العلاقات السورية-الإيرانيةمن طلاق بائن إلى زواج كاثوليكي
الوفاق/ خاص
رياض طبره
إتسمت العلاقات السورية - الإيرانية منذ استقلال البلدين بالوضوح التام، حيث تراوحت ما بين طلاق بائن زمن الشاه محمد رضا بهلوي، وعلاقات تشبه الزواج الكاثوليكي لا يقوى أحد على فكاكه أو مسه.
فمنذ مشروع مارشال والاقتحام الأميركي العلني للمنطقة بعد الحرب العالمية الثانية، وما شهدته سورية من انحياز أميركي جائر وتبنّ للكيان الغاصب، رأينا إيران الشاه في الخندق المعادي للعرب، ولا سيما مصر وسورية، اللتان اتجهتا معاً إلى تبني الدفاع في الخط الأول عن المصلحة العليا للعرب.
ومن قبل لم يستسغ العرب الاعتراف الشاهنشاهي بـ"اسرائيل" مثلما لم تتقبل أنفسهم الاعتراف المماثل من قبل تركيا، وقد جاء مبكراً وقريباً من التوقيت نفسه، بحيث بدا أن الأخوّة الاسلامية الجامعة للعرب والفرس والترك ليست إلّا حبراً على ورق، إن لم نقل أنها العداوة بكل معانيها.
وقد تفجّر كل ذلك منذ رفضت سورية مثلها مثل مصر عبدالناصر حلف بغداد (الحلف المركزي) الذي سعت بريطانيا عام 1955 لإنشائه كحلف رديف للناتو في مواجهة الاتحاد السوفييتي وحركات التحرر العربية والعالمية؛ التي نهضت بقوة بعد مؤتمر الحياد الايجابي في باندونغ (أندونيسيا) ربيع عام 1955؛ وما جاء بعد ذلك من حشود تركية على سورية لم تكن بعيدة عن مطامع حلف بغداد الذي كان يضم بريطانيا وباكستان وعراق عبدالإله ونوري السعيد في الاستيلاء على سورية.
بإختصار ظلت العلاقات الإيرانية - السورية انعكاساً لموقف الشاه وتعاونه مع العدو الاسرائيلي لضرب القومية العربية وتعطيل نضالها لتحقيق الوحدة القومية للعرب كباقي دول العالم التي كانت قد أنجزت وحدتها قبل قرن من هذا التاريخ أو أكثر.
ولم تتبدل حال العلاقات بين البلدين إلا بعد تفجر الثورة وانتصارها المذهل على أكبر نظام قمعي في تاريخ المنطقة مدجج بالسلاح، ومدعوم كلياً من الغرب الاستعماري ومهاب دولياً حتى من البلدان التي كانت تعرف بالمعسكر الشرقي، وقد شكّل هذا الانتصار الكبير حافزاً مهماً ومفصلياً، وعزز من ثقة شعوب المنطقة بقدراتها على كسر القيود وتحطيم الأصنام.
فكانت انتصاراً لكل المستضعفين ولا سيما الشعب العربي الفلسطيني الذي تلقى دعماً غير محدود من هذه الثورة حين أغلقت السفارة الإسرائيلية في طهران، وانتهى ذلك الاعتراف بالعدو وكيانه، ويمكن الجزم أنها اللحظة التاريخية الفارقة والتي بدت رداً على كامب ديفيد، وتعويضاً عن خروج مصر من الصراع العربي - الصهيوني بعدما أقدم السادات بزيارة القدس، وكان قد التقى شاه إيران قبل إعلانه الفاجع بزيارة الخيانة والعار 17 تشرين الثاني 1977.
رحّبت سورية بالثورة الإيرانية وقد وقفت معها منذ إرهاصاتها الأولى فصارت حليفاً لها في مواجهة جبهة واسعة من الأعداء الذين، وعلى الرغم من تخليهم عن الشاه المخلوع، لم يتقبلوا بسهولة انتصار الثورة، وترحيب شعوب العالم الإسلامي بالثورة وقادتها وما أعلنوه من مبادئ ونادوا به من شعارات...
لقد تطورت العلاقات بين سورية وإيران على نحو متصاعد وتعززت على الدوام، وكان الهدف واضحاً والعدو محدداً، وهذا ما شكّل إرثاً وتراكماً مصلحياً عزز من دور وفاعلية الصداقة في مواجهة المخاطر من كل حدب وصوب، حتى كان موقف سورية في دعم إيران وسعيها لوقف الحرب العراقية - الإيرانية دون جدوى.
ولا نظن أن الشعب الإيراني والجمهورية الإسلامية نسوا أو يمكن لهم ما قدمته سورية لهم على غير صعيد، في ذلك الوقت العصيب، الذي حوصرت فيه إيران وضربت، وعمّ الخراب والدمار في كل جانب، حتى توقفت الحرب وأخذ الشعب ببناء ما دمّرته الحرب، والنهوض من جديد من بين الأنقاض ليشهد العالم كله إنجازات علمية باهرة ومبهرة دللت على عظمة الشعب والثورة والقيادة الحكيمة القادرة على النهوض في أحلك الظروف وأقساها. ومنذ تفجر الربيع الدامي شهدت هذه العلاقات الوثيقة بين البلدين مزيداً من الأخوة والتحالف في مواجهة الإرهاب ورعاته في الغرب الاستعماري.
ويمكن الجزم بأنها العلاقات الأمثل بين البلدين التي تجمعهم المصالح والمبادئ وبما يخدم شعبيهما وشعوب العالم والسلام العالمي.