كيف تحَكّم الغرب بالعالم عبر أساطير زائفة؟
ناصر سعيد
كاتب ومحلل فلسطيني
بعد الحرب العالمية الثانية، ظهر نظام دولي بُني على أكاذيب ممنهجة صنعتها وروجتها القوى الغربية لترسيخ هيمنتها على العالم. هذه الأكاذيب لم تكن عابرة، بل أساطير متجذرة ساهمت في خلق واقع مزيف تم فرضه سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا على الشعوب. يستكشف هذا المقال بعمق وتفصيل كيف استخدمت القوى الغربية سرديات زائفة حول التفوق الحضاري وحقوق الإنسان والسوق الحرة والديمقراطية والسلام كأدوات لتحقيق مصالحها وإدامة سيطرتها العالمية.
أكذوبة التفوق الحضاري لم تكن سردية «التفوق الحضاري الغربي» مجرد اعتزاز بالمنجزات العلمية أو الثقافية، بل غطاءً لأفعال استعمارية همجية شملت الإبادة والعبودية والقمع الوحشي.
الأمثلة التاريخية واضحة
الاستعمار البريطاني ارتكب فظائع في كينيا والهند، والاستعمار الأمريكي تسبب في إبادة جماعية في الفلبين. الناقد جورج مونبيوت والمفكر ديلان رودريغيز يشيران إلى أن هذه الجرائم تم تزييفها أو محوها عمدًا لتصوير الغرب بأنه منقذ ومُحرّر.
حقوق الإنسان كقناع سياسي من المفارقات الكبرى في النظام الدولي أن حقوق الإنسان أصبحت سلاحًا سياسيًا انتقائيًا. الغرب يرفع لواء حقوق الإنسان حين يخدم ذلك مصالحه، لكنه يتجاهلها تمامًا عندما يتعلق الأمر بانتهاكات حلفائه. تظهر ازدواجية المعايير بوضوح في التعامل مع الأزمة الأوكرانية مقارنة بالقضية الفلسطينية، مما يفقد هذا المفهوم السامي معناه الحقيقي في عيون الكثيرين.
وهم السوق الحرة والنظام الاقتصادي العالمي تأسست مؤسسات «بريتون وودز» مثل صندوق النقد والبنك الدولي بعد الحرب العالمية الثانية على وعد بالرخاء للجميع عبر السوق الحرة. لكن الواقع أثبت أن هذه المؤسسات خدمت الهيمنة الاقتصادية الغربية أكثر مما خدمت التنمية العالمية. فسياسات «التكيف الهيكلي» أدت إلى أضرار جسيمة في إفريقيا وغيرها، ما أكدته الكاتبة «أرونداتي روي» في تحليلها لهيمنة الشركات العابرة للحدود.
الديمقراطية الغربية
كذبة الاختيار الحر في الديمقراطيات الغربية التي تُقدم كنماذج مثالية، يكشف الواقع عن نفوذ هائل للمال السياسي والمصالح الخاصة. لقد حذر الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر من تحول الديمقراطية إلى «أوليغاركية»، فيما أظهرت دراسات مثل تلك الصادرة عن جامعة برينستون أن النخبة المالية هي من تتحكم بالقرارات. أما على المستوى الدولي، فقد دعم الغرب بوضوح انقلابات عسكرية ضد حكومات منتخبة ديمقراطيًا في إيران وتشيلي وغيرها.
السلام والأمن الدولي كذرائع للحرب
استخدمت القوى الكبرى شعارات «السلام» و»الأمن الدولي» لتبرير حروب مدمرة. حروب العراق وليبيا وأفغانستان وغزة تشهد على زيف هذه الادعاءات. تقارير لجنة تشيلكوت والتحقيقات الاستقصائية حول غزو العراق تثبت بوضوح أن مبررات هذه الحروب كانت مبنيةً على أكاذيب متعمدة، كما بيّن الباحث «ميكا زينكو» في حديثه عن التدخل في ليبيا.
انهيار أكاذيب الهيمنة اليوم، بفضل انتشار الإعلام البديل ومنصات التواصل الاجتماعي، بدأت هذه الأكاذيب تتصدع أمام أعين العالم. ظهور قوى عالمية جديدة مثل الصين وروسيا ومجموعة بريكس يسهم في كشف زيف النظام القديم ويقدم روايات بديلة تكشف التناقضات الغربية. من حركات إسقاط التماثيل الاستعمارية إلى الاعتذارات الرسمية، يشهد العالم ولادة وعي جديد قد يضع نهاية لهيمنة الأكاذيب الغربية.
