خبيران سياسيان للوفاق:
الكيان الصهيوني يمارس الإبادة الجماعية تحت أنظار العالم وصمته
/ في زمنٍ يدّعي فيه العالم التقدم والحضارة وصيانة حقوق الإنسان، تتعرّض إحدى أقدم بقاع الأرض تاريخاً وإنساناً وهي غزة هاشم في فلسطين، لقصف ممنهج وحصار خانق من جانب الاحتلال الصهيوني المجرم، وكأنّ حياة أبنائها لا تساوي شيئاً في موازين القوى العالمية.
لقد تجاوزت الأحداث في قطاع غزة كل حدود الوصف، لتصبح أمام عملية إبادة جماعية شاملة، لا تقتصر على القتل بالصواريخ والقنابل فحسب، بل تمتد إلى حرب أخرى أكثر خبثاً وفتكاً هي «حرب التجويع». فما تشهده غزة اليوم هو فصلٌ جديدٌ مأساويٌ من فصول المعاناة الفلسطينية، حيث تتحول الأرض إلى ركام، ويتحول البشر إلى أرقام في تقارير إخبارية يومية، بينما يتحول الأطفال والنساء وكبار السن إلى أهداف مباشرة ليس فقط للقصف، بل ولجريمة حرمانهم من أبسط مقومات الحياة من غذاء، وماء، ودواء، وطاقة.
إنّ ما يمارسه الكيان الصهيوني المحتل ليس مجرد «عملية عسكرية» كما يُروج له العدو المجرم، بل هو عملية تطهير عرقي ممنهجة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. إنه استكمال للمشروع الاستعماري الذي يقوم على اقتلاع شعب من أرضه وإفراغها من سكانها الأصليين. فالحرب على غزة وجهان لعملة واحدة: وجه دموي يظهر عبر المجازر اليومية التي ترتكبها الآلة العسكرية الصهيونية، ووجه صامت قاتل يتمثل في الحصار الخانق الذي يحول القطاع إلى سجن كبير، ويستخدم الجوع سلاحاً لكسِر إرادة من بقي على قيد الحياة وإجباره على النزوح أو الموت بصمت.
واليوم الصمت أصبح جريمة، وأن الكلمة أصبحت سلاحاً تواجه به أعتى آلات القتل الإعلامي والتضليل الصهيوني.
فهذه قضية إنسانية تمس ضمير كل إنسان حر في هذا العالم. من خلال هذا الحوار، نسعى لتسليط الضوء على الأبعاد الحقيقية لهذه الجريمة المستمرة، وفك شيفرة الخطاب المزدوج للغرب، وتوثيق معاناة شعب يرفض أن يموت وهو صامد في أرضه، ويصر على الحياة رغم كل محاولات القتل والتجويع.
في هذا الإطار، قال الكاتب والخبير السياسي العراقي سمير السعد، في حوار له مع صحيفة الوفاق، حول الإبادة الجماعية التي يرتكبها العدو الصهيوني بحق أهالي قطاع غزة: بين الركام والجراح، وفي مدينة محاصرة منذ سنوات، تتجسد المأساة اليوم بأبشع صورها في غزة. أطفال بلا غذاء، أمهات عاجزات عن إرضاع صغارهن، وشيوخ يذوبون من الجوع بدل أن يمضوا ما تبقى من أعمارهم بسلام. الاحتلال لم يكتفِ بالقصف والتدمير، بل لجأ إلى سلاح أشد قسوة سلاح التجويع، ليحول حياة أكثر من مليوني إنسان إلى رحلة عذاب يومي بحثاً عن لقمة خبز وقطرة ماء. وأردف السعد قائلاً: ما يحدث في غزة هو جريمة منظمة. الاحتلال يستخدم سلاح الحصار والمجاعة ليكسر إرادة الشعب الفلسطيني، ويضغط على المقاومة من خلال المدنيين، متوهماً أن بطون الجائعين ستُخمد صرخات الحرية. الهدف واضح إخضاع غزة، تفريغها من سكانها، وتحويلها إلى أرض بلا حياة؛ لكن، وكما أثبت التاريخ، فإن الشعوب التي تتعرض للقهر لا تنكسر، بل تزداد تمسكاً بحقها وكرامتها.
العجز الدولي ليس عجزاً تقنياً، بل عجزاً سياسياً وأخلاقياً
وأكمل كلامه مُشيراً إلى عجز المجتمع الدولي عن ردع الاحتلال قائلاً: هذا الصمت يثير الريبة، ويعكس خضوع المؤسسات الدولية لضغوط الدول الكبرى، خصوصاً الولايات المتحدة، الداعمة الأولى للاحتلال. العجز الدولي ليس عجزاً تقنياً، بل عجزاً سياسياً وأخلاقياً، إذ فضّل المجتمع الدولي الصفقات والمصالح على إنقاذ أرواح الأطفال الذين يموتون بصمت تحت أنقاض غزة.
وأضاف موضحاً: الحلّ لا يأتي ببيانات الاستنكار ولا بخطابات الشجب، بل بموقف عربي وإسلامي ودولي حازم يفرض على الاحتلال فك الحصار فوراً وفتح المعابر لإدخال الغذاء والدواء. مضيفاً:كما يجب تفعيل المساءلة القانونية في المحاكم الدولية، واعتبار سياسة التجويع جريمة حرب مكتملة الأركان. وحدها الضغوط الشعبية والحقوقية المتصاعدة قادرة على إحراج العالم ودفعه للتحرك، فدماء غزة أمانة في أعناق الأحرار في كل مكان.
واختتم بالقول: غزة اليوم لا تبكي وحدها، بل تصرخ نيابة عن ضمير الإنسانية كله. أطفالها يموتون جوعاً قبل أن تقتلهم الصواريخ، ونساؤها يودعن صغارهن بلا حليب، وشيوخها يرحلون ببطء في انتظار رغيف مفقود. إنها مأساة القرن، ومحنة أخلاقية للعالم. سيبقى التاريخ شاهداً أن غزة نزفت جوعاً وناراً أمام عيون عالم أدار ظهره، وأن الاحتلال كتب أبشع فصوله على أجساد الأبرياء.
إخضاع الشعب الفلسطيني لظروف قاتلة
من جانبه، قال الكاتب الصحفي والمحلل السياسي العارف بالله طلعت لصحيفة الوفاق: ما يجري في غزة ليس مجرد أزمة إنسانية، بل جريمة ممنهجة يستخدم فيها الكيان الصهيوني الغذاء كسلاح حرب ويمارس فيها سياسة الإبادة البطيئة تحت أنظار العالم. إن المجتمع الدولي والأمم المتحدة والدول العربية والإسلامية مطالبون اليوم بتحرك حقيقي وفوري لا يقتصر على الإدانات، بل يشمل ضغوطاً سياسية واقتصادية على الكيان الإسرائيلي وفتح ممرات آمنة للمساعدات ومحاكمة من تورطوا في هذه الجرائم أمام محكمة الجنايات الدولية. وأضاف: المجاعة الحالية وسوء التغذية المزمن في غزة يمثلان تهديداً خطيراً ومباشراً لصحة الأطفال خصوصاً مَن هم دون سن الخامسة والمواليد الجدد ونقص العناصر الغذائية الأساسية قد يؤدي إلى التقزم إضافة إلى تأخر التطور العقلي واللغوى والحركي.
وأشار الكاتب الصحفي والمحلل السياسي العارف بالله طلعت: بأن التجويع في غزة لم يكن نتيجة ثانوية للحرب، بل استراتيجية واضحة أعلنتها شخصيات صهيونية في أكثر من مناسبة ففي تصريح شهير لوزير الحرب الصهيوني السابق يوآف غالانت في أكتوبر 2023 قال بوضوح: «لن يدخل كهرباء، ولا طعام ولا ماء إلى غزة»، هذا التصريح ليس مجرد انفعال لحظة، بل يعكس سياسة عامة تهدف إلى سحق البنية المجتمعية في غزة ودفع السكان إلى الانهيار الكامل.
وقال الخبير المصري: استهدفت القوات الصهيونية مستودعات المساعدات في شمال غزة وجنوبها، ما تسبب في تدمير آلاف الأطنان من الأغذية والأدوية، وتكررت مشاهد إطلاق النار على سكان غزاويين كانوا يحاولون الوصول إلى شاحنات مساعدات محدودة، في مناطق مثل «الكوستل» و«نقطة نيتساريم»، وسقط العشرات قتلى في ما عرف بمجزرة طابور الخبز.
مضيفاً: إنه بالرغم من أنه حذرت الأمم المتحدة في الأيام الماضية من أن عدم إدخال المواد والمساعدات إلى القطاع ينذر بكارثة إنسانية جديدة ومجاعة ستطول هذه المرة كل مناطق قطاع غزة؛ لكن الاحتلال مستمر بجرائمه.
وقال: على كل المؤسسات الأممية والدولية بالتحرك الجاد لإنقاذ حياة آلاف الجرحى والمرضى الذين يواجهون خطر الموت في حال توقفت هذه المستشفيات عن العمل، وفي ظل تهديدات الاحتلال المتكررة باستهدافها على غرار ما جرى في مستشفيات أخرى. وأضاف: سجلت وزارة الصحة في قطاع غزة فقط خلال أقل من 24 ساعة 11 حالة وفاة نتيجة المجاعة وسوء التغذية من بينهم طفل.
وقال العارف بالله طلعت: إنه وبالرغم من دعوة مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة، جيش الاحتلال الصهيوني إلى وقف هجماته فورا على الفلسطينيين الذين يحاولون تأمين قوافل المساعدات الإنسانية وغيرها من الإمدادات في ظل حرب الإبادة والتجويع الإسرائيلية على قطاع غزة؛ لكن قوات الاحتلال تكثف من عملياتها الإجرامية.
