ملحق بمناسبة زيارة رئيس الجمهورية الى سوريا - ٠٤ مايو ٢٠٢٣
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - ملحق بمناسبة زيارة رئيس الجمهورية الى سوريا - ٠٤ مايو ٢٠٢٣ - الصفحة ٤

العلاقات السورية - الإيرانية.. من أين وإلى أين؟

الوفاق/ خاص
الدكتور سليم بركات
اتخذت العلاقات السورية - الإيرانية بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 بُعداً استراتيجياً بعد تلاقي إرادة البلدين على تعزيز التعاون على الصعد كافة، وفي جميع المجالات أكان ذلك برفض الإملاءات الخارجية والتدخلات الأجنبية، أم كان ذلك من خلال تطابق الرؤى والتشاور المستمر لحل قضايا المنطقة والتأكيد على الحقوق الثابتة، وفي طليعتها الحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني، واستعادة سورية للجولان المحتل من الكيان الصهيوني.
دأب البلدان من خلال هذه العلاقة الاستراتيجية على الاستمرار بالتشاور والتنسيق على ما يعزز الأهداف المشتركة ويفعّل مسيرة التعاون الثنائية المشتركة لتكريس أمن واستقرار المنطقة على أسس تخدم مصلحة الشعبين. ولا ينفصل الحديث عن هذه العلاقة الاستراتيجية بين الدولتين عن عمقها التاريخي، الذي أعطاه الإسلام بعداً روحياً حضارياً بالإضافة إلى العامل الجيوسياسي والاقتصادي والأمن المشترك. وكان الفضل في إدراك هذا العمق للقائدين الخالدين الإمام الخميني وحافظ الأسد، اللذين أدركا عظمة المهمة للثورة الإسلامية في إيران وللأمة العربية ودورها الحضاري الإنساني عبر التاريخ، وما تجسده الثورة الإسلامية في تصديها للمهمة الجديدة في العلاقة بين العروبة والإسلام في مواجهة قوى الاستكبار العالمية والصهيونية وأطماعها في الوطن العربي والعالم الإسلامي.
لقد أدرك القائد الخالد حافظ الأسد أن الثورة الإسلامية منذ انطلاقتها قد أعادت إيران إلى وضعها الصحيح في طليعة الدول الإسلامية التي تدعو إلى العدل والحرية ومكافحة الظلم، واعتبر أن هذه الثورة تشكل إضافة نضالية إلى شعوب العالم من أجل التحرر، وتتحمل المسؤولية في مواجهة مؤامرات الاستكبار العالمي والصهيونية العالمية. وكان للإمام الخميني ــ قدس ــ سره أكبر الأثر في قيادة الثورة ضد الظلم والعبودية منذ أن اعترف الشاه "بإسرائيل"، وحاول ربط إيران بالمشاريع الاستعمارية. الأمر الذي يؤكد أن الممارسة العلمية لفكر القائدين الخالدين على أرض التطبيق هو الذي أعطى هذه العلاقة الاستراتيجية الديمومة والعمق والاستمرار في فهم مشترك لمرحلة التحول التاريخي التي تمت على مستوى المنطقة لتخليصها من الشوائب والسلبيات، مما أعطاها القدرة على أن تكون نموذجاً للعلاقات الإيجابية الدولية. ونحن لا نجافي الصواب إذا قلنا إن الدارسين لكتب وخطابات الإمام الخميني ـ قدس سره ــ قبل الثورة الإسلامية، وبعدها يدركون تركيز الإمام على الأخوة الإسلامية و على ضرورة توحيد جهود الأمة الإسلامية من أجل تحرير فلسطين، بما في ذلك رموزها الدينية في القدس والمسجد الأقصى وقبة الصخرة، وهذا لا يكون إلا بالوحدة الإسلامية، والجهاد في سبيلها، ونحن لا نجافي الصواب أيضاً إذا قلنا إن الدارس لفكر القائد الخالد حافظ الأسد، يلاحظ الشيء ذاته، إذا لم يعتبر الصراع العربي الإسرائيلي قضية حدود، وإنما قضية وجود بين غزو صهيوني استعماري، يستهدف الأرض والشعب والعقيدة وبين أمة لها تاريخها وعقيدتها وحقوقها هي الأمة العربية وعمقها الاستراتيجي الأمة الإسلامية، وعدَّ أن قضية فلسطين ذات بعد وطني عربي إسلامي وإنساني، وأن النضال من أجلها هو جزء من نضال العالم ضد الظلم والطغيان والصهيونية والاستعمار. وبهذا تكون أفكار القائدين قد التقت استراتيجياً لتزداد مكانتها لدى الشعبين العربي والإيراني على مستوى المنطقة العربية والإسلامية وجميع أنحاء المعمورة. ونحن لا نجافي الحقيقة إذا قلنا إن الحديث عن وصف المقاومة في أي بلد عربي أنها حركات إيرانية هي محاولة لضرب العرب والمسلمين وإضعافهم، وهي خدمة تقدم للمشروع الصهيوني الأمريكي لتجزئة المنطقة تمهيداً لنهبها واستعبادها.
من هذا المنطلق تتوضح موضوعية اللقاء السوري الإيراني بالأهداف والاستراتيجية، لتكون في المحصِّلة لصالح النضال العربي والإسلامي من أجل الاستقلال والحق والسيادة، وعلى السائرين في الركب الأمريكي أن يدركوا هذه الحقيقة، كيف لا وأمريكا تعد (إسرائيل) جزءاً لا يتجزأ منها وهي على استعداد للحفاظ على أمنها ولو أدى ذلك إلى تدخلها عسكرياً ـ كيف لا وهي تعدها واحة ديمقراطية بعيداً عن جرائمها المتكررة ضد الشعب العربي الفلسطيني.
لقد وقفت إيران وسورية من منظور إسلامي وعربي، وبرؤية استرتيجية، مع كل الشرفاء من العرب والمسلمين، وعلى مستوى العالم ضدّ السياسة الصهيونية العدوانية على العرب وهم يمارسون حقاً مشروعاً في الدفاع عن النفس والهوية وعن الانتماء العربي والإسلامي في هذه المنطقة، كيف لا وقد حولت إيران الثورة مبنى السفارة الإسرائيلية إلى مقر لتمثيل منظمة التحرير الفلسطينية بعد أن قطعت هذه الثورة علاقاتها مع "إسرائيل"، كيف لا والقضية الفلسطينية كانت قضية الشعب العربي السوري قبل أن تكون آية منظمة فلسطينية، وعلى هذا الأساس نرى العلاقة الاستراتيجية التي تربط بين سورية وبين الثورة الفلسطينية منذ أن أطلقت هذه الثورة رصاصتها الأولى وبقيت على هذا العهد وفية لها، منها انطلقت معظم الثورات الفلسطينية لمقاومة الاحتلال ومن لف لفه، ومن الاستعمار البريطاني إلى الاحتلال الاستيطاني الصهيوني.
يقول القائد الخالد حافظ الأسد: إن «فلسطين ليست جزءاً من الوطن العربي وحسب وإنما هي الجزء الأساسي من جنوب سورية... ونحن لا نستطيع أن نتنازل عن الحق، ولا نتخلى عن الواجب ولذلك نرى من حقنا ومن واجبنا أن نعمم على أن تبقى فلسطين جزءاً محوراً من وطننا العربي ومن قطرنا العربي السوري»، وكذلك هو الرئيس بشار الأسد عندما يتحدث عن فلسطين، فإنه يعني فلسطين الجغرافيا والتاريخ والجيولوجيا الواحدة، التي هي جزء لا يتجزأ من سورية الطبيعية ومن الوطن العربي الواحد، ولا يفوته أن يوضح أن مصير المسجد الأقصى هو محور الصراع الدائم حالياً بين الصهاينة والمسلمين، ويخطئ من يعتقد أن العلاقة مع "إسرائيل" ستساهم في حماية الشعب الفلسطيني، بل على العكس إنها تساهم في تدميره.
من هذا المنطلق نقول لقد شهدت العلاقات السورية - الإيرانية الاستراتيجية التحسن الملحوظ في عهد الرئيس بشار الأسد والمرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي، ولا سيما فيما يتصل بالمسائل الإقليمية والدولية حيث غدت هذه العلاقات أشد عمقاً من خلال القضايا الإقليمية، التي لعبت دوراً بارزاً في تقوية العلاقة بين الطرفين، حيث تمكنت سورية وإيران من الاحتفاظ بحيوية علاقاتهما الثنائية في مواجهة الضغوط الأمريكية، التي تستهدف حصول انقسام سوري ــ إيراني، أو تغيير أحد الطرفين السوري أو الإيراني لتوجهاته التحالفية، الأمر الذي يؤكد استحالة حصول أي انقسام سوري - إيراني أو ابتعاد طرف عن طرف آخر مهما كانت الضغوط؛ لأن الترابط بينهما مصيري، وهما يؤلفان معاً بالإضافة إلى قوى أخرى على صعيد المنطقة محرّراً ممانعاً لأي مشروع خارجي، لا يأخذ بالحسبان مصالح شعوب المنطقة، ولا سيما المشروع الأمريكي ومن لف لفه.
كيف لا وكل المؤشرات توحي بعالم قادم هو عالم التحالفات القوية بصرف النظر عن الموقع والحجم، كيف لا والمصالح الوطنية للدول هي المعيار الأول لبناء تحالفاتها، وقد يتقدم هذا المعيار أو يتراجع بشكل نسبي لصالح معايير أخرى تحكم الدول والمجتمعات، مثل القيم أو حق الجوار، أو المصير المشترك أو العقيدة أو غير ذلك، ولكن دون أي شك أن أمتن التحالفات وأصدقها هي تلك التحالفات التي تجمع المصالح مع القيم، ونحن لا نبالغ ــ لو مررنا على التحالفات الدولية خلال سنوات مضت لوجدنا ــ أن التحالف السوري الإيراني من أهم التحالفات الناجحة لا لشيء إلا لأنه تحالف استطاع أن يجمع بين المصالح والقيم.
عندما نحاول الإضاءة على العلاقات المتينة بين سورية وإيران، ولاسيما في هذه المرحلة الصعبة التي تمر فيها البشرية في ظل هيمنة القطب الواحد سنجد حرباً هنا وحرباً هناك، كما سنجد سورية و من خلال استشرافها العميق بقيادة الرئيس بشار الأسد أنها استطاعت قراءة ما تحمله الثورة الإيرانية بقيادة المرشد الأعلى قدس سره من مبادئ وأهداف لتكون وقفتها إلى جانب سورية منذ اللحظات الأولى لاستهدافها من التحالف الأمبريالي الصهيوني الإرهابي، وإلى جانب القضية الفلسطينية التي تأتي في طليعة أولوياتها.
من هذا المنطلق راهنت سورية على الثورة الإسلامية الإيرانية مع قناعتها بأنها ستكون عرضة للكثير من الضغوط العربية والدولية، مما دفع سورية للاعتراف بشرعيتها ودعم موقفها عندما تعرضت لحرب لا مسوّغ لها، والمقصود هنا حربها مع العراق، هذا الوفاء السوري الإيراني ردت عليه إيران بذات الوفاء عندما بدأ الحرب الإمبريالية الصهيونية عليها في 2011 كانت إيران من أوائل الداعمين لسورية عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، ولم يزل هذا الدعم مستمراً.
صحيح أن صمود سورية وانتصارها يصب في المصلحة الإيرانية، ولكن الصحيح أيضاً هو أن الوفاء السوري سبب مهم لهذا الدعم، ولا سيما أن الولايات المتحدة قد بذلت أقصى جهودها سراً وعلانية للفصل بين الدولتين، وأغدقت الكثير من الوعود وهددت وتوعدت لكنها فشلت؛ لأن الوفاء بين الدولتين كان حاضراً.
كل هذا وغيره يؤكد أن ما يجري من تسريبات إعلامية مضللة ومرتبطة بأعداء سورية وإيران ليست سوى وجهات نظر شخصية أو مصلحية تصب في خانة أعداء البلدين وهي نتيجة للوضع الراهن الذي تمر فيه المنطقة، ويطرح الكثير من التساؤلات حول ما يجري من مستجدات، وكل ذلك يؤكد أن العلاقات السورية الإيرانية لم تقم بمعزل عن المتغيرات الإقليمية والدولية، وأهمها المشاريع الأمريكية وهيمنتها على صعيد المنطقة ووجود الكيان الصهيوني، الذي يعمل على تحقيق هذه المشاريع على حساب دولها، ومصالح شعوبها.
بقي أن نقول إن جميع المؤشرات توحي بعالم متعدد الأقطاب، الدور الفاعل فيه هو للتحالفات القوية التي تراعي دور كل طرف فيه ورأيه بصرف النظر عن موقعه وحجمه، وطبيعةُ الأمور تقول إن الفوز لمن كان سيداً بقراراته وتحالفاته القيمية المتوّجة بالصدق والوفاء.

 

 

البحث
الأرشيف التاريخي