الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • ثقاقه
  • دولیات
  • رياضة وسياحة
  • عربیات
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وثمانمائة وأربعة وستون - ١٦ سبتمبر ٢٠٢٥
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وثمانمائة وأربعة وستون - ١٦ سبتمبر ٢٠٢٥ - الصفحة ٥

بيونغ يانغ ترى مناورات «الصولجان الحديدي» استفزازًا مباشرًا

لغة الردع وموازين الهيمنة.. كوريا الشمالية في مواجهة التحالف الثلاثي

/ في عالم تتسارع فيه التحولات الجيوسياسية، وتتصاعد فيه التوترات بين القوى الكبرى، تعود شبه الجزيرة الكورية لتتصدر المشهد الدولي، ليس فقط كمنطقة نزاع مزمن، بل كساحة اختبار حقيقية لحدود القوة، ولغة الردع، وموازين الهيمنة. التحذير الأخير الذي أطلقته كيم يو جونغ، شقيقة الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، لم يكن مجرد تصريح عابر، بل رسالة مشحونة بالتهديد، موجهة إلى واشنطن وسيئول وطوكيو، على خلفية المناورات العسكرية المشتركة التي تحمل أسماء رمزية كـ«الصولجان الحديدي» و«حافة الحرية». هذه المناورات، التي تصفها الولايات المتحدة بأنها دفاعية، تراها بيونغ يانغ استفزازًا مباشرًا، بل تمهيدًا لغزو محتمل، في ظل تصاعد الخطاب العدائي، وتكثيف الاستعدادات العسكرية.
 «الصولجان الحديدي»..اختلاط الرمزية بالردع النووي
الاسم وحده يكفي لفهم طبيعة المناورات. «الصولجان الحديدي» ليست مجرد تدريبات تقليدية، بل محاكاة لدمج القدرات النووية والتقليدية في عمليات هجومية، ما يعني أن واشنطن وحلفاءها لا يكتفون بالردع، بل يختبرون سيناريوهات الهجوم النووي المحتمل. هذا النوع من المناورات يثير قلقًا عميقًا لدى كوريا الشمالية، التي ترى في كل تحرك عسكري أميركي في محيطها تهديدًا وجوديًا، خاصة في ظل تاريخ طويل من العداء، والحصار، والتلويح بالعقوبات.
بيونغ يانغ، التي طورت ترسانتها النووية رغم العقوبات الدولية، تعتبر أن هذه المناورات تمثل إعلانًا غير مباشر للحرب، وتؤكد أن الرد سيكون قاسيًا، ومؤلمًا، وربما غير متوقع. التحذير الذي أطلقته كيم يو جونغ، بأن «التفاخر بالقوة في المكان الخطأ سيجلب عواقب وخيمة»، ليس مجرد تهديد بلاغي، بل يعكس عقيدة أمنية ترى في الهجوم الوقائي خيارًا مشروعًا، إذا ما شعرت الدولة بأنها على وشك أن تُستهدف.
«حافة الحرية».. المفارقة بين الاسم والمضمون
المناورات الأخرى، التي تحمل اسم «حافة الحرية»، تثير جدلًا لا يقل حدّة. فبينما تصرّ الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية على أنها تدريبات دفاعية تهدف إلى تعزيز القدرات العملياتية الجوية والبحرية والإلكترونية، ترى كوريا الشمالية أن هذه التسمية تخفي نوايا عدوانية، وأن «الحرية» التي يتحدث عنها التحالف الثلاثي ليست سوى غطاء لفرض الهيمنة، وتوسيع النفوذ العسكري في المنطقة.
التحالف بين واشنطن وسيئول وطوكيو، الذي تعزز في السنوات الأخيرة، يشكّل مصدر قلق دائم لبيونغ يانغ، التي ترى فيه محاولة لتطويقها، وعزلها، وربما إسقاط نظامها. هذا التحالف، الذي يدمج القدرات التكنولوجية اليابانية، والخبرة العسكرية الأميركية، والاستعداد الكوري الجنوبي، يبدو في نظر كوريا الشمالية كقوة هجومية متكاملة، لا يمكن تجاهلها، ولا يمكن التعامل معها إلا من خلال الردع النووي، أو التهديد بالتصعيد.
الصوت الذي يعبّر عن رؤية استراتيجية
شقيقة الزعيم الكوري الشمالي، التي باتت تُعرف بأنها اليد اليمنى لكيم جونغ أون، لا تتحدث من فراغ. تصريحاتها تعكس موقفًا رسميًا، وتعبّر عن رؤية استراتيجية ترى في الولايات المتحدة العدو الأول، وفي المناورات المشتركة تهديدًا مباشرًا. خطابها، الذي يتسم بالحدة، والوضوح، والتهديد، يعكس عقيدة أمنية ترى في القوة وسيلة للبقاء، وفي الردع النووي ضمانة للاستقلال.
بيونغ يانغ، التي اختبرت عزلة دولية طويلة، وعقوبات اقتصادية خانقة، لا ترى في المجتمع الدولي شريكًا، بل خصمًا. لذلك، فإن أي تحرك عسكري في محيطها يُفسّر على أنه استفزاز، وأي تصريح أميركي يُقرأ كتهديد. في هذا السياق، تصبح تصريحات كيم يو جونغ جزءًا من استراتيجية الردع، التي لا تكتفي بالتحذير، بل تلوّح بالرد، وتفتح الباب أمام احتمالات التصعيد.
 التحالف الثلاثي.. ردع أم مشروع هيمنة؟
من وجهة نظر التحالف الثلاثي، المناورات تأتي في سياق تعزيز التنسيق العسكري، وتطوير القدرات الدفاعية، في مواجهة ما يسمونه «التهديدات النووية والصاروخية» لكوريا الشمالية. لكن هذا التوصيف لا يخفي حقيقة أن هذه المناورات تحمل طابعًا هجوميًا، وتُجرى على مقربة من حدود دولة تعتبر نفسها محاصرة، ومهددة، ومعرّضة للغزو.
الولايات المتحدة، التي تملك قواعد عسكرية في كوريا الجنوبية واليابان، لا تخفي رغبتها في الحفاظ على نفوذها في شرق آسيا، خاصة في ظل تصاعد التوتر مع الصين، وتراجع الثقة بالحلفاء الأوروبيين. في هذا السياق، تصبح كوريا الشمالية هدفًا مزدوجًا: من جهة، خصم نووي يجب ردعه، ومن جهة أخرى، ورقة ضغط في مواجهة بكين، التي تُعتبر الحليف الأهم لبيونغ يانغ.
 الصين وروسيا تراقبان التصعيد 
على خلفية المشهد، تقف الصين وروسيا، تراقبان التصعيد، وتترقبان ردود الفعل. بكين، التي تعتبر شبه الجزيرة الكورية جزءًا من مجالها الحيوي، لا تنظر بعين الرضا إلى المناورات الأميركية، وتعتبرها استفزازًا، ومحاولة لتوسيع النفوذ العسكري في محيطها. روسيا، التي تربطها علاقات متينة بكوريا الشمالية، ترى في التصعيد فرصة لإعادة تأكيد حضورها في شرق آسيا، خاصة في ظل التوترات مع الغرب. هذا التداخل الإقليمي يجعل من المناورات العسكرية أكثر من مجرد تدريبات، بل اختبارًا لموازين القوى، ورسالة موجهة إلى بكين وموسكو، بأن واشنطن لا تزال قادرة على فرض حضورها، وتحديد قواعد اللعبة، حتى في أكثر المناطق حساسية.
 الحرب.. احتمال دائم لدى كوريا الشمالية
في كوريا الشمالية، لا تُفهم المناورات العسكرية على أنها تدريبات، بل تُقرأ كتحضيرات لحرب محتملة. هذا الإدراك، الذي يتغذّى من تاريخ طويل من العداء، ومن خطاب أميركي لا يخفي رغبته في تغيير النظام، يجعل من كل تحرك عسكري سببًا للقلق، ومصدرًا للتهديد.
الشعب الكوري الشمالي، الذي يعيش تحت نظام تعبوي، يرى في الولايات المتحدة عدوًا دائمًا، وفي المناورات المشتركة إعلانًا للحرب. هذا الإدراك لا يقتصر على النخبة الحاكمة، بل يتغلغل في الوعي الجمعي، ويجعل من الرد العسكري خيارًا مقبولًا، بل ضروريًا، إذا ما شعر النظام بأنه مهدد.
الإعلام الدولي.. بين التحليل والتحريض
التغطية الإعلامية للمناورات والتحذيرات الكورية الشمالية تتفاوت بين من يرى فيها ردًا مشروعًا على استفزازات أميركية، ومن يعتبرها تهديدًا غير مبرر. بعض الصحف الغربية، كـ«واشنطن بوست»، ترى في المناورات وسيلة لتعزيز الردع، وتأكيد الحضور الأميركي، بينما تحذّر صحف أخرى، كـ«ذا غارديان»، من تداعيات التصعيد، واحتمالات الانزلاق نحو مواجهة غير محسوبة.
الإعلام الكوري الشمالي، من جهته، يقدّم صورة مغايرة، ويصف المناورات بأنها «تمهيد لغزو»، ويؤكد أن الرد سيكون «مدمّرًا»، و«غير متوقع»، ما يعكس طبيعة الخطاب التعبوي، الذي لا يكتفي بالتحذير، بل يلوّح بالرد، ويستعد للمواجهة.
عقيدة أمنية ترى في القوة وسيلة للبقاء 
تحذير كوريا الشمالية من المناورات العسكرية المشتركة ليس مجرد رد فعل، بل تعبير عن عقيدة أمنية ترى في القوة وسيلة للبقاء، وفي الردع النووي ضمانة للاستقلال. في عالم تتصاعد فيه التوترات، وتتعاظم فيه التحالفات، تصبح شبه الجزيرة الكورية ساحة اختبار حقيقية لحدود القوة، ولغة الردع، وموازين الهيمنة. الولايات المتحدة، التي تصرّ على أن المناورات دفاعية، لا تستطيع أن تنكر أنها تُجرى على مقربة من حدود دولة تعتبر نفسها مهددة، ومعرّضة للاستهداف. هذا الشعور بالحصار، الذي يتغذّى من عقود من العداء والعقوبات، يجعل من كل تحرك عسكري أميركي في محيطها بمثابة إعلان حرب محتمل، ويحوّل المناورات إلى إشارات استفزازية لا يمكن تجاهلها.
في هذا السياق، لا تعود التحذيرات الكورية الشمالية مجرد ردود فعل، بل تصبح جزءاً من معادلة الردع المتبادل، حيث تتقاطع الرسائل العسكرية مع الحسابات السياسية، وتتحوّل التصريحات إلى أدوات ضغط، بل إلى صواعق محتملة في حال اختلّ التوازن أو فُسّرت النوايا بشكل خاطئ.
العالم اليوم لا يعيش فقط على وقع التهديدات، بل على حافة الاحتمالات المفتوحة. وكل مناورات تُجرى في شبه الجزيرة الكورية، وكل تصريح يصدر من بيونغ يانغ أو واشنطن، يحمل في طياته بذور تصعيد قد لا يُحتوى. وفي ظل غياب الثقة، وتراجع قنوات الحوار، يصبح التفاخر بالقوة في المكان الخطأ، كما قالت كيم يو جونغ، أكثر من مجرد خطأ تكتيكي؛ إنه مغامرة بمصير منطقة، وربما العالم بأسره.
الخاتمة الحقيقية لهذا المشهد لا تُكتب في البيانات الرسمية، بل تُرسم في موازين الردع، وفي قدرة الأطراف على كبح جماح التصعيد، والعودة إلى لغة العقل. فحين تصبح القوة هي اللغة الوحيدة، يصبح الصمت أكثر حكمة، ويغدو التفاهم ضرورة لا ترفاً. وفي شبه الجزيرة الكورية، حيث التاريخ لا ينسى، والجغرافيا لا ترحم، يبقى الأمل معلقاً على قدرة العالم في أن يتعلّم من أخطائه، لا أن يكررها تحت راية «الحرية» أو «الصولجان الحديدي».

 

البحث
الأرشيف التاريخي