الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • دولیات
  • الثقاقه و المجتمع
  • مقالات و المقابلات
  • الریاضه و السیاحه
  • عربیات
  • منوعات
العدد سبعة آلاف ومائتان وستة وثلاثون - ١٥ مايو ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف ومائتان وستة وثلاثون - ١٥ مايو ٢٠٢٣ - الصفحة ۷

ثورة التبغ في إيران.. بداية تبلور الفكر الديني «الثوري»

 

الوفاق / وكالات
تُعتبر إيران من أكثر البلدان تعرضًا للانقلابات والثورات في التاريخ الحديث، وربما يعدو ذلك إلى صراع البلدان الأجنبية للسيطرة عليها وبسط نفوذهم على مواردها وموقعها الحيوي؛ فقد كان الاتحاد السوفيتي وألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة يتصارع كل منهم لاحتلال تلك المنطقة، لا سيما مع تصاعد أهمية إيران كدولة مصدرة للنفط بكميات كبيرة. وقد كان فساد الحكام الإيرانيين منذ الأسرة القاجارية وسقوطها، ثم تولي الأسرة البهلوية وسقوطها كذلك، يساعد التدخلات الأجنبية ويشجعها على فرض مزيد من الاستغلال؛ حيث إنَّ كثيرًا من هؤلاء الحكام كانوا لا يجدون غضاضة في التعاون مع تلك العناصر الخارجية إما عن ضعف وإما عن طمع.
الامتيازات الأجنبية في عهد القاجاريين
في نهاية القرن الثامن عشر، استطاعت قبيلة القاجار التركمانية، التي كان لها نفوذها منذ أن دعمت صعود الصفويين في إيران في بداية القرن السادس عشر، في السيطرة على مقاليد الحكم في إيران عام 1779م على يد أغا محمد خان، الذي استطاع توحيد البلاد، معلناً بدء عصر الدولة القاجاري.
حكمت السلالة القاجاريّة إيرانَ ما يقارب القرن ونصف القرن، بدءًا من سنة 1193هـ، وحتّی سنة 1344هـ (1779 - 1925م). وخلال فترة حكمها، تخلّف الشعب الإيرانيّ عن ركب الحضارة، علی مختلف الأصعدة الاجتماعيّة والثقافيّة والسیاسيّة. كما إنّ الاتفاقیّات المذلّة، التي أُبرِمَت في هذه الفترة، مع الدول القويّة وقتئذٍ، أساءت إلی إيران، وسوّدت صفحات تاريخها. وبشكلٍ عامٍّ، يُعَدّ العصرُ القاجاريّ بدايةَ اتّساع النفوذ الغربيّ في إيران. واتسم عهد الدولة القاجارية بعدم الاستقرار وكثرة الحروب، التي أدت إلى تغلغل الإنجليز والروس في الشؤون السيادية الإيرانية، وشهد حكمهم التنازل عن العديد من الأراضي الإيرانية لروسيا، وزيادة النفوذ والامتيازات البريطانية في مناطق أخرى.
تحولت إيران في فترة بسيطة إلى مصدر للمواد الخام الرخيصة وسوق للسلع الصناعية من الدول الغربية، وأصبحت منشغلة بتصدير المواد الخام مثل الأفيون والأرز والتبغ والمكسرات، وأجبرت الدولة الناس على العمل في زراعة هذه المحاصيل، وإهمال المحاصيل الأخرى، التي بدورها أدت إلى زيادة معدلات الفقر وانتشار المجاعات بشكلٍ دوري في إيران. في الوقت الذي كان فيه الشاه يقترض القروض الأجنبية الضخمة لتمويل رحلاته الشخصية باهظة الثمن إلى أوروبا، الأمر الذي فاقم من وضع الفقر قي البلاد .
نقمة الشعب الإيراني على العائلة الحاكمة
قادت خياناتُ السلاطين القاجار، وما اقترن بها من اجتياحٍ للأراضي الإيرانيّة مِن قِبَل الإنجليز والروس القياصرة، إلى إيجاد ظروفٍ صعبةٍ وقاسيةٍ, إذ كانت سفارات الدول الاستعماريّة تتدخّل بشكلٍ سافرٍ في شؤون البلاد جميعها، بما في ذلك عزل أمراء البلاط والوزراء ومسؤولي المناصب العسكريّة الهامّة وتنصيبهم. كما تمّ، في هذه الفترة العصيبة، التخلّي عن مناطق شاسعةٍ من أرضنا الإسلاميّة إلى الأجانب، عبر اتّفاقياتٍ مشينةٍ، في وقتٍ كانت البلاد تشكو من انعدام الأمن والعدالة، وتفشّي الفساد الإداريّ.
كل تلك العوامل مجتمعة، أدت إلى غضب ونقمة الشعب الإيراني على العائلة الحاكمة التي أفلست الدولة في عهدها، وزاد الاستبداد والعنف ضد المواطنين الذين لم يحصلوا على الامتيازات نفسها التي يحصل عليها أي شخص أوروبي يدخل إيران، إذ شعر المواطن الإيراني بالمذلة والإهانة، ناهيك عن الشعور العام بأنّ حكامهم يرضخون للمصالح الأجنبية، وبالتأكيد كان تحقيقها يأتي على حساب الشعب.
هنا برزت الدعوات الإصلاحية والثورية التي قادها رجال الدين في إيران، ودعت لمحاربة احتكار التجار الجشعين، والشاه وحاشيته، والقوى الاستعمارية التي تغلغلت في كل ركنِ من الدولة، وقسمت أراضيها فيما بينها. وخلال الأحداث، كشفت كلٌّ من فتوى العالِم المجاهد الكبير آية الله العظمى الشيرازيّ، بشأن نهضة تحريم التبغ، والتي عُرِفَت بـ "حركة التنباكو"، ودعواتِ الإصلاح التي أطلقها السيّد جمال الدين الأسد آبادي، وقيامِ علماء الدين في إيران والنجف الأشرف بوجه الاستعمار البريطانيّ، كشفت عن مكانة علماء الإسلام، واقتدار المؤسّسة العلمائيّة الإسلاميّة في التأثير على مجرى الأحداث، الأمر الذي جعل الإنجليز يدركون مكامن الخطر، مّا دفعهم إلى ممارسة مختلف أنواع الحيل والدسائس، للتصدّي لعلماء الدين، وإشاعة سياسة الفصل بين الدين والسياسة، فظهرت حينها الماسونيّة، والمتغرّبون الجدد المتلبّسون بلباس الثقافة. هذا من جهةٍ، ومن جهة أخرى، كان الملك مظفّر الدين القاجاريّ يفتقد إلى أيّة قاعدة شعبيّةٍ بين أبناء شعبه. لذا، كان يتطلّع إلى البِلاطَين الروسيّ والإنجليزيّ.
ثورة التبغ  في إيران وانتصار الوعي الديني
كان التحول المحوري في علاقة الشعب الإيراني مع العائلة القاجارية الحاكمة في نهاية مارس 1890م، عندما منح ناصر الدين شاه الامتيازات الأهم والأكثر تأثيرًا - حتى على تاريخ إيران الطويل - للسيد (هكجراف تاليوت )  والتي يحصل بموجبها على حق احتكار شراء وتصنيع التبغ في جميع أقاليم إيران نظير دفع مبلغ خمسة عشر ألف ريال سنوياً مقابل حصول الحكومة الإيرانية على ربع قيمة الربح الصافي للشركة المحتكرة.
 كانت الحكومة الإيرانية مدركة أنّ هذه الاتفاقية ستثير غضباً شعبياً عارماً، وذلك لأنه وفقاً للإتفاقية، سيتم سحب حق بيع وشراء التبغ والمنتجات المرتبطة به من أيدي الإيرانيين ومنحه للشركة البريطانية، في الوقت الذي كان فيه نحو 20% من الإيرانيين يعملون في قطاع التبغ، وهذا وفقاً لما قاله الباحث ستيفن بولسون في كتابه "الحركة الاجتماعية في القرن العشرين في إيران.. الثقافة والأيديولوجية وأطر الحشد". افتضح سر هذه الإتفاقية أمام عامة الناس، وذلك حينما سرب السيد جمال الدين آبادى الخبر للصحف التي فضحت بنود الاتفاقية وانتقدتها، وهاجمت الشاه بشكل لاذع، وهنا بدأ الشعب الإيراني بتوجيه انتقاداته بشكلٍ علني للحكومة والشاه، متهماً إياهم ببيع إيران للقوى
الاستعمارية، ونهب ثروات المواطن.
رجال الدين ... قادة التمرد الشعبي ضد الإتفاق
كان رجال الدين في إيران هم من قادوا التمرد الشعبي، وحاولوا تنظيمه ليكون صحوة دينية تنهي حالة الفساد المنتشرة في البلاد، وفرصة لإعادة القوة الدينية بمذهبها الشيعي في توازنات الدولة، كمرجعية تستعيد هيبتها التي كانت زمن الدولة الصفوية.
اجتمع علماء الدين للوقوف قي وجه الإتفاقية، وفي منتصف عام 1891، أرسل الشيرازي رسالة إلى الشاه يطالبه بالعدول عن هذه الاتفاقية، وقد كان الشاه مدركاً لخطورة الأمر الذي وصل إلى الشيرازي مصدر فتاوى الشيعة، فحاول أن يسترضيه وأرسل له وفداً يقنعه بإيجابيات هذه الاتفاقية، إلاّ أن الشيرازي رفضها جملة وتفصيلاً. وكان رده على وفد الشاه، بمثابة قنبلة موقوتة تفجر الوضع بأسره في إيران، وتؤجج ثورة شعبية عارمة ستقلب التوازنات رأساً على عقب، حيث أفتى بتحريم استعمال التبغ، وبأن "من استعمله كان كمن حارب الإمام المنتظر(عج)". بمجرد أن أُذيعت الفتوى في المنابر، امتنع الناس عن تدخين التبغ، حتى بلغ الأمر إلى حد أن زوجات الشاه وخدمه توقفوا عن التدخين، كما أضرب التجار عن تجارة التبغ بجميع أنواعه، امتثالاً لفتوى الإمام، حتى أضرب تجار السلع الأخرى تضامناً مع تجار التبغ، وعمت الحالة الثورية في جميع أنحاء إيران.
نجاح الثورة... نهاية العهد القاجاري
حاول الشاه التحايل على الشعب الإيراني ورجال الدين من جهة، وعلى البريطانيين من جهةٍ أخرى، في محاولة لكسب الوقت وتمرير الاتفاق، إلاّ أنّ الظروف انقلبت ضده وراحت تسوء يوماً بعد يوم إلى أنّ انتهت الاحتجاجات بإلغاء الاتفاقية رغماً عن الشاه، الذي وجد نفسه أيضاً مضطراً لدفع غرامة باهظة لإلغاء الاتفاقية قدرها 500 ألف جنيه إسترليني، فلجأ لأخذ قرض ضخم، زاد من حجم مصيبته.
إذ كان هذا القرض بمثابة مقدمة لعصر الإفلاس وانهيار الاقتصاد الإيراني، الذي أدى إلى تفاقم الفقر والجوع وانتشار الجهل، وأدى كذلك إلى انهيار الدولة القاجارية وظهور الدولة البهلوية.
تقول دائرة المعارف البريطانية إنّ ثورة التبغ كشفت قدرة طبقة التجار على إحداث التغيير، كما أظهرت أيضاً أنّ عدم الرضا الشعبي يمكن أن يحد من سلطات الشاه، وبينت ثورة التبغ كذلك تنامي نفوذ رجال الدين الشيعة الذين لعبوا دوراً مهماً ضد الاحتكار، وبات لهم تأثير كبير على التغيرات السياسية المقبلة. ولقد مهدت هذه الثورة  للثورة الدستورية التي حدثت خلال حكم مظفر الدين شاه بين عامي 1896 و1907م ، والتي كانت تُعتبر أحد أهم عوامل نهاية حكم القاجار.

 

البحث
الأرشيف التاريخي