مدرس السيد هادي نصر الله لصحيفة الوفاق:
سيارات الماتش بوكس أولى خطواته في مواكب المرافقة
لكلّ من الشهداء حكاياته وقصصه، بعضهم يدفعنا إلى البحث خلفه لنتحسّس العشق الإلهيّ الذي يعرفونه جيّداً ونجهله نحن. ولطالمنا انتظرنا أي تفصيل يدلنا على شخصية هؤلاء الشهداء. قد تمضي عشرات السنين، وتبقى تلك التفاصيل التي تدل عليهم حيّة في وجداننا تزرع فينا الكثير من الدروس والعبر.
مضى 26 عاماً على تحليق طائر أيلول، الذي تساءل عنه كثيرون: كيف كان يعيش؟ ولمَ اختار طريق الجهاد في حين لديه أفضل خيارات الحياة؟ من هناك تحديداً كانت شهادته نصراً آخر.
26 عاماً مرّت على استشهاده في مواجهات جبل الرفيع ولا تزال ذكراه توقظ فينا الأمل بقادة ٍ قدّموا فلذات أكبادهم على درب هذه المسيرة، قدّموا مصلحة المسيرة على الأبوّة، فتماسكوا وحمدوا الله على هذا القربان. وفي أجواء الذكرى السادسة والعشرين على تشييعه بعد استعادة جثمانه من الكيان الصهيوني، يتحدّث أستاذه عدنان علامة لصحيفة الوفاق في أول مقابلة له عن الشهيد، فيطول الكلام معه عن شاب شهيد تميّز بشخصية قيادية، محبّبة، وامتلك رجاحة عقل وكاريزما وجاذبية قلّ نظيرها في أبناء جيله.
عن شاب لم يتعدّ بعد مرحلة المراهقة لكنّ تصرفاته تخطّت عمره بأشواط. وفي غمرة الحديث الذي استحضر فيه مدرسه ذكريات تعود للمرحلة الدراسية للشهيد، حضر طيف الشهيد، وتداخلت الحكايا عن هادي التلميذ، والهادىء والمقاوم صاحب الفكر القيادي والعقل الراجح.
ولد الشهيد السيد هادي حسن نصرالله في التاسع عشر من كانون الثاني عام 1979م، تنقل في عدد من المدارس وفي عدة مناطق، بسبب ظروف والده التي اضطرته للتنقل، فدرس في بعلبك أثناء تواجد سماحة السيد فيها للتبليغ، ثم في بيروت حتى عمر الخامسة عشرة حيث أمضى ثماني سنوات في مدرسة المصطفى (ص) في حارة حريك، وتابع دراسة حوزوية لستة أشهر.. عام 1994م وفي عمر الخامسة عشرة التحق الشهيد بصفوف المجاهدين في المقاومة الإسلامية وبدأ مشواره الجهادي بكل فخرٍ وعزة.
متابعة دروسه اليومية
يوضح المدرس علامة أنه:" نظرًا لإنشغال سماحة السيد حسن نصر الله (حفظه الله) واضطراره لمتابعة الأمور السياسية والتنقل سرًا في الداخل والخارج كان لا بد من تواجد من يتابع دراسة الشهيد هادي وشقيقه جواد وشقيقته زينب".
ويشرح كيف تولى مهمة الإشراف على تدريس أولاد السيد بالقول:" كنت ألتقي دائماً بمرافقي سماحة السيد حسن نصر الله (حفظه الله) أثناء اصطحاب إبني وإصطحابهم للشهيد هادي وجواد من مدرسة المصطفى (ص) في حارة حريك، وكنا نتبادل أطراف الحديث حين سألوني في أحد الأيام عن معرفتي بأستاذ موثوق لمتابعة دراسة أولاد سماحته، فأبلغتهم بإستعدادي شخصيًا تولي هذه المهمة".
ويضيف المدرس علامة أنه بعد إبلاغه بالموافقة على التدريس، كان اللقاء الأول بين الشهيد هادي وجواد بوجود سماحته، حيث طلبت من سماحته مع غمزة سريعة دون انتباههم تفويضاً مطلقاً بالتعامل معهم. كذلك طلبت من سماحته عدم السماح لهم بدخول غرفة المرافقة من الآن وصاعدًا وتم ذلك. كما أبلغته بأنني سأتابع شخصيًا مع المدرسة كافة الأمور المتعلقة بدراستهم"
اللقاء الأول بين الأستاذ وطلابه
يقول المدرس علامة عن أول حصة دراسية مع الشهيد وأشقائه :" بدأت جلستنا الأولى بالتعرف على بعضنا البعض، وشرعنا نتناول أطراف الحديث عن المدرسة والدروس، ولاحظت منذ اللقاء الأول اهتمامهم بسيارات "match box" وقد قاما بطلاء جميع السيارات باللون الأسود ليجعلا منها مواكب مرافقة، وقد جعلوا لها مرائب خاصة لهذه السيارات من صناديق الكرتَون".
ويتابع حديثه:" أبلغتهما أنه من اليوم وصاعدًا سيكون التركيز على الدروس أكثر من التركيز على اللعب وسأتابع المدرسة عبر المفكرة التي تتضمن الواجبات الدراسية المطلوبة من التلاميذ يومياً، وأكدت عليهما بأن العلاقة بيننا لن تكون كما كانت مع من سبقني والمطلوب علامات مميزة في المدرسة ، وأبلغتهم بأني سأتوجه إلى المدرسة في الغد، وتوجهت بالفعل إلى المدرسة والتقيت ناظر الطابق وأكدت عليه بتدوين أي ملاحظة على المفكرة اليومية وبدأت العلاقات على أحسن حال، وكنت أبدأ معهم بمراجعة المفكرة يومياً، كنت أراجع الدروس والفروض اليومية وأبلغهم كيفية تصحيحها إذا كان هناك أي خطأ"، ويلفت المدرس بأن شقيقتهم زينب كانت متفوقة دراسياً، وبالرغم من ذلك كنت أراجع وأتابع المفكرة معها وأتأكد من إنجاز المطلوب منها".
متابعة أسبوعية من سماحة السيد لدراستهم
يقول المدرس علامة :" كنت مراقباً ومتابعًا ومشرفًا على كافة تفاصيل دراستهم، التي كنت أبلغ سماحته اسبوعياً عنها، كنت اعتبر أبناء السيد أبنائي لأخفف عنه بعضاً من همومه ومشاغله"، ويضيف بالقول:" كنت أواظب على لقاءات الأهل في المدرسة وكنت أشدد على أن لا يكون للشهيد هادي أو جواد معاملة خاصة كونهم أولاد سماحة السيد حسن نصر الله".
وعن تصرفات وهوايات الشهيد وشقيقه يتحدث المدرس علامة:" الشهيد هادي وشقيقه جواد كان عندهما طاقات حيوية يعبران عنها بالشقاوة اللطيفة. لكنهما محرومان من الحرية الكاملة بسبب منصب والدهما فلدى ولديهما ولع كبقية الشباب بكرة القدم وكان هناك ملعب مخصص لإقامة مباريات التحدي، علاقته مع أصدقائه كانت مقتصرة على طلاب المدرسة وفي ملعب كرة القدم وكان أصدقاؤه يقدرَون ذلك. ومع الوقت أكتشفت امتلاك جواد أذن موسيقية وقدرة على العزف فشجعته على متابعتها ولكن في أوقات العطلة".
حادثة طريفة جمعته مع سماحة السيد
يشير المدرس علامة إلى حادثة طريفة جمعته مع سماحة السيد:" هناك طرفة حصلت معي حين باركت لسماحة السيد بنجاح الشهيد هادي في الشهادة المتوسطة فأجابني مبتسماً وقال:" أنا شو إلي خصة...، هيدا شغلك".
عشق الجهاد منذ الصغر
يشير المدرس علامة إلى تعرفه على هوايات وميول الشهيد بالقول :" اكتشفت ميوله للإلتحاق بالجبهة مبكرًا، وأبلغته بأنّ عليه الخضوع لدورة تدريبية خاصة تناسب عمره في العطل الصيفية بشرط تحسن العلامات المدرسية، مذكراً إياه بأن الدورة تحتاج إلى إفادتي، وخلال فترة تدريبه أرسل رسالة إلى أهله ذكرني فيها بالإسم مقدراً جهودي طالبا المسامحة ونسخة عن الرسالة موجودة في سجل النَور الخاص به". ووفقاً للمدرس علامة:" كان هم الشهيد هادي الوحيد إنهاء المرحلة المتوسطة للإلتحاق بالجبهة. وكنا نتدارس الموضوع سويا؛ وكنت أضع أمامه العقبات لأحثه على الدراسة ، فكنت اخبره بأن عليه إتقان اللغة الأجنبية لمعرفة كافة التفاصيل عن أسلحة العدو؛ وكذلك إتقان الرياضيات لقراءة جداول رمي القذائف والصواريخ لأن كل ما تتعلمه في المدرسة نظريًا ستطبقه عمليًا في التدريب. والأهم من ذلك هو موافقتي للخضوع لدورة تدريبية عامة (لم يبلغ سن الرشد حينها). والمطلوب بنية جسدية للإلتحاق بالقوة الخاصة وعليه رفع اللياقة البدنية في العطلات".
ويلفت المدرس علامة بأنّ الشهيد هادي لم تنقصه الشجاعة والوعي السياسي ولكن كان الجانب العسكري محط كل اهتمامه. وأنه:" من خلال مناقشتي معه كان يميز بين الصديق والعدو والتكتيك والإستراتيجية والمناورات السياسية والتحالفات، ولكنه كان يعتقد بأن الأرض لا تتحرر إلا بالقوة. كان متواضعَا ولا يميز نفسه كون إبن سماحة السيد حسن نصر الله وكان يقول أنا متل بقية الشباب نقوم بتكليفنا والباقي على الله، قد يرى البعض بأن هذه كلمات عادية ولكنها بالفعل تعكس مدى التوكل الكلي والإيمان المطلق وحسن الظن بالله".
وختم المدرس علامة كلامه بالقول :" شهادة الشهيد هادي كان لها أثرٌ خاص عندي لإرتباطي الوثيق به لعدة سنوات، لم تشأ الأقدار أن يحتفل الشهيد بالإنتصارات الإلهية التي شهدناها في الأعوام التي تلت استشهاده، ولكن شكلت شهادته وشهادة الألاف من الشهداء منذ انطلاقة المقاومة إلى الآن كانت المدماك الرئيس والأساس لكل هذه الانتصارات".