حرب مكافحة التمرد.. «النظرية والتطبيق»
الوفاق/ وكالات
لا تزال الثورات تُمثل ظواهر إنسانية معقدة للغاية، فلا هي أحداث اجتماعية بحتة، ولا هي حرب عسكرية محضة، وللدراسات النفسية فيها باعٌ كبير لكنها قاصرة عن تفسيرها، وللسياسة في الثورات دورٌ أساسي رغم أن الثورات لا تبدأ بالسياسة ولا تنتهي بها، لتبقى الثورة ذلك النشاط الإنساني الجمعي الذي يُفاجىء من يمارسونه، كما يُفاجىء من يتصدون له.
وإذا كانت الحروب العسكرية وعلوم الاجتماع وعلم النفس والسياسة قد أُشبعت دراسةً وتفصيلاً، فقد بقيت الثورات من أول الظواهر الإنسانية والتاريخية دراسةً وتحليلاً، ويعود ذلك لسببين: الأول هو أن الثورة ظاهرة إنسانية، والظواهر الإنسانية، على خلاف الظواهر الفيزيائية، صعوبة الدراسة والتقعيد، والثاني أنها ثنائية الطبيعة ، يعتبرها أحد الاطراف تمرداً يسير بالبلاد للهاوية، بينما يعتبرها الطرف الثاني منتهى البطولة التي تسعى بالبلاد وشعبها للحرية والخلاص والازدهار.
ولعّل الشعوب العربية التي عاصرت الثورات بدءاً بإرهاصاتها مروراً باشتعال شرارتها ووصولاً إلى مآلاتها التي لم تكتمل بعد، هي الأقرب إلى فهم ومعرفة نقاط قوة الثورات من ضعفها، وتحديد أين نجحت وأين أخفقت، فقد لمست هذه الجماهير قوانين الثورة وأحست بها، لكنها لم تُرجعها في الغالب إلى أسبابها المنطقية والعلمية، بل غاصت في نظريات المؤامرة والمخططات الخارجية.
يُعد هذا الكتاب من أمهات الكتب في دراسة الثورات وطرق التصدي لها، إذ يتسم بالمنهجية والموضوعية من جهة، وبالشمول من جهة ثانية، مع الغنى في احتمالات الأحداث والأمثلة التاريخية، دون الجنوح إلى التطويل المُمل أو الاختصار المُخل.
خلال اجتماعه مع وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد، لمناقشة قضية المقاومة العراقية بعد الغزو الأمريكي للعراق. قدم الجنرال الأمريكي "جاك كين" الذي يتمتع بخبرة 37 سنة من الخدمة العسكرية، لائحة من النصائح لرامسفيلد لتجنب المزيد من الخسائر.
وقد أشار في النقطة الـ 15على لائحة النصائح بأنّ على الجيش الأمريكي الفوز بمعركة بغداد، وترسيخ الاستقرار فيها عبر السيطرة على سكانها. وأوكل "كين" إلى رامسفيلد مهمةً أخرى: "أظن أن عليك أنت وغيرك من المعنيين، قراءة كتاب عنوانه: حرب مكافحة التمرد "النظرية والتطبيق" لديفيد جاليولا. وإذا لم ترغب بقراءته كلّه فاقرأ التمهيد والمقدمة، ثم الفصول 4-7. قدّم جاليولا، الحجة في كتابه الذي نشر عام 1964 على أنّ حركات التمرد هي حروب ثورية يعتمد النصر أو الهزيمة فيها على كسب تأييد السكان المحليين ودعمهم."
وعليه نستفيد من هذا الكتاب، معرفة خصائص الحرب الثورية التي تخوضها حركات المقاومة في منطقتنا، واللافت بأن جاليولا الذي لم يشهد ظهور هذه الحركات لأنه توفي في العام 1967، لكنه أكّد في كتابه بأن الحرب بين قوى المقاومة (يصفها بالقوة المتمردة والثورية) وبين جيوش الاحتلال، ستكون مكلفة جداً على الأخيرة، وأن غالباً قوى المقاومة (المتمردة) هي من تنتصر لا سيما إن استطاعت كسب الناس الى جانبها.