إدارة البلاد وتسيير أمور العباد من الأمور التي لا يمكن إنجازها باتخاذ القرارات وليدة اللحظة وتحت ضغط الظرف الراهن. فأهمّ ما يميز الإدارة الصحيحة هو التفكير على المدى البعد لوضع الأهداف الكبرى البعيدة والقريبة ودرس الإمكانيات.وتنمية التفكير الإستراتيجي، ووضع الخطط الإستراتيجية، وصياغة القرارات الإستراتيجية والإشراف عليها، هو من أولويات السياسة الإيرانية لاستشراف مستقبل الدولة ورسم الخطط العامة للنهوض بالمستقبل الإيراني بما يتلاءم والمنزلة العالمية المأمولة لهذا البلد، وهو بالضبط ما يدور الحديث عنه في كتاب «إيران الإسلامية في أفق الرؤية المستقبلية» والذي أعده نخبة من الخبراء والأساتذة المختصصين في الأمانة العامة لمجمع تشخيص مصلحة النظام، ويضم كمّاً كبيراً من الوثائق الهامة ضمن فصول خمسة، وهو صادر عن مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي . يتناول الفصل الأول من الكتاب المبادىء النظرية لتدوين الإستراتيجية المستقبلية. ويعرض الفصل الثاني: مسيرة التطور النظري والعملي (التجريبي) للرؤية المستقبلية من جهة التخطيط والإدارة الإستراتيجية في عملية تدوين تلك الخطة. أما الفصل الثالث فيسلط الضوء على البيئة الخارجية، فيحلل النظام الإقليمي عقب تقديم تحليل مسهب لمسيرة التطورات الطارئة في العقود الأخيرة على النظام الدولي والقوى الكبرى واللاعبين في المسرح الدولي. أما الفصل الرابع من الكتاب؛ فيتطرق إلى تحليل البيئة الداخلية في إيران، ويناقش مسيرة التنمية الوطنية اعتباراً من منتصف القرن الماضي إلى الآن، ويبحث كذلك في المعايير والمؤشرات الكلية في القطاعين الإجتماعي والإقتصادي، فضلاً عن القابليات والطاقات والإمكانات المتوافرة في مجال الإنتاج القومي.
وأخيراً يتناول الفصل الخامس من الكتاب تحليل العوامل البيئية الإستراتيجية، ويشدد على ضرورة وجود رؤية مستقبلية للمواءمة بين الخطط متوسطة المدى وعملية بناء السيناريوهات. ويذكر الفصل باختصار أهداف النظام المصرّح بها في الدستور الإيراني والأسس المعيارية المستمدة من نص القرآن الكريم، والسيرة النبوية، ونهج الأئمة، وخطابات مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران، وتوجيهات قائد الثورة الإسلامية.
على أمل أن تهيّأ الأرضية المناسبة لتنمية التفكير الاستراتيجي، ووضع الخطط الاستراتيجية، وصياغة القرارات الاستراتيجية والإشراف عليها، في الجمهورية الإسلامية في إيران أكثر من أي وقت مضى، وأن تتوخى السرعة اللازمة في تحقيق الأهداف المنشودة من الرؤية المستقبلية على الصعيد الوطني، كل ذلك في ضوء المساعي الجماعية المدروسة والخطط الخبروية المنبثقة من البحث العلمي المعمّق.