قمة موسكو ومواجهة السياسات الأحادية
105 دول تتحد لإعادة رسم مستقبل الأمن العالمي
/ في ظلّ التحولات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية، تأتي قمة موسكو للأمن وبناء عالم عادل كنقطة تحول استراتيجية تهدف إلى إعادة صياغة النظام العالمي بشكلٍ يُعلي من قيمة العدالة والتعاون بين الدول، بعيدًا عن النموذج التقليدي الذي اعتمدت عليه الأنظمة القديمة. يجمع هذا الحدث الدولي ما يقرب من 105 دول، ليشكل بذلك أكبر تجمع دبلوماسي من نوعه في محاولة لتقديم رؤية جماعية لمواجهة التحديات المشتركة وضمان أمن عالمي يستند على مبادئ العدالة والتضامن.
خلفية القمة والسياق الجيوسياسي
في العقود الماضية، شهد العالم نزاعات وتحولات أظهرت الحاجة إلى إعادة النظر في أسس الأمن الدولي، إذ أصبحت التهديدات الأمنية معقدة ومتعددة الأبعاد؛ تشمل الإرهاب، التدخلات العسكرية، النزاعات والصراعات الإقليمية. ومع تصاعد التعددية القطبية، برزت دعوات الدول غير المتحالفة مع السياسات الغربية التقليدية إلى منبر دولي بديل يعكس رغبتها في بناء نظام عالمي يقدّم حلولاً أكثر شمولية وتوازناً. تأتي قمة موسكو للأمن كمحطة تجمع تلك الأصوات المتباينة، لتعمل على رسم معالم مستقبلية لنظام عالمي جديد يتجاوز الانقسامات التقليدية.
أهداف القمة؛ نحو عالم عادل للأمن
تسعى القمة إلى الإبتعاد عن الركائز الأمنية التقليدية القائمة على التحالفات الثابتة، والعمل على تبني نموذج يعتمد على الحوار والتعاون المثمر بين الدول، بحيث يكون الأمن حقّاً مشتركًا ومسؤولية جماعية، يُعد تحقيق العدالة وتوزيع الفرص والمسؤوليات بالتساوي هدفًا رئيسيًا، إذ تسعى الدول المشاركة إلى تقديم رؤية تضع العدالة كأساس للعلاقات الدولية، تُمكن الدول الصغيرة والنامية من المشاركة بفاعلية في صناعة القرار العالمي.
وفق أمانة الاجتماع الدولي الثالث عشر للممثلين رفيعي المستوى المسؤولين عن قضايا الأمن، فإن أعضاء مجموعة بريكس، ومنظمة شنغهاي للتعاون، ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، ورابطة الدول المستقلة، وجامعة الدول العربية، والاتحاد الأفريقي، ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي، ومنظمات دولية أخرى أكدت مشاركة مسؤوليها الأمنيين رفيعي المستوى في الاجتماع .ومن المقرر أن يناقش الاجتماع، الذي سيعقد في المركز الوطني الروسي حتى يوم الجمعة، القضايا المتعلقة بالتعاون الدولي في مجال الأمن.
إن تشكيل بنية جديدة أكثر عدالة وتكاملاً للأمن المتساوي والشامل الذي يتماشى مع الحقائق الحديثة سيكون بمثابة جدول الأعمال الرئيسي لهذه القمة.
وتُعد مكافحة الاحتيال عبر الإنترنت، وضمان حماية البنية التحتية للمعلومات الحيوية ضد الهجمات الإرهابية، والتخريب التكنولوجي من بين المواضيع الأخرى التي تمت مناقشتها في هذه القمة الدولية.
ووفق التقرير، ستجمع القمة أيضًا مستشاري الأمن القومي ومديري أجهزة الأمن والاستخبارات من أكثر من 100 دولة في مائدة مستديرة لبحث التحديات والتهديدات في مجال المعلومات، بالإضافة إلى سبل التغلب عليها.
هذه الأهداف تعكس رؤية شاملة وواقعية تسعى إلى وضع أسس جديدة للعلاقات الدولية بعيدًا عن الانقسامات التقليدية، مع التركيز على مبادئ العدالة والشفافية والتعاون المتبادل.
المشاركة الواسعة وأهميتها الدبلوماسية
يُمثل تجمع 105 دول في قمة موسكو للأمن خطوة نوعية في مسار الدبلوماسية الدولية؛ إذ أن تمثيل عدد كبير من الدول يبرز توجّهًا عالميًا لتشجيع الحوار متعدد الأبعاد والتشارك في صنع القرار. وفي ظلّ الارتفاع المتزايد للمطالب بإعادة توزيع السلطة على المستوى الدولي، تُعد هذه المشاركة ظهوراً للقوى النامية والدول غير المتحالفة مع الأنظمة الغربية التقليدية، مما يُعيد رسم خريطة النفوذ العالمي على نحو يتماشى مع التحولات الجارية في النظام الدولي.
كما أن الإنخراط الواسع للدول في هذه القمة يفتح آفاقًا جديدة لتبادل الخبرات والتجارب في مجالات تتعلق بالأمن والدفاع، مما يمكن أن يسهم في صياغة آليات مبتكرة للتعامل مع التحديات الأمنية المعقدة التي يواجهها العالم اليوم.
ويُعزى هذا التفاعل الدبلوماسي إلى إدراك المشاركِين أن الأمن ليس مهمة دولة واحدة أو تحالف حصري، بل هو تحدٍ جماعي يستدعي تكاتف الجهود عبر الحدود.
دلالات التغير في النظام الدولي
إن انعكاسات قمة موسكو للأمن تتجاوز حدود المناقشات والسياسات الأمنية لتلامس مواضيع هيكلية تتعلق بالنظام الدولي بأسره، إذ تُبشر بتغير مفاهيمي في عدة مجالات:
نموذج متعدد الأقطاب
إن مشاركة عدد ضخم من الدول في مثل هذه الفعالية الدولية تؤكد على ظهور نظام عالمي يتجه نحو تعددية الأقطاب، إذ يكسب كل قطب دوره ومشاركته في رسم السياسات الأمنية والاقتصادية.
تحدي الهيمنة التقليدية
يأتي هذا التجمع في وقت يتزايد فيه الاستياء من السياسات الأحادية الجانب التي اتبعتها القوى الكبرى لفترات طويلة، مما دفع الدول إلى البحث عن بدائل تضمن تحقيق مصالحها دون الوقوع في فخ التحالفات الثابتة التي تحد من حريتها في التصرف. هذه التحولات تُمثل انعكاسًا لواقع عالمي متغير، إذ يُعيد التفاعل بين القوى والبلدان غير التقليدية تعريف معاني التعاون الدولي وعلاقات القوة في النظام العالمي المعاصر.
رسم معالم النظام الدولي
تلعب قمة موسكو للأمن وبناء عالم عادل دورًا محفزًا في إعادة رسم معالم النظام الدولي. إن مشاركة 105 دول تعكس رغبة جماعية في تجاوز الأطر التقليدية والبحث عن حلول مبتكرة لضمان أمن شامل يرتكز على العدالة والتعاون المتبادل، يرى بعض الخبراء أن القمة تمثل تحولًا في النظام الدولي، إذ تسعى الدول النامية إلى تعزيز دورها في صنع القرار العالمي، بعيدًا عن النفوذ التقليدي للقوى الكبرى، إن هذه القمة قد تكون بمثابة حجر أساس في إعادة تشكيل العلاقات الدولية، وتأكيدًا على أن التعددية الدولية وبناء الثقة المشتركة هما السبيل لتحقيق الإستقرار في عالم يتغير بوتيرة متسارعة.
بوتين: أوراسيا يجب أن تكون فضاء للسلم والاستقرار
وفي كلمته الترحيبية بالمشاركين في منتدى موسكو الدولي للأمن، أكد الرئيس فلاديمير بوتين أهمية هذا الحدث، مشدداً على ضرورة أن تكون أوراسيا فضاءً للسلم والاستقرار الدوليين.
وجاء في كلمته: «في التاسع من مايو/ أيار احتفلنا بالذكرى الـ80 للنصر في الحرب العالمية الثانية. احتفالات موسكو كانت رمزاً للالتفاف حول النصر العظيم، ودليلاً على تصميم أصدقائنا وشركائنا على بناء عالم أكثر أمناً». وأكد بوتين أهمية الحفاظ على الحقيقة حول وقائع الحرب ومكافحة محاولات تزييف التاريخ، والاستفادة من التجارب التاريخية ودروس الماضي في مواجهة التحديات الأمنية المعاصرة. كما أكد بوتين ثبات نهج روسيا المتمسك بهيكل أمني جديد متكافئ في العالم وغير قابل للتجزئة، وأن تحظى جميع الدول بضمانات راسخة لأمنها، ولكن ليس على حساب أمن ومصالح الدول الأخرى.وقال: «من المهم جعل أوراسيا فضاء للسلام والاستقرار، ومثالاً على التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المستدامة». ولفت إلى أن منظمات «شنغهاي للتعاون» و«الاتحاد الاقتصادي الأوراسي» و«منظمة معاهدة الأمن الجماعي» قد تشكل أساساً لنظام أمني شامل وموحد في أوراسيا. هذا وقد انطلقت فعاليات منتدى الأمن الدولي في نسخته الـ13 في موسكو في السابع والعشرين من مايو/ أيار والذي يستمر حتى اليوم الأربعاء (29 أيار)، برئاسة سكرتير مجلس الأمن في الاتحاد الروسي سيرغي شويغو.
