في ظل التوتر مع الإتحاد الأوروبي
المجر تعد لتحالف استراتيجي مع أميركا؟
/ تشهد العلاقات بين المجر والاتحاد الأوروبي توتراً متصاعداً في ظل الأزمة الأوكرانية المستمرة منذ ثلاث سنوات، حيث اتخذت بودابست موقفاً مغايراً عن باقي دول الاتحاد فيما يتعلق بكيفية إدارة هذا الصراع. فبينما تدعم أغلب الدول الأوروبية استمرار الدعم العسكري والمالي لأوكرانيا، تتبنى حكومة رئيس الوزراء فيكتور أوربان موقفاً أكثر تحفظاً، داعية إلى وقف إطلاق النار والعودة إلى طاولة المفاوضات. هذا الموقف المخالف وضع المجر في مواجهة مع شركائها الأوروبيين، خاصة بولندا، التي تعد من أشد الداعمين للموقف الأوكراني.
في ظل هذه الظروف المعقدة، بدأت المجر بالبحث عن بدائل استراتيجية لتأمين مصالحها الاقتصادية التي تكبدت خسائر فادحة بسبب هذا الصراع، وذلك من خلال الاستعداد لبناء شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة بقيادة الرئيس دونالد ترامب. هذا التوجه يعكس استراتيجية براغماتية تتبناها بودابست في سياستها الخارجية، حيث ترى في الرؤية الأمريكية الحالية للأزمة الأوكرانية فرصة لتحقيق هدفها المتمثل في إنهاء الصراع، وفي الوقت نفسه بناء تحالف اقتصادي يقيها من التبعات السلبية المحتملة للسياسات التجارية الأمريكية تجاه الاتحاد الأوروبي.
تخطيط لإتفاق استراتيجي
نقلاً عن وكالة «إنترفكس» للأنباء، أعلن فيكتور أوربان، رئيس وزراء المجر، أن بلاده والولايات المتحدة ستوقعان اتفاقية استراتيجية وعقد تعاون اقتصادي بعد انتهاء الصراع العسكري في أوكرانيا.
وأوضح أوربان في مؤتمر صحفي يوم السبت بعنوان «النتائج الاقتصادية لعام 2025» قائلاً: «بعد انتهاء الصراع في أوكرانيا، الذي نأمل أن نشهده في أقرب وقت ممكن، سيتم تشكيل تحالف استراتيجي بين الولايات المتحدة والمجر، وستتم الموافقة على حزمة من اتفاقيات التعاون الاقتصادي التي ستساعد اقتصاد بلدنا كثيراً».
وشرح أوربان أن بودابست بحاجة إلى التعاون الاقتصادي مع واشنطن للحد من التأثير المحتمل لفرض الرسوم الجمركية الأمريكية ضد الاتحاد الأوروبي. وبحسب قوله، قد تتضرر الدول الأعضاء في هذه الكتلة في حالة نشوب حرب تجارية، لكن هذا الاتفاق يمكن أن يساعد المجر.
أضرار اقتصادية جسيمة
ذكّر رئيس وزراء المجر بأن اقتصاد بلاده خسر 20 مليار يورو خلال السنوات الثلاث من الصراع في أوكرانيا. وأضاف أوربان: «20 مليار يورو تعتبر خسارة جسيمة جداً لاقتصاد وطني بحجم المجر».
ووفقاً له، كان هذا الأمر هو السبب الرئيسي لعدم توقيع بودابست على اتفاقية مع 26 دولة في الاتحاد الأوروبي. وتؤكد هذه الاتفاقية «عملياً على ضرورة إرسال المزيد من الأسلحة والمساعدات المالية إلى أوكرانيا. في حين أن هذا خطأ، فلنتجنب اتخاذ مثل هذا الموقف».
وشدد مرة أخرى على أنه من مصلحة المجر أن ينتهي الصراع العسكري في أوكرانيا في أسرع وقت ممكن من خلال وقف إطلاق النار والمفاوضات.
الإتحاد الأوروبي عائق أمام السلام
في هذا السياق، اتهم بيتر سييارتو، وزير خارجية المجر، الحكومة البولندية والاتحاد الأوروبي بإعاقة مفاوضات السلام لحل الصراع في أوكرانيا. وكتب في منشور على شبكة فيسبوك الاجتماعية قبل يومين: “من المخجل أن الحكومة البولندية - إلى جانب آخرين من المقيمين في بروكسل - تسعى لمنع تقدم مفاوضات السلام في أوكرانيا. مثل هذا السلوك من بروكسل هو ما يعزل الاتحاد الأوروبي”.
كما أكد سييارتو أن غالبية دول العالم بقيادة الولايات المتحدة ترغب في التوصل إلى حل سلمي. وأضاف أن جهود دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة، لإحلال السلام «يمكن أن تنجح».
وشدد وزير خارجية المجر على أن بعض الدول الأوروبية ليس لديها رغبة في حل الصراع في أوكرانيا وتسعى لاستمراره من أجل إضعاف روسيا، ولهذا السبب تتشكل في أوروبا مجموعات لا ترغب في إنهاء الحرب.
إعادة تموضع
تمثل استراتيجية المجر المتمثلة في التقارب مع الولايات المتحدة نموذجاً فريداً لدبلوماسية الدول المتوسطة الحجم في مواجهة التحديات الجيوسياسية الكبرى. فحكومة أوربان، التي غالباً ما توصف بأنها «مارقة» داخل الاتحاد الأوروبي بسبب مواقفها المستقلة في العديد من القضايا، تستثمر الآن في فرصة تاريخية لإعادة تموضع بلادها على الخارطة السياسية والاقتصادية الأوروبية. فالخسائر الفادحة التي تكبدها الاقتصاد المجري، والتي قدرها أوربان بـ20 مليار يورو، دفعت الحكومة المجرية إلى التفكير خارج صندوق السياسات الأوروبية التقليدية.
وفي الواقع، فإن التحالف الاستراتيجي المنتظر بين بودابست وواشنطن يحمل في طياته العديد من الأبعاد السياسية والاقتصادية. فمن الناحية الاقتصادية، تسعى المجر إلى تأمين نفسها من التداعيات السلبية المحتملة لأي حرب تجارية قد تنشب بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وهو سيناريو يبدو أكثر احتمالاً في ظل سياسات إدارة ترامب التجارية. كما أن هذا التحالف سيفتح أمام المجر أسواقاً جديدة ويوفر لها فرصاً استثمارية مهمة في وقت تعاني فيه من تباطؤ اقتصادي ناجم عن الصراع الأوكراني.
أما من الناحية السياسية، فإن تصريحات المسؤولين المجريين تعكس انزعاجاً متزايداً من تعامل الاتحاد الأوروبي مع الأزمة الأوكرانية. فاتهام وزير الخارجية المجري بيتر سييارتو للحكومة البولندية وللاتحاد الأوروبي بعرقلة مفاوضات السلام يظهر الهوة المتزايدة بين رؤية بودابست وبروكسل لحل الصراع. وهنا يأتي التقارب مع إدارة ترامب، التي تتبنى موقفاً أقرب إلى الرؤية المجرية بشأن ضرورة التوصل إلى حل سلمي عبر المفاوضات.
إن مستقبل العلاقات المجرية-الأمريكية سيرتبط بشكل وثيق بتطورات الأزمة الأوكرانية، والتي يبدو أن الجميع - باستثناء بعض الدول الأوروبية حسب وصف المسؤولين المجريين - يتطلع إلى إنهائها في أقرب وقت ممكن. ومع ذلك، فإن الرهان على تحول جذري في العلاقات الدولية بعد انتهاء هذا الصراع يحمل في طياته مخاطر كبيرة للمجر، التي قد تجد نفسها معزولة أكثر داخل الاتحاد الأوروبي إذا ما استمرت في سياستها المستقلة. لكن يبدو أن حكومة أوربان قد حسمت خياراتها، معتبرة أن المصالح الاقتصادية المجرية أولى بالاعتبار من التناغم مع السياسات الأوروبية التي تراها متسرعة وغير محسوبة النتائج فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية.
