الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • ثقاقه
  • دولیات
  • رياضة وسياحة
  • عربیات
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وسبعمائة وسبعة وستون - ١٣ مايو ٢٠٢٥
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وسبعمائة وسبعة وستون - ١٣ مايو ٢٠٢٥ - الصفحة ٥

من خلال سياساته الإستعمارية

كيف أسس الإحتلال البريطاني للصراع الهندي-الباكستاني؟

/ تعد النزاعات بين الهند وباكستان من أكثر الصراعات تعقيداً واستمراراً في منطقة جنوب آسيا، حيث تمتد جذورها إلى حقبة الاستعمار البريطاني. وعلى مدار أكثر من سبعة عقود منذ استقلال البلدين عام 1947، استمرت التوترات بينهما تتصاعد وتتراجع، متأثرة بعوامل سياسية واقتصادية وثقافية متشابكة. ولم يكن دور بريطانيا مقتصراً على كونها قوة استعمارية سابقة فحسب، بل لعبت دوراً محورياً في تشكيل هذه النزاعات واستمرارها من خلال قراراتها التاريخية وسياساتها الاقتصادية وإجراءاتها المعاصرة.
تقسيم يؤسس للخلاف
كان تقسيم شبه القارة الهندية في عام 1947 إلى دولتين مستقلتين - الهند وباكستان - من أهم الأحداث في القرن العشرين التي تركت آثاراً عميقة على المنطقة والعالم. تمت هذه العملية تحت إشراف بريطانيا وأدت إلى استقلال هاتين الدولتين، كما شكلت جذور العديد من التوترات الحالية، خاصة فيما يتعلق بكشمير.
في عام 1945، قررت الحكومة البريطانية برئاسة كليمنت أتلي إنهاء استعمار الهند. لإدارة هذه العملية، تم تعيين اللورد لويس ماونتباتن كآخر نائب ملكي للهند في فبراير 1947. كان ماونتباتن من العائلة الملكية البريطانية وخدم كقائد عسكري في الحرب العالمية الثانية. كانت مهمته تحقيق استقلال الهند بحلول يونيو 1948، لكنه ادعى أن الخلافات بين المؤتمر الوطني الهندي والرابطة الإسلامية غير قابلة للحل وأن تقسيم شبه القارة هو الحل الوحيد الممكن.
اقترح ماونتباتن خطة عُرفت باسم «خطة ماونتباتن»، وبموجبها تم تقسيم شبه القارة إلى دولتين مستقلتين: الهند ذات الأغلبية الهندوسية وباكستان ذات الأغلبية المسلمة. تضمنت باكستان جزأين: باكستان الغربية (باكستان الحالية) وباكستان الشرقية (بنغلاديش الحالية). تمت الموافقة على هذه الخطة في يونيو 1947 وتم تحديد تاريخ الاستقلال في 15 أغسطس 1947. اتُخذ هذا القرار على عجل ولم يكن هناك وقت كافٍ للتخطيط الدقيق.
كان أحد أكثر جوانب التقسيم حساسية هو تحديد حدود البلدين. اختارت بريطانيا السير سيريل رادكليف، وهو محامٍ بريطاني ليس لديه أي خبرة في شبه القارة، لهذه المهمة. أصبح رادكليف رئيساً للجنة عُرفت باسم «لجنة رادكليف». جاء إلى الهند في صيف 1947 وكان لديه بضعة أسابيع فقط لتحديد حدود البلدين. بدون معلومات دقيقة وتحت ضغط الوقت الشديد، رسم رادكليف خطوطاً عُرفت لاحقاً باسم «خط رادكليف».
رُسمت هذه الخطوط على أساس الأغلبية الدينية للمناطق، لكنها واجهت العديد من المشكلات، على سبيل المثال:
في البنجاب، أُعطيت مدينة لاهور، التي كان لديها سكان من الهندوس والسيخ والمسلمين، إلى باكستان، مما أدى إلى الهجرة والعنف. في البنغال، تم تقسيم المناطق ذات التركيبة الدينية المعقدة بشكل غير مكتمل. في كشمير، التي كانت تضم أغلبية مسلمة لكن حاكمها كان هندوسياً، لم يتم توضيح الوضع، مما أدى إلى النزاع الرئيسي بين الهند وباكستان.
لم يعد رادكليف إلى شبه القارة أبداً وأعرب لاحقاً عن ندمه على عواقب عمله. أدت قراراته، التي نُفذت بدعم من ماونتباتن، إلى نزوح حوالي 12 مليون شخص ومقتل مئات الآلاف في أعمال عنف عرقية.
كانت إحدى أهم نقاط الخلاف هي وضع كشمير، وهي منطقة ذات أغلبية مسلمة يحكمها حاكم هندوسي. لم تعمل بريطانيا على حل هذه المسألة، ونتيجة لذلك، أصبحت كشمير نزاعاً حدودياً مستمراً لا يزال قائماً حتى اليوم.
لا يقتصر دور بريطانيا في تقسيم شبه القارة على قرارات ماونتباتن أو رادكليف فقط. فقد تركت هذه الدولة شبه القارة في وضع هش بسياساتها الاستعمارية، مثل إضعاف الاقتصاد المحلي وتفاقم الخلافات الدينية.
مرحلة ما بعد الاستعمار
بعد انتهاء الاستعمار البريطاني في شبه القارة الهندية واستقلال الهند وباكستان في عام 1947، لم ينته دور بريطانيا في شؤون هذين البلدين. على الرغم من أنها لم تعد قوة استعمارية مباشرة، إلا أن سياساتها في فترة ما بعد الاستعمار، خاصة خلال الحرب الباردة (من أربعينيات إلى تسعينيات القرن العشرين)، كان لها تأثيرات سلبية كبيرة على العلاقات بين الهند وباكستان.
جاءت هذه التأثيرات بشكل أساسي من خلال الدعم الاستراتيجي لباكستان، والمواقف الدبلوماسية تجاه كشمير، وتصعيد المنافسات الإقليمية التي ساهمت في التوترات الثنائية.
كانت الهند وباكستان، اللتان حصلتا على استقلالهما حديثاً، عرضة للخطر في هذه المنافسة العالمية بسبب الخلافات الحدودية (خاصة حول كشمير) والضعف الاقتصادي الناجم عن الاستعمار. استغلت بريطانيا هذا الوضع واتخذت سياسات أدت غالباً إلى تصعيد التوترات بدلاً من تخفيفها.
أحد أهم الإجراءات السلبية التي اتخذتها بريطانيا خلال الحرب الباردة كان الدعم الاستراتيجي والعسكري لباكستان، مما أدى إلى سباق تسلح مع الهند. في أوائل الخمسينيات، اختارت بريطانيا، جنباً إلى جنب مع الولايات المتحدة، باكستان كحليف رئيسي في جنوب آسيا. كان هذا القرار جزءاً من استراتيجية احتواء الشيوعية، حيث كانت باكستان تعتبر قاعدة مهمة لمراقبة أنشطة الاتحاد السوفيتي بسبب قربها الجغرافي من أفغانستان والشرق الأوسط.
دفع هذا الدعم الأحادي لباكستان الهند نحو الاتحاد السوفيتي. فالهند، التي شعرت بأن الكتلة الغربية تدعم منافستها، وقعت اتفاقيات عسكرية واقتصادية مع الاتحاد السوفيتي وتلقت أسلحة مثل مقاتلات ميغ-21. نتيجة لهذه السياسة، تحولت شبه القارة إلى ساحة للمنافسة بالوكالة خلال الحرب الباردة، مما زاد من حدة التوترات بين الهند وباكستان.
تأثيرات اقتصادية استعمارية على العلاقات الهندية الباكستانية
ساهمت الهياكل الاقتصادية التي أنشأتها بريطانيا بعد الاستقلال، بشكل مباشر وغير مباشر، في التوترات والمنافسات بين الهند وباكستان. يمكن رؤية هذه التأثيرات في عدة مجالات:
المنافسة على الموارد الطبيعية، خاصة المياه
وزع تقسيم شبه القارة من قبل بريطانيا الموارد الطبيعية بشكل غير متساوٍ بين الهند وباكستان. أحد أهم هذه الموارد كان مياه أنهار حوض السند التي تنبع من كشمير.
لم تولِ بريطانيا اهتماماً كافياً لأهمية هذه الموارد عند رسم الحدود (من قبل لجنة رادكليف). حصلت الهند على السيطرة على منابع هذه الأنهار في كشمير، بينما كانت باكستان تعتمد على هذه المياه لزراعتها.
أدى هذا التفاوت إلى خلافات خطيرة. على سبيل المثال، في الخمسينيات، قللت الهند تدفق المياه إلى باكستان من خلال إغلاق قنوات الري، مما أدى إلى أزمة اقتصادية في باكستان.
على الرغم من أن معاهدة السند في عام 1960 بوساطة البنك الدولي حلت هذه المشكلة إلى حد ما، إلا أن قضية المياه لا تزال أحد نقاط التوتر، خاصة لأن الهند يمكن أن تستخدمها كوسيلة للضغط. يكمن جذر هذا الخلاف في ترسيم الحدود الخاطئ من قبل بريطانيا.
الضعف الاقتصادي وسباق التسلح
أجبر الاقتصاد الضعيف الموروث من الحقبة الاستعمارية الهند وباكستان على تخصيص مواردهما المحدودة للتنافس العسكري بدلاً من التنمية الاقتصادية.
كانت شبه القارة في وقت الاستقلال تفتقر إلى بنية تحتية صناعية قوية، لأن بريطانيا منعت عمداً التصنيع. أدى هذا الضعف إلى اعتماد كلا البلدين على الدول الأجنبية لتلبية احتياجاتهما الأساسية، بما في ذلك الغذاء والمعدات العسكرية.
ساهمت هذه التبعية في سباق التسلح. على سبيل المثال، في حرب 1965 حول كشمير وران كاتش، أنفق كلا البلدين موارد اقتصادية محدودة على شراء الأسلحة، بينما كان اقتصادهما لا يزال يعاني من آثار الاستعمار. كان جذر هذا التنافس في الضعف الاقتصادي الذي خلقته بريطانيا.
الخلافات التجارية وغياب التعاون الإقليمي
حول الهيكل الاقتصادي المعتمد الذي أنشأته بريطانيا الهند وباكستان إلى منافسين تجاريين بدلاً من شركاء متعاونين.
في العصر الاستعماري، كانت التجارة في شبه القارة موجهة نحو بريطانيا، وكانت التجارة الداخلية بين المناطق (مثل البنجاب والبنغال) قليلة الأهمية. بعد الاستقلال، أدى هذا النمط إلى منافسة بين الهند وباكستان للسيطرة على الأسواق الإقليمية. على سبيل المثال، فرضت باكستان والهند تعريفات عالية وحواجز تجارية ضد بعضهما البعض بدلاً من إنشاء سوق مشتركة في جنوب آسيا. منعت هذه المنافسة تشكيل كتلة اقتصادية قوية كان يمكن أن تساعد في تنمية كلا البلدين.
ساهم غياب التعاون الاقتصادي، الذي كانت جذوره في الأنماط الاستعمارية، في تعزيز انعدام الثقة والتوترات السياسية.
تمثل النزاعات بين الهند وباكستان واحدة من أكثر القضايا تعقيداً في العلاقات الدولية المعاصرة، وعلى الرغم من مرور أكثر من سبعة عقود على استقلال البلدين، إلا أن جذور هذه النزاعات لا تزال قائمة بشكل مباشر على القرارات والسياسات البريطانية الاستعمارية. فمن خلال تقسيم شبه القارة الهندية بطريقة متسرعة وغير مدروسة، وترسيم الحدود بشكل عشوائي، خاصة في كشمير، وضعت بريطانيا الأساس لصراع مستمر بين هذين البلدين. كما أن السياسات الاقتصادية الاستعمارية أضعفت البنية الاقتصادية لكلا البلدين، مما دفعهما للتنافس على الموارد المحدودة بدلاً من التعاون المشترك.

 

البحث
الأرشيف التاريخي