مديرعام ”إرنا” في حوار خاص مع برنامج ”طاولة الدبلوماسية”:
المقاومة جاءت كردّ طبيعي على الاحتلال الصهيوني.. وثغرات جوهرية في خطة ترامب
إستضاف برنامج "طاولة الدبلوماسية"، المساعد السابق لوزير الخارجية والخبير في الشؤون العربیة والإفریقیة، مديرعام وكالة الجمهورية الاسلامية للأنباء "إرنا" حسين جابري أنصاري، للوقوف عند المستجدات التي تمر بها المنطقة واستيضاح بعض التحديات التي تواجه خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوقف إطلاق النار في غزة والمسائل المتعلقة بها، حيث رأى جابري أنصاري أن قبول حماس المشروط بخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوقف إطلاق النار في غزة يعود إلى مسؤوليتها أمام شعبها، كي لا تُعتبر سببا في استمرار الجرائم الصهيونية، مضيفاً: إن هذا القبول له أسباب تكتيكية واستراتيجية.
خطة ترامب غير ناضجة وليست بجديدة
ورداً على سؤال حول تفاصيل خطة ترامب بشأن غزة، أشار جابري أنصاري إلى أن هذه الخطة المكوَّنة من 20 بنداً، والتي تشمل وقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى، وتقديم المساعدات الإنسانية، وإعادة الإعمار، وتشكيل حكومة انتقالية في غزة، ليست بالضرورة خطة ناضجة، بل في واقع الأمر ليست مبادرة جديدة، بل رد فعل على فشل الكيان الصهيوني في تحقيق أهداف سياسية رغم الدمار الهائل الذي ألحقه هذا الكيان بغزة، وقتله لنحو 70 ألف فلسطيني، وتدميره أكثر من 80% من البنية التحتية في القطاع.
وتابع: أنه في الحقيقة إن هدف الخطة جمع الأطراف وإنهاء الحرب. لذا، لا ينبغي النظر إليها كمبادرة أمريكية مستقلة أو كعمل إبداعي منفصل، بل يجب تحليلها باعتبارها استجابة للوضع الراهن، الذي يظهر أن استمرار الحرب لم يعد متوافقا مع المصالح الدولية، نظرا للتداعيات الواسعة التي خلّفتها على الرأي العام العالمي.
طبيعة المجتمع الصهيوني العقبة الجوهرية أمام أي خطة سلام
ورأى جابري أنصاري أن المشكلة الجوهرية في هذه الخطة -كما في جميع المبادرات السابقة- هي إهمالها للواقع الفلسطيني الحقيقي، المتمثّل في أمرين أساسيين: الأول: الشعب الفلسطيني الذي يناضل منذ عقود من أجل حقّه في تقرير المصير، والوصول إلى حقوقه الإنسانية والسياسية الأساسية، وهي حقوق لم تحقَّق وبالتالي لم تُحل القضية الفلسطينية التي تعد الأزمة الأقدم في تاريخ الأمم، وأيّ خطة لا تأخذ هذا الجوهر بعين الاعتبار محكومة بالفشل.
وأكمل: الأمر الثاني المهم والذي يُهمَل غالبا في التحليلات، حيث أن المشكلة الجوهرية تبقى في طبيعة المجتمع الصهيوني نفسه، والتحوّل الجذري في البنية الاجتماعية والسياسية داخل الكيان الاسرائيلي نفسه، موضحاً: أنه خلال العقدين الماضيين، تحوّلت الغالبية الديموغرافية والسياسية لصالح اليهود الشرقيين "السفارديم"، الذين ينظرون إلى فلسطين كلّها باعتبارها "أرض إسرائيل المقدّسة"، ولا يقبلون بأي تنازل عنها، حتى لو كان شبراً واحداً.
أما بالنسبة للإرادة الدولية، وخصوصاً الأمريكية، فالتجربة تُظهر أن واشنطن تتدخل فقط لاحتواء الأزمات وقت الضرورة، ثم تعود لتتجاهل القضية بمجرد تهدئة الوضع الظاهري. والأهم من ذلك أن العلاقة بين أمريكا والكيان الصهيوني متلاحمة واستراتيجية؛ فالكيان الصهيوني يُعتبر حاميا للمصالح الغربية في غرب آسيا، ما يجعل من غير المرجّح أن تمارس أمريكا ضغطاً حقيقياً عليه. لذا، ما لم تتغيّر هذه المعادلات الجوهرية، أي رفض الكيان الصهيوني الاعتراف بحقوق الفلسطينيين وغياب الإرادة الأمريكية الحقيقية؛ فإن فرص نجاح أي خطةٍ، بما فيها خطة ترامب، تكاد تكون معدومة.
"حماس" قبلت الخطة لأسباب تكتيكية واستراتيجية
وبخصوص قبول حماس للخطة، أوضح: أن الحركة لم تقبل كل بنودها، بل ربطت تنفيذ المراحل اللاحقة - مثل نزع السلاح أو مستقبل غزة السياسي - بتوافق فلسطيني داخلي، مؤكدة أن هذه القضايا لا تُقرّر إلا عبر إرادة وطنية جامعة، معتبراً أن قبول حركة حماس المشروط بخطة ترامب لوقف إطلاق النار في غزة يعود إلى مسؤوليتها أمام شعبها، كي لا تُعتبر سبباً في استمرار الجرائم الصهيونية، مضيفاً: أن هذا القبول له أسباب تكتيكية لتفادي تحميل المقاومة مسؤولية جرائم الاحتلال واستراتيجية لإعطاء الشعب الفلسطيني فرصة لالتقاط الأنفاس بعد عامين من الحصار والدمار والمجاعة. كما أكد على أن المقاومة لن تتوقف طالما بقي الاحتلال وسياسة النفي والتهجير قائمة، فالمقاومة ليست خياراً، بل ردّاً طبيعياً على اغتصاب الأرض ونفي الهوية. ولن تنتهي إلا حين يعترف الطرف الآخر بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وهو أمرٌ لا يبدو وارداً في ظل البنية الاجتماعية والسياسية الحالية في الكيان الاسرائيلي.
نزع سلاح المقاومة غير ممكن طالما بقي جوهر الصراع قائماً
وحول إمكانية نزع سلاح المقاومة في لبنان وفلسطين وتأثير ذلك على محور المقاومة، رأى جابري أنصاري أن المقاومة لم تنشأ من فراغ، بل جاءت كردّ طبيعي على الاحتلال الصهيوني، ونفي الهوية الفلسطينية واللبنانية، وممارسة الإرهاب المنظّم من قبل الكيان الصهيوني، مؤكداً على أن استمرارية المقاومة لإنهاء الاحتلال واسترجاع الأرض وتحقيق الشعب الفلسطيني حقه في تقرير مصيره.
وأضاف بالقول: أما الطرح الصهيوني، المدعوم أمريكياً وأوروبياً، حول "نزع سلاح حماس وحزب الله" ليس جديداً؛ بل يعود إلى عام 2000، حين انسحب الكيان الصهيوني من جنوب لبنان؛ لكن حتى بعد الانسحاب، استمرت محاولاته تفكيك المقاومة عبر الضغط السياسي والدبلوماسي، ثم عاد لاستهداف المقاومة عسكريا بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر، في لبنان وسوريا واليمن، في محاولة من هذا الكيان الغاصب لتقويض "محور المقاومة" ككل.
وفي ختام الحوار، خلُص جابري أنصاري إلى القول: لا سلام حقيقي دون عدالة، ولا عدالة دون اعتراف بحق الفلسطينيين في الوجود والحرية. حتى ذلك الحين، المقاومة باقية. وطالما أن جذور المقاومة متجذرة في واقع الظلم والاحتلال، فإن محاولات نزع سلاحها بالقوة أو بالضغوط لن تؤدي سوى إلى تغيير في أدواتها، لا في جوهر وجودها.
