العلاقات السورية ـ الإيرانية والجغرافيا السياسية الجديدة

الوفاق/ خاص
الدكتور فايز عز الدين
لا شكّ ـ بادئ ذي بدء ـ أن العلاقات العربية ـ الإيرانية تعود إلى حقب موغلة في التاريخ القديم خاصة حين جمع الإسلام بين الطرفين بعقيدة واحدة، وبمصالح مشتركة تعزز التحالف بينهما من منظور الأفق المشترك، والمصير المشترك ـ وتوفير السلم، والأمن الإقليميين.
ومن المعروف أن هذه العلاقة قد اضطربت خلال فترة الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي على السياسة التي اتبعها المشروع الشاهنشاهي للشاه المخلوع محمد رضا بهلوي حين إلتحق بالمنظومة الشرق أوسطية الموالية للغرب والمعادية لفكرة التحرر الوطني العربي ولا سيّما في النضال من أجل الحقوق التاريخية المشروعة للشعب العربي الفلسطيني في تحرير أرضه وإقامة دولته الوطنية بإرادته الوطنية الحرة.
وبعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني (ق.س) تبدلت الجغرافيا السياسية في المنطقة عموماً خاصة بعد أن أنهت الثورة الإيرانية الوجود الصهيوني على الأرض الإيرانية بطرد الإسرائيليين وتسليم السفارة الصهيونية إلى الفلسطينيين، كإعتراف مهم جداً بحقوقهم التاريخية المشروعة، يضاف إليه أن قادة الثورة الإيرانية قد أعلنوا تبنّيهم لقضية تحرير القدس، ومشاركتهم المطلوبة بتحقيق هذا الهدف المقدس، عبر الدعم المادي والمعنوي لحركة التحرر الفلسطينية بفصائلها المتعددة.
ومما يُذكّر بالمزيد من الاحترام والتقدير للسياسة التي اتبعتها الثورة الإيرانية وجغرافيتها الجديدة هو أن قادة الثورة قد رفضوا سياسة الغرب تجاه القضية الفلسطينية، ورفضوا خط الاستسلام، والتصفية للحقوق العربية عبر رفضهم للاتفاقية المصرية ـ الإسرائيلية، ولكل من دار في فلكها، وظهر في ذلك الزمن محور جديد يمثل موقفاً جيواستراتيجياً تحالفياً ضم إيران وسورية، وليبيا، واليمن الجنوبي، ومنظمة التحرير الفلسطينية، وقد زاد هذا الموقف الإيراني من عمق التحالف الاستراتيجي مع سورية بقيادة القائد المؤسس حافظ الأسد، التي كانت على رأس جبهة الصمود والتصدي المناهضة للخط الاستسلامي العربي مع الكيان الصهيوني، الذي أسهم عبر معاهداته المذلّة بتغيير موازين القوى في المنطقة لصالح (إسرائيل) ما اضطر سورية إلى طرح مبدأ التوازن الاستراتيجي مع العدو الصهيوني ولو من سورية بمفردها.
والسياسة الحكيمة للثورة الإيرانية أيضاً تمثلت في الحرب التي شنها العراق على إيران في بداية ثورتها، حيث زاد هذا الحال من ثقل سورية في العيون الإيرانية من الناحية الاستراتيجية حتى لا تتحول الحرب مع العراق إلى حرب عربية ـ إيرانية تكون هذا الحال هو مطلب أميركي ـ صهيوني رُصِدَ لكي يتم الضغط على الثورة الإسلامية التي جعلت في رأس أهدافها تحرير القدس، والوقوف مع الشعب العربي الفلسطيني في حركة التحرر الوطني الفلسطيني لتحرير أرضه وإقامة دولته الوطنية عليها. فالعلاقة السورية ـ الإيرانية كانت، ومازالت في طبيعة الرؤية الواحدة لخطر المشروع الأمروصهيوني الشرق أوسطي الهادف للسيطرة الإقليمية الكاملة لأميركا المتعهدة للمشروع الصهيوني على الأرض العربية، وما لهذا المشروع الإمبريالي من تأثير مباشر على الأمن، والسلم الإقليميين، ومن تهويد مباشر للمجال الحيوي للأمن الإيراني بصورة خاصة.
ولقد تمظهرت العلاقات السورية ـ الإيرانية في القضايا العربية على أكثر من صعيد وأكثر من دولة وفي طليعة ذلك الموقف المشترك من ضرورة إنهاء الحرب الأهلية اللبنانية، ودعم المقاومة الإسلامية اللبنانية في الجنوب، وتعظيم دورها ضد الكيان الصهيوني، ومساندة الفصائل الفلسطينية الموجودة على الأرض اللبنانية.
وكذلك ساعدت هذه العلاقة السورية ـ الإيرانية في ترميم النظام الأمني الإقليمي في وجه المخططات الأمروصهيونية العازمة دوماً على تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد؛ الرامي لتجزئة دول المنطقة وتقسيم جغرافيتها، ووضعها تحت سيطرة المركز الإقليمي الأكبر المزمع (إسرائيل).
وفيما يتصل بأمن الخليج الفارسي عموماً كانت السياسة السورية والإيرانية على تقاطع دائم بأن لا يكون هذا الأمن تحت الإشراف الغربي الأميركي بل يكون من قبل دول المنطقة ذاتها، ومعبراً عن مصالح كافة الفرقاء المعنيين. وعليه فقط استمر التوافق السوري ـ الإيراني على أن سورية طرف أساسي في الصراع العربي ـ الصهيوني وما يستدعي هذا الحال من دعمها المستمر، وتعميق العلاقات المشتركة على أساس ذلك.
ومن المعروف أن العلاقة السورية الإيرانية قد جعلت الدور المهم لإيران في تهدئة الوضع على الحدود بين سورية وتركيا في نهاية القرن الماضي حينما، ادّعت تركيا بأن سورية تدعم المعارضة الكردية ضد النظام التركي الموجود.
وقد حرصت السياسة السورية والسياسة الإيرانية على تعزيز عملية الشراكة في الوقوف بوجه المشروع الشرق أوسطي المزمع، وبقاء الدولتين معاً من أجل منظومة إقليمية في الشرق الأوسط توفر الأمن الجيواستراتيجي لجميع الدول على حد سواء.
ومن الجدير بالذكر أن السياسة الإيرانية التي تنظر إلى سورية كشريك تحالفي استراتيجي في منطقة الشرق الأوسط تمّ تواصلها بكفاءتها المعروفة بعد وفاة القائد المؤسس حافظ الأسد، وظهور السيد الرئيس بشار الأسد على رأس السلطة في سورية في عام 2000 أو منتصفه، حيث استمر التحالف والعمل المشترك خدمة للمصالح القومية العليا للطرفين كليهما. وقد كان لعملهما المشترك على صعيد لبنان أن أجبرت (إسرائيل) على الانسحاب من جنوب لبنان في عملية فرار مذلّة. وهذا الانسحاب تحت ضغط قوى المقاومة في الجنوب بالمساندة السورية ـ الإيرانية قد شكل ضغطاً مهماً على الدول الأجنبية، والعربية الداعمة لعملية التسوية والتصفية للحقوق العربية عبر التفاوض مع العدو، وترك محور المقاومة ضده.
وفي العراق ساهمت العلاقات السورية الإيرانية بمقاومة الوجود الأميركي بعد احتلال العراق من قبل أميركا عام 2003، وبالأثناء كانت الضغوط الأميركية على الطرفين كليهما تشير دوماً إلى ضرورة تمتين التحالف الاستراتيجي بينهما، وهذا ما حصل بأكبر تجلياته في ما سمّي بالربيع العربي منذ بداية 2011، حيث بدأت الحرب الكونية الإرهابية على الدول الجمهورية العربية، وفي طليعتها سورية. وبالرغم من تكثيف التحالف الدولي الغربي الاستعماري المتصهين ضد سورية. وبذل أشكال الدعم المادي والمعنوي كافة، واللوجستي للإرهابيين تمكّنت العلاقات السورية ـ الإيرانية من تحقيق الموقف التحالفي ومواجهة قطعان الإرهاب على كامل الجغرافيا السورية، إن عبر الخبراء، أو بأشكال الدعم الممكن.
ولقد ظلّت هذه العلاقات تشهد المزيد من التقوية، والتمتين لا سيّما عبر الزيارات التي قام بها السيد رئيس الجمهورية العربية السورية الدكتور بشار الأسد، واستقباله بالحفاوة الكبيرة من قبل القادة الإيرانيين وعلى رأسهم الإمام الخامنئي. والزيارات المماثلة للقادة الإيرانيين لسورية واستقبالهم، وفتح الحوارات المختلفة حول توسيع التعاون المشترك في كافة المجالات: السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والعلمية، والتكنولوجية، حتى يتحقق التعاون الاستراتيجي بأعمق مدى له. وقد أكد السيد الرئيس بشار الأسد للوفود الإيرانية التي زارت سورية مؤخراً بأن النية السورية تتوجّه لجعل العمق الموجود في العلاقات السياسية مع إيران ينعكس عمقاً في العلاقات الاقتصادية بين البلدين، حتى تتسارع خطوات الإنجاز المشترك خدمة لمصالح الشعبين: السوري والإيراني.
وفي ختام المسعى: إن العلاقات السورية ـ الإيرانية قد بُنيت بإرادة مشتركة بين البلدين الصديقين، ومازالت تتواتر إنجازاتها، وتمثل عامل الاستقرار الأهم في المنظومة الإقليمية الحاضرة.

 

البحث
الأرشيف التاريخي