تاريخ لبنان المقاوم في مئة عام (1900-2000)
إنّ الأنفة وعزة النفس والإباء ورفض الظلم خصال أصيلة في الشخصيّة اللبنانية، ولا تزال شعوب العالم حتى اليوم معجبة بشخصية اللبناني المفعمة بالكرامة وعرّة النفس، ولطالما ظهرت هذه الميزة عبر التاريخ، ولكنها لم تأخذ عنوانا ثابتاً وواضحاً كما هو اليوم: المقاومة.
على الرغم من أن مكتباتنا تزخر بالكتابات التاريخية عن لبنان. وتملأ الدراسات والأطروحات رفوف مكتبات جامعاتنا. طالما قرأنا عن معاناة الباحثين والدارسين من عدم وجود تاريخ دقيق يروي سيرة الشعوب، سيرة البسطاء والمظلومين، لأنّ كتب التاريخ تقتصر على سرد تاريخ الدول والملوك والرؤساء المتعاقبين فتؤرخ لسيرهم. وتبرز مآثرهم وانتصاراتهم وتذكر ما بنوه وما فتحوه ولا يلتفت أحد إلى أولئك المقهورين البُناة الحقيقيين للأهرامات السياسية والتاريخية؛ بل يلتفتون إلى الفرعون وحسب. وهذا أضاع تجربة (المقاومات) الشعبية التي طالما زخر بها التاريخ، ولكن أحداً لم يخلد أعمال هذا الشعب وبطولاته. بل خلّد أعمال الغزاة والحكام الفاتحين على صخور نهر الكلب وغيرها. فكل لوحة لغاز يقابلها حتماً منحوتة لم توضع بعد لمقاومة.
لماذا هذا الكتاب؟
هذا الكتاب الصادر عن دار الولاء اللبنانية أراده الكاتب عبد الله الحاج حسن كتاب مطالعة مدرسية، يرجع إليه طلبة صفوف المرحلة الثانوية لمساعدتهم على إثراء ثقافتهم الوطنية والتاريخية، إذ إنّ المقاومة موضع احترام وإجماع وطني لم يختلف عليها إثنان من اللبنانيين.
ويمتاز هذا الكتاب بخصائص عدة، أهمها: ذكر أحداث وسير لم تؤرخ من قبل، مثل (البقاع في العهد الفيصلي، وسيرة ملحم قاسم المصري...)، وأنه يعالج هذا الكتاب تاريخ لبنان في حقبة طويلة، نسبياً وهي مئة عام، وتأريخ كل مقاومة نشأت، وإبراز أولى عملياتها، وشهدائها الأوائل، وأهم عملياتها الجهادية، وكذلك إبراز نصوص للمطالعة، تثري النص التاريخي، وتضعنا في أجواء الحدث، فنقطع بذلك رتابة السرد التاريخي، سهولة العبارة، وعدم التخلي عن الإمتاع الأدبي، من دون أن يكون ذلك مخلاً بجدية المتن ونصوصه العلمية.
والكتاب يُقسم إلى أربعة وعشرين فصلاً، يمكن تقسيمها إلى أبواب أربعة: الباب الأول: لبنان والمنطقة في أواخر العهد العثماني وعهد الانتداب الفرنسي. الباب الثاني: عهد الاستقلال، الباب الثالث: من الاجتياح حتى الانسحاب الأول، الباب الرابع: من الإنسحاب الأول حتى التحرير.
وكذلك إعتمد في كتابة هذا التاريخ على منهجية تدوين الأحداث المقاومة مرتبة حسب تاريخها الأقدم فالأقدم. وبعدها تأتي الكتابة عن الحيثيات والظروف التاريخية وما يتبعها من أحداث؛ ولكنه لاحظ عند الفراغ من الكتابة أنها جاءت كالكتابة الصحفية . بالإضافة إلى أنها متقطعة وغير مترابطة على الرغم من وحدة الموضوع: فأدرك الكاتب أهمية أن يكون للموضوعات خلفية تاريخية عامّة فأعاد كتابة النصوص بعد أن سرد وقائع تاريخ لبنان الحديث بشكلٍ عام وسريع.