعني مواجهته بما يلزم، وقد يكون "ما يلزم" سلاح، وربما يكون ريشة.. شعر.. حنجرة.. أو كاميرا، هذه الأدوات هي عبارة عن مواهب للفنان الذي يمتلكها، ويعظّم من شأنها وإلتحامها مع قضية شريفة وعادلة، أكد ذلك الدكتور الكاتب أحمد خيري العمري قائلاً: "من يمتلك موهبة ويمتلك معها قضية، سيكون من الصعب عليه أن لا يعبر عن تلك القضية بموهبته، سيكون صراعاً داخلياً هائلاً لو أنه حاول إسكاتها، وسيكون الأمر أصعب بكثير لو حاول تزييفها، وإرغامها على القول بعكس ما تؤمن" وهنا يبرز لدينا مفهوم المقاومة بالفن، فالفنان لا يريد تصوير المقاومة في فنه وإنما يريد أن يجعل الفنَّ سلاحاً يقاوم به الموضوع المرفوض بالنسبة له، وقد تتبدل الأدوار بين المقاومة والفنّ، فالفنان سواء كان رساماً أو كاتباً أو مصوراً قد يُصفّى ويجهز عليه تماماً كما المقاوم، ولولا أنهم يخشون قلمه أو ريشته أو كمرته ما فعلوها مع غسان وناجي.
كان ذلك في بيروت حين دوّى صوت انفجار استشهد على أثره الكاتب والصحفي الفلسطيني غسان كنفاني عام 1972، أنتج قبلها مجموعة من الروايات والقصص القصيرة والمسرحيات توثّق معاناة الفلسطيني قبيل النكبة وبعدها ودراسات في الأدب الفلسطيني والأدب الصهيوني، مما جعل رئيسة وزراء الكيان الصهيوني جولدا مائير تقول:
اليوم تخلصنا من لواء فكري مسلح، فغسان بقلمه كان يشكل خطرا على اسرائيل أكثر مما يشكله ألف فدائي مسلح"
وبجانب قلم غسان نذكر ريشة ناجي العلي، فنان الكاريكاتير الذي لا تزال رسومه إلى اليوم تعبر عن الحال الفلسطيني والعربي ككل، وما زال رمزه المشهور الطفل حنظلة صاحب العشر سنوات يعبر عن كل إنسان عربي مشرد، مظلوم و رافضاً للحلول الخارجية.
ناجي وغسان وغيرهم من الأدباء والشعراء والرسامين العرب لم يكونوا قادة عسكريين كنور الدين وصلاح الدين، لم نكن ننتظر أو نتوقع منهم أن يقودونا في معركة ننتصر فيها ونتحرر من اعدائنا، ولكن الفن والموهبة التي امتلكوها وسخروها لخدمة القضية كانت تعبر عنا، عن آلاف الفلسطينيين في الداخل والشتات، كانت تجعلنا نكتشف الأشياء التي تُثقل علينا وتُؤلمنا.
قلم غسان وريشة ناجي عرّفونا بأنفسنا أكثر، وعندما نعرف نستطيع.. ربما لذلك إغتالوهم، ولا يقل تأثير الغناء والموسيقى عن ما سبق، فصدق حناجر بعض الفنانين عزز المقاومة في قلوب كثيرين، فمن منا لا يذكر الغناء المقاوم للسيد درويش، ومارسيل خليفة الذي عقد تزاوجاً رائعاً بين الغناء وشعر محمود درويش، فيروز، جوليا بطرس، ريم البنا، فرقة العاشقين.
امتلكوا صدق الحنجرة وقوة الإيمان بالقضية فارتبطت أسماؤهم بالمقاومة بشكل أو بآخر، فالغناء الفردي والجماعي، الشعري والفصيح ، القديم والحديث، وحّد المشاعر العربية وصاغ مفاهيم الرفض والثورة والتمرد.
الفن والمقاومة وجهان لعملة واحدة هي الحب والإيمان والتضحية إذا وُجدت القضية، علينا أن نعزز ثقافة الصمود في الارض والتشبث بها فهي من اصعب اشكال المقاومة الصامتة وندعم كل اشكال المقاومة حتى التحرير باذن الله.