في يوم اللغة الفارسية وذكرى تكريم الشاعر الإيراني الكبير
الفردوسي.. شاعر إجتاز الحدود وحلقة وصل بين الحضارات
/ اللغة وسيلة للتواصل، يحتفل كل شعب بلغته، ولا تستثنى اللغة الفارسية الجميلة التي تتحدث بها عدة دول، لها تاريخ عريق، ونشهد البلاغ والجمال الأدبي فيها، وهناك شعراء وأدباء إيرانيون كبار ذاع صيتهم في مختلف أنحاء العالم، منهم الشاعر الإيراني الكبير الحكيم «أبوالقاسم الفردوسي» الذي إشتهر بآثاره الملحمية البارز «الشاهنامة».
يصادف اليوم الخميس ذكرى تكريم اللغة الفارسية وكذلك «الفردوسي»، تزامناً مع ربيع الطبيعة والعلم والأدب، لا أظن أن يكون هناك شخص من محبي العلم والأدب الملحمي ولا يعرف الفردوسي وكتابه الملحمي العظيم.
نحتفل كل عام باللغة الفارسية وذكرى تكريم الفردوسي في يوم 15 مايو/أيار، وهناك مهرجانات وبرامج ثقافية كثيرة تُقام في مختلف أنحاء البلد، خاصة في مسقط رأس الشاعر أي مدينة مشهد المقدسة، ففي هذا المقال نتطرق إلى نبذة عن اللغة الفارسية، الحكيم أبوالقاسم الفردوسي، الشاهنامة، والبرامج التي تُقام بهذه المناسبة.
اللغة الفارسية
اللغة الفارسية لغة غنية بالتاريخ والثقافة والجمال، وهي لغة مهمة في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. يُعرف عنها ثراؤها الأدبي والثقافي الكبير، وهي لغة ذات تاريخ طويل وغني، ومن أجمل اللغات بسبب طابعها الموسيقي وجمال تعبيراتها كما أنها من أقدم اللغات الحية في العالم، ولها تاريخ طويل وغني من الأدب والفن، وكذلك ذات تأثير كبير في الثقافة الإقليمية.
يُعرف عن اللغة الفارسية قدرتها على التعبير عن المشاعر والأفكار بطريقة جميلة وواضحة، وتعتبر من اللغات التي يسهل على الناطقين بها التعبير عن أفكارهم وشعورهم.
الحكيم أبوالقاسم الفردوسي
15 مايو هو يوم إحياء ذكرى الحكيم أبو القاسم الفردوسي، الشاعر الملحمي الإيراني الشهير، الذي أعطى الحياة للغة الفارسية بأثره العظيم «الشاهنامة» وتم تخليد إسمه إلى الأبد في اللغة الفارسية.
عندما نتحدث عن اللغة الفارسية، فإننا لا نتحدث فقط عن لغة وقضاياها اللغوية، بل نتحدث عن الجذور التاريخية العميقة، والحضارة الغنية، والثقافة القيمة لأمة عبر عصور مختلفة بكل ما فيها من تقلبات، وبلا شك الحكيم أبو القاسم الفردوسي هو أحد أركان هذه اللغة الأصيلة والجميلة الرئيسيين .
في سبتمبر 1993، على هامش زيارة لمعرض المنمنمات قال قائد الثورة: «لا أعرف كم أنتم أيها السادة على دراية بالشاهنامة. أنا على دراية بالشاهنامة. إن حكمة الشاهنامه للحكيم أبو القاسم فردوسي ليست حكمة «أوستا»، إنها حكمة قرآنية. إذا انتبه المرء إلى الشاهنامة، فسيرى أن الفردوسي أنشد عن إيران، ولكن من وجهة نظر مسلم. إن التعبير عن حياة الأبطال والشخصيات الإيجابية مثل «رستم»، و»إسفنديار» في الشاهنامه متجذر في الفكر الإسلامي».
الفردوسي شاعر كبير إجتازت شهرته الحدود والشاهنامة تضيء على إيران والأدب الملحمي في العالم.شاعر لا يخفى على أحد دوره ومكانته العالية في بقاء اللغة الفارسية، فهو أكبر شاعر ملحمي إيراني، وأحد ألمع وجوه الأدب في العالم وأبرز شعراء الفارسية في نظم الملاحم الشعرية الحماسية والبطولية والأساطير التراثية والتاريخية على المستوى العالمي حيث يصف العديد من الأدباء والباحثين في مجال الأدب، الفردوسي الذي ذاع صيته عالمياً بأنه «هوميروس» ايران.
ویعتبر الفردوسي من وجهة نظر الکثیر من أصحاب الدراسات الایرانیة والشرقیة في العالم، انه ربط بین هذه الحضارة والحضارة الإسلامیة.
الشاهنامة نبض اللغة الفارسية
ان ملحمته الشعرية «الشاهنامة» نبض اللغة الفارسية، لا نظير لها في التاريخ، تحکي القصص والأساطير الوطنية وتتضمن الأحداث التاريخية التي مرّت بها ايران منذ بداية الحضارة الإيرانية القديمة، وحتى اضمحلال السلالة الساسانية، إذ أن الفردوسي عاش في حكم السامانيين في زمن الخلافة العباسية.
أقرّت الیونسکو عام 2006 بکتاب «شاهنامه بایسنقري» فیما تم تسجیل «الشاهنامة» في سجل الأحداث والوقائع الثقافیة والفنیة والعلمیة للیونسکو.
ما یضاعف القیمة المعنوية لهذه الملحمة الشعرية هو الموضوعات والجوانب الأخلاقية والدينية والاجتماعية المليئة بالعبر والدروس التربوية التي سجّلها وأثبت تعلّقه القلبي بالمبادئ والأسس الأخلاقية.
أسلوب نظم الشاهنامة مقتبس من أسلوب القرآن الكريم. وكذلك الكنايات المقبولة التي في أشعار العرب يأتي بها بنفسها أو بترجمتها وقد تكون أحسن من الأصل ومن هنا يعلم أن الفردوسي كانت عنده مادة غزيرة من أشعار العرب ولكنه كان لا يستعمل الألفاظ الخارجة عن اللغة الفارسية.
عضو أكاديمية اللغة الفارسية وآدابها ومدير مركز فردوسي للدراسات العلمية وآدابها في محافظة خراسان الرضوية «محمد جعفر ياحقي» يعتقد أن مكانة الفردوسي لا يمكن مقارنتها بأي من الشعراء الإيرانيين.
لم تتناول «الشاهنامة» قط الحرب أو المواجهة مع ثقافة أو لغة معينة. يعتقد البعض أن «الشاهنامة» قد تم رسمها من أجل مواجهة اللغة العربية، لكن «الشاهنامة» هي الجهة المروجة للثقافة الإيرانية الإسلامية. كما أن هذا العمل خلق تعايشاً سلمياً مع اللغة العربية من جهة ومن ناحية أخرى ساعدتها.
الأدب التعليمي في الشاهنامة
عقد مؤتمر يوم إحياء ذكرى الحكيم الفردوسي والحفاظ على اللغة الفارسية في مشهد يوم الإثنين الماضي بحضور مجموعة من الباحثين والأدباء ومحبي الفن والأدب.
تحدث الأديب والباحث في الشاهنامة «حميد رضا نويدي مهر» في هذا المؤتمر عن معرفة الحياة في منظومة فردوسي الفكرية قائلاً: من بين نصوص الأدب الفارسي، «الشاهنامة» هي أحد الأعمال التي تشير إلى نظرة إيجابية وشاملة للحياة»، ورغم أنها تروي الحروب، إلا أنها تشير إلى السلام والحوار والحياة، والتأكيد على الحياة الحرة للإنسان، وهذا أحد مبادئ الإيرانيين.
كما أشار المصور السينمائي والباحث الأدبي «كوروش آذيني فر» إلى رواية «سهراب ورستم» في الشاهنامة قائلاً: «الشاهنامة لها أسلوب أدبي تعليمي وعندما نريد فحص السلوك الإجتماعي في الشاهنامة، نرى العديد من الأمثلة في الشاهنامة منها: ثقافة الحب ونبذ المكر، فأصبحت رمزاً للترابط الإنساني واللطف».
وفي ختام المؤتمر تم إزاحة الستار عن النسخة الخطية لقصة «بيجن ومنيجة» في الشاهنامة بخط السيد «شاهين برجسته ثاني”.
برامج ثقافية في مشهد المقدسة
من جهة أخرى أعلن المدير العام في وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي بمحافظة خراسان الرضوية «حسين مسكراني» عن برامج إحياء ذكرى الحكيم أبوالقاسم الفردوسي، قائلاً: إن مدينة مشهد المقدسة، العاصمة الروحية للبلاد التي هي الجوهرة اللامعة لفخر إيران، تستضيف إحتفالات وبرامج ثقافية، تحضره شخصيات وطنية وثقافية وعلمية بارزة، منها إقامة مؤتمر «الشعر من توس إلى نيشاور» الوطني و «الإعتراف بدور الشاهنامة في العالم المعاصر».
كما أنه سيقام حفل رائع بحضور المتحدثة باسم الحكومة «فاطمة مهاجراني» ورئيس جمعية الآثار «محمود شالويي» ونائب وزير الثقافة في الشؤون الثقافية «محسن جوادي» وغيرهم من الشخصيات، وسيتم نثر الزهور على مقبرة الفردوسي.
