تم الحفظ في الذاكرة المؤقتة...
عراقجي، مُؤكّداً أن إيران لا تشتري أمنها، بل تصنعه:
الأمن الحقيقي لا يأتي من دعم القوى الأجنبية
وجاء في مقال كتبه عراقجي ونشرته صحيفة «اطلاعات»: إن الحفاظ على الاستقلال له ثمن دفعته إيران دائماً. منذ الأيام الأولى للثورة الإسلامية، كانت الضغوط الاقتصادية والعقوبات والتهديدات العسكرية والحروب بالوكالة كلها مصممة لتحويل إيران إلى طرف تابع في النظام الدولي.لم يكن الخلاف الأخير في البيت الأبيض بين دونالد ترامب، وجي دي فانس، وفولوديمير زيلينسكي مجرد خلاف عادي؛ لقد كشف هذا الحدث عن تصدعات عميقة تتسع داخل النظام الدولي.
هناك الكثير من التكهنات حول هذه الحادثة، هل تم التخطيط لهذا الصراع عمداً؟ أم أن الأمر خرج عن السيطرة؟ فهل كان الهدف إرسال رسائل داخلية وخارجية، أم كان مؤشرا على فشل آليات التنسيق في السياسة الخارجية الأميركية؟ ومن المؤكد أن هذه الحادثة قدمت صورة لعالم فوضوي حيث لم تعد القرارات تُتخذ من فراغ.
عدم اليقين الدبلوماسي لأمريكا
منذ سنوات، عملت واشنطن على ترسيخ مكانتها كمركز لصنع القرار في العالم الغربي. ولكن اليوم لم تعد هذه المركزية بلا منازع. ويشكل الخلاف الذي اندلع في قلب البيت الأبيض رمزاً للشكوك الاستراتيجية، وعدم اليقين الدبلوماسي، والخلافات التي لم يتم حلها داخل الكتلة الغربية. دخلت إدارة ترامب ساحة السياسة العالمية تحت شعار استعادة «السلام السريع».
الوعد الذي اعتبره كثيرون متفائلاً أكثر من اللازم أصبح الآن يشكل ضغطاً مضاعفاً على الرئيس الأميركي ونائبه. ويواجه ترامب وفانس تحديا حقيقيا: هل سيتمكنان من الوفاء بالتزاماتهما في ظل وضع تتضمن فيه الحرب مصالح العديد من الجهات الفاعلة؟.
أوكرانيا؛ من التبعية إلى التمرد
ومن الرسائل المهمة التي يحملها هذا النزاع هو التغير في موقع أوكرانيا في معادلة القوة. في الأيام الأولى للحرب، اعتمد زيلينسكي على المساعدات الغربية أكثر من أي وقت مضى. لكن اليوم، في قلب البيت الأبيض، يقف أمام رئيس الولايات المتحدة ويقدم رداً حاداً. وهذه إشارة إلى أنه حتى الدول التي تلقت الدعم من واشنطن لسنوات لم تعد تقبل أن ينظر إليها باستخفاف.
لقد أظهرت أوكرانيا الآن، سواء كلاعب مستقل أو كبيادق على رقعة شطرنج القوى العالمية، أنه حتى الحلفاء الصغار يدفعون ثمنًا للحفاظ على كرامتهم ومكانتهم.
أوروبا وظلال التصدعات الجديدة
والسؤال الكبير الآخر يتعلق برد أوروبا. هل ستبقى القارة موحدة في دعم أوكرانيا؟ أم أن هذا النزاع سيكشف عن تصدعات أعمق على الجبهة الغربية؟ وكانت فرنسا وألمانيا وحلفاء أوروبيون آخرون قد اتخذوا في البداية موقفا أكثر حذراً تّجاه حرب أوكرانيا. كانت الاختلافات في سياسات الدفاع والأمن موجودة منذ البداية.والآن، مع المشادة الكلامية بين زعماء البيت الأبيض وزيلينسكي، أصبحت هذه الاختلافات واضحة تماما. والآن يواجه الأوروبيون، الذين كانوا أكثر حذراً بشأن التطورات في أوروبا الشرقية منذ البداية، سؤالاً جديداً: هل لا تزال واشنطن تتمتع بالقوة والإرادة لقيادة جبهة موحدة في الغرب؟.
طريق الحكمة والتعقل
وفي ظل هذه الأجواء المضطربة، تدرس الجمهورية الإسلامية الإيرانية التطورات بعناية وحذر. إن الاضطرابات في السياسة الدولية تضر دائما بالاستقرار والأمن العالميين. وعلى النقيض من العديد من الجهات الفاعلة المنخرطة في التوترات الكلامية والسياسات المتسرعة، فقد أكدت إيران دائما على المبادئ التي تركز على الاستقلال والاحترام المتبادل وتجنب الانخراط في خطابات غير بناءة. ولكن استقلال إيران ليس حادثا أو نتيجة لشروط مفروضة؛ بل كان ذلك خياراً واعياً، وقراراً استراتيجياً، ومبدأً ثابتاً في السياسة الخارجية للبلاد. وعلى النقيض من بعض البلدان التي سعت إلى تحقيق أمنها واستقرارها من خلال الاعتماد على القوى الأجنبية، فقد أدركت إيران منذ فترة طويلة أن مثل هذا الاعتماد لن يؤدي إلا إلى عدم الاستقرار وفقدان السيادة الوطنية.
إن الأمن الحقيقي لا يأتي من دعم القوى من خارج المنطقة، بل من القدرة المحلية، والاعتماد على القدرات الوطنية، والاعتماد على الشعب. ولهذا السبب اختارت إيران طريقا مختلفا؛ ومساراً لا يعتمد فيه مصير البلاد على قرارات الآخرين، وتتشكل السياسات على أساس المصالح الوطنية، وليس في ظل النصائح الأجنبية.إن الحفاظ على الاستقلال له ثمن دفعته إيران دائما. منذ الأيام الأولى للثورة الإسلامية، كانت الضغوط الاقتصادية، والعقوبات، والتهديدات العسكرية، والحروب بالوكالة كلها مصممة لتحويل إيران إلى طرف تابع في النظام الدولي.ولكن إيران، خلافا لتوقعات أعدائها، بقيت ثابتة وأظهرت أنها لن تستسلم للضغوط ، بل ستواصل مسيرتها نحو التنمية والتقدم بالاعتماد على قدراتها الداخلية.لقد أصبح هذا الاختيار الواعي مبدأً: إيران لا تشتري أمنها، بل تصنعه. نحن لا نعتمد على الآخرين لدعمنا، بل ندافع عن أنفسنا بالاعتماد على معرفتنا الداخلية وقوتنا وقدراتنا.
لقد أثبت التاريخ أن البلدان التي بنت أمنها على الاعتماد على الآخرين قد وقعت ضحية للأولويات المتغيرة للقوى الداعمة لها في اللحظات الحرجة.
لا تحتاج إيران إلى أن تستمد شرعيتها من موافقة الآخرين، لأن شرعيتها تنبع من إرادة الأمة والسياسات المستقلة. لقد اختارت إيران طريقها الخاص منذ سنوات، وهو طريق لا يعتمد على الدعم المشروط من القوى العالمية، ولا الوعود الدبلوماسية الهشة، ولا التهديدات الخارجية، كأساس لاتخاذ القرار. ما هو مهم بالنسبة لإيران هو الحفاظ على استقلالها، وتعزيز قدراتها الداخلية، والمضي على المسار المبني على المصالح الوطنية. وفي عالم تنخرط فيه القوى في نزاعات ومنافسات متقلبة كل يوم، أثبتت إيران، بثباتها في سياساتها، أن الاعتماد على الآخرين ليس خطراً فحسب، بل خطأ استراتيجياً أيضاً.
