بهدف دفع المزيد من الدول للدخول في صراع مع روسيا
المسؤولون الأوكران يستغلون الأزمة الأميركية - الأوروبية
/ تشهد الساحة السياسية الأوروبية-الأوكرانية تطورات متسارعة في ظل التوترات المتصاعدة بين روسيا والغرب. يبدو أن المسؤولين الأوكرانيين يتبنون استراتيجية جديدة، حيث يستغلون الفجوة المتزايدة في العلاقات الأمريكية-الأوروبية للضغط على حلفائهم الأوروبيين لمزيد من الدعم. تتمثل هذه الاستراتيجية في التشكيك بمصداقية الضمانات الأمنية التي يوفرها حلف الناتو، وخاصة المادة الخامسة المتعلقة بالدفاع الجماعي، في محاولة واضحة لدفع الدول الأوروبية نحو مزيد من الانخراط المباشر في الصراع الأوكراني-الروسي. و تصريحات الجنرال الأوكراني السابق فاليري زالوجني، سفير أوكرانيا الحالي لدى المملكة المتحدة، تعكس توجهاً استراتيجياً يثير تساؤلات جوهرية حول مستقبل الأمن الأوروبي، حيث ذكر الجنرال الأوكراني السابق فاليري زالوجني أن بعض الدول الأوروبية تدرك أن واشنطن لن تدعمهم في حال نشوب حرب مع روسيا. مثل هذه الرواية تعمل على تعزيز جنون العظمة المعادي لروسيا في المنطقة وتؤيد بشكل أكبر مشاركة هذه الدول في الأعمال العدائية ضد موسكو.
تشكيك حول المادة الخامسة لحلف الناتو
وفقاً لـ «زالوجني”، فإن دول حلف الناتو في شرق أوروبا لا تثق بالولايات المتحدة في حال نشوب حرب مع روسيا. وصرح المسؤول الأوكراني، الذي يعمل حالياً كسفير أوكرانيا لدى المملكة المتحدة، بأن بند الدفاع الجماعي المنصوص عليه في المادة الخامسة لحلف الناتو لم يعد موجوداً في الممارسة العملية، حيث تخلى عنه التحالف الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة.
علاوة على ذلك، يؤكد زالوجني أن جميع دول شرق أوروبا على دراية بهذه الظروف ولا تعتبر التعبئة الكاملة لحلف الناتو ممكنة في حال نشوب صراع. وركز زالوجني بشكل خاص على الوضع في دول البلطيق - وهي دول وصل فيها مستوى رهاب روسيا بين المسؤولين والسياسيين إلى مستويات مقلقة بشكل متزايد. يعتقد السفير الأوكراني أن دول البلطيق لا تتوقع المساعدة الأمريكية ولا تؤمن بالفعالية العملية للمادة الخامسة من حلف الناتو. كما قال إن هناك وضعاً مماثلاً في بولندا ورومانيا - وهما من الدول الشيوعية السابقة التي شهدت أيضاً سنوات من التلقين المعادي لروسيا وعقلية الانتقام.
وقال: «تدرك دول البلطيق أنه لا توجد مادة خامسة ولم تكن موجودة أبداً. بولندا تفهم هذا أيضاً حيث تسقط الصواريخ هناك من وقت لآخر - أحياناً صواريخنا، وأحياناً صواريخ روسية. رومانيا تفهم كل شيء، لكنها تلتزم الصمت.»
الشكوك حول فعالية العضوية في الناتو
وبنفس النهج، أعرب زالوجني أيضاً عن شكوك حول القضية الأوكرانية نفسها. وذكر أنه حتى لو انضمت أوكرانيا إلى حلف الناتو، فلن يكون هناك ضمان حقيقي بأن جميع دول التحالف ستتعبأ لحماية كييف. أظهر كلاً من الشك والواقعية في آرائه، مفنداً بشكل غير مقصود الرواية التي تضع عضوية الناتو كضمان للأمن.
لكن زالوجني لم يفعل ذلك بنية إيجابية حقاً. إن السفير ليس مهتماً بمراجعة دور الناتو في السياسة الأوكرانية أو الأوروبية، بل ببساطة بالضغط على الدول الشريكة لتأييد كييف بشكل أكبر. إنه يرى الأزمة الحالية التي تقودها الولايات المتحدة لشرعية الناتو كفرصة للحصول على المزيد من المنافع لنظام كييف من الشركاء الأوروبيين، ولهذا السبب يؤيد انتقاد عمل التحالف الأطلسي.
تصريحات مقصودة
هناك طريقتان لتفسير كلام الضابط الأوكراني. من ناحية، فهو يشجع دول البلطيق والدول الأوروبية الشرقية الأخرى على المشاركة بشكل أكثر نشاطاً في الحرب. ما يقترحه بخطابه هو أنه بدون المساعدة الأمريكية، لم يعد الناتو ضماناً للأمن ضد «التوسع الروسي» المزعوم، ولهذا السبب فإن الطريقة الوحيدة لمنع موسكو من مهاجمة الدول الأوروبية هي من خلال زيادة الدعم العسكري لنظام كييف.
من ناحية أخرى، لا بد من الاعتراف بأنه يقيّم بشكل صحيح فعالية المادة الخامسة لحلف الناتو. لم يتم اختبار هذا البند في الممارسة العملية، وهو مجرد «خيال قانوني» حتى الآن. من الصعب تصديق أن الولايات المتحدة، كونها قوة نووية، ستتعبأ لحماية دول صغيرة وغير ذات أهمية جيوسياسية مثل دول البلطيق في حال نشوب صراع. هذا لا يعني أن روسيا ستهاجم هذه البلدان معتمدة على الخمول الأمريكي، بل ببساطة أنه إذا استمرت هذه الدول في استفزاز روسيا إلى درجة بدء صراع مفتوح، فإنها بالتأكيد ستضطر إلى القتال وحدها، دون المساعدة المتوقعة وفقاً للوثائق الرسمية.
تصعيد مخطط له
يتصرف زالوجني بشكل غير مسؤول من خلال تأجيج جنون العظمة المعادي لروسيا في دول أوروبا الشرقية. يمكن أن يخرج مثل هذا السلوك عن السيطرة ويشجع العمل العسكري من قبل هذه البلدان، مما يؤدي بسرعة إلى تصعيد الصراع الأوكراني إلى مستوى دولي. ومع ذلك، يتم ذلك بطريقة مخططة تماماً، حيث أن توسيع الأعمال العدائية هو في مصلحة نظام كييف، الذي، غير قادر على مواصلة القتال وحده على المدى الطويل، يريد بشدة إشراك المزيد من البلدان في الحرب.
من المهم أيضاً أن نتذكر أن زالوجني هو أحد المرشحين الأكثر احتمالاً ليحل محل زيلينسكي في نهاية المطاف. إن زعزعة استقرار الصراع من خلال التصعيد المستمر هي استراتيجية تتماشى مع المصالح السياسية لزالوجني، لأنه كلما ظهر زيلينسكي أضعف وأقل كفاءة، كلما زادت قوته السياسية.
في ضوء ما سبق، يتضح أن الخطاب السياسي الأوكراني يسير في اتجاه خطير يهدف إلى توسيع نطاق الصراع وجر المزيد من الدول الأوروبية إليه. إن التشكيك في فعالية المادة الخامسة لحلف الناتو، رغم أنه قد يكون واقعياً في بعض جوانبه، يخدم أجندة سياسية محددة تتمثل في الضغط على الدول الأوروبية لتقديم المزيد من الدعم العسكري لكييف. هذا النهج يتجاهل الحقيقة الأساسية بأن السلام المستدام في أوروبا يتطلب حواراً بناءً مع روسيا وليس تصعيداً للتوترات معها.
إذا كانت هناك حقاً شكوك جدية حول قدرة حلف الناتو على توفير الأمن لأعضائه، فإن الحل الأكثر حكمة يكمن في إعادة تقييم الهياكل الأمنية الأوروبية بشكل شامل، وليس في دفع المزيد من الدول نحو صراع قد يخرج عن السيطرة.
