”حليف” على مذبح المصالح

زيلينسكي يتجرّع كأس الذلّ و الخذلان في البيت الأبيض

 /  مرة أخرى تسقط أقنعة الدبلوماسية الأمريكية لتكشف عن وجهها الحقيقي في التعامل مع حلفائها. فبدلاً من مشهد الدعم والتضامن المتوقع، شهدت أروقة البيت الأبيض مشهداً صادماً من الإذلال العلني لحليف ورطته سابقا في معركة لا يقوى عليها. هذا المشهد لم يكن سوى تجسيد صارخ لسياسة طالما اتسمت بالمصلحة الذاتية المطلقة والتخلي عن الحلفاء متى لم تعد المنفعة مجدية. ففي لحظة فارقة، تحولت واشنطن من داعم معلن إلى خصم ضمني، ملقية بحليفها تحت عجلات المصالح المتغيرة والحسابات السياسية الباردة، غير مكترثة بالخسائر الأوكرانية خلال ثلاث سنوات، في مشهد تناقلته وسائل الإعلام العالمية يقدم درساً قاسياً لكل من يراهن على الوعود الأمريكية، ويرسم صورة واقعية لعالم تحكمه مقاييس القوة وحدها، وتتبدل فيه المواقف بتبدل المصالح.
اللقاء الذي كان من المقرر أن يعزز التعاون الاقتصادي والأمني بين الولايات المتحدة وأوكرانيا، تحول إلى مشهد مواجهة حادة وانتهى بإهانة للرئيس الأوكراني أمام كاميرات وسائل الإعلام العالمية. هذا الحدث وجّه ضربة للمكانة الدبلوماسية لأوكرانيا وأثار شكوكاً حول مدى استمرار الدعم الأمريكي المستقبلي لكييف.
مسار متعرج للعلاقات
ظلت العلاقات بين أوكرانيا والولايات المتحدة منذ استقلال أوكرانيا عام 1991 متأثرة دائماً بالتطورات الجيوسياسية، خاصة التوترات بين هذا البلد وروسيا. وبعد ضم القرم عام 2014 واندلاع الحرب في شرق أوكرانيا، أصبحت الولايات المتحدة من أبرز داعمي كييف، حيث قدمت مساعدات عسكرية واقتصادية واسعة النطاق لهذا البلد.
خلال فترة رئاسة جو بايدن، ازداد الدعم العسكري الأمريكي لأوكرانيا بشكل ملحوظ، لكن مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، تغيرت أولويات السياسة الخارجية الأمريكية. ترامب، الذي يؤكد على تقليص التدخل العسكري الأمريكي خارج البلاد، شكك مراراً في الدعم غير المشروط لأوكرانيا. لذلك، كان للقاء 28 فبراير 2025 أهمية استراتيجية لأوكرانيا، حيث كان سيحدد مصير استمرار المساعدات الأمريكية والعلاقات بين البلدين.
صدمة لقاء واشنطن
عُقد الاجتماع بين زيلينسكي وترامب في البيت الأبيض حول محورين رئيسيين: اتفاقية اقتصادية لاستخراج الموارد المعدنية الأوكرانية، والدعم العسكري الأمريكي للبلاد. لكن خلال هذا اللقاء، ظهرت خلافات جوهرية بين الطرفين:
اتهم ترامب زيلينسكي بالجحود، مشيراً إلى مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية والاقتصادية التي قدمتها أمريكا لأوكرانيا في السنوات الأخيرة، وقال إن أوكرانيا "بدلاً من إظهار الامتنان، تتوقع المزيد من أمريكا."
شدد الرئيس الأمريكي على ضرورة أن يجد زيلينسكي حلاً دبلوماسياً لإنهاء الحرب، وقال بصراحة: "أنتم تلعبون بالنار باستمرار هذه الحرب."
علق ترامب توقيع الاتفاقية الاقتصادية بين البلدين بسبب عدم شفافية الحكومة الأوكرانية بشأن تخصيص المساعدات الخارجية.
في النهاية، تصاعدت التوترات لدرجة أدت إلى إلغاء المؤتمر الصحفي المشترك المقرر، وغادر زيلينسكي البيت الأبيض بوجه عابس، و سج توارد أنباء عن أنه طُرد طرداً و لم يغادر بإرادته.
ردود فعل متباينة
كانت ردود فعل المجتمع الدولي على هذا الحدث سريعة. فقد أعرب القادة الأوروبيون، بمن فيهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتس، عن دعمهم غير المشروط لأوكرانيا وأكدوا على أهمية وحدة أوروبا في مواجهة العدوان الروسي. كما طمأن دونالد توسك، رئيس وزراء بولندا، زيلينسكي قائلاً: "لستم وحدكم." هذه التصريحات التي أكدت على الالتزام الجماعي بسيادة أوكرانيا كانت في تناقض واضح مع الموقف المتوتر للحكومة الأمريكية خلال هذا الاجتماع.
في المقابل، رحب المسؤولون الروس بالخلاف بين الولايات المتحدة وأوكرانيا. أشاد ديميتري ميدفيديف، الرئيس الروسي السابق، بموقف ترامب الحازم تجاه زيلينسكي، واعتبره مؤشراً على ضعف دعم الغرب لأوكرانيا. يمكن لهذا التصور أن يعزز الموقف الاستراتيجي لروسيا في المنطقة ويؤدي إلى تصعيد العمليات العسكرية أو زيادة الضغط السياسي على أوكرانيا.
تداعيات إهانة كييف
كان لهذا الصدام الدبلوماسي و الإهانة التي تلقاها زيلينسكي تداعيات سياسية واستراتيجية واسعة النطاق على أوكرانيا:
أظهرت المشاهد المنشورة من هذا اللقاء أن زيلينسكي كان في موقف دفاعي أمام ترامب ولم يستطع التحدث من موقع قوة. هذا الحدث أضعف مكانة أوكرانيا على الساحة الدولية.
أظهرت تصريحات ترامب وتعليق الاتفاقية الاقتصادية أن المساعدات الأمريكية لن تكون بدون شروط في المستقبل. هذا الأمر أثار قلق المسؤولين الأوكرانيين. أشار الكرملين بموضوح إلى هذا الصدع الدبلوماسي واعتبره علامة على ضعف أوكرانيا وتراجع الدعم الغربي.
أدى هذا الحادث إلى تعميق الخلافات بين القادة الأوروبيين والأمريكيين حول مستقبل دعم أوكرانيا.
آفاق غير واضحة للتسوية
يبدو مستقبل اتفاق وقف إطلاق النار بين أوكرانيا وروسيا غير واضح أيضاً. قد يضع إصرار الحكومة الأمريكية على تقديم أوكرانيا لتنازلات ضغطاً على كييف للقبول بمفاوضات غير مواتية. ومع ذلك، قد تقاوم القيادة الأوكرانية، بدعم من أوروبا، مثل هذه الضغوط، مما قد يؤدي إلى جمود طويل الأمد.
أما بالنسبة للاتفاقية المعلقة حول الموارد المعدنية، فإن استئنافها يعتمد على تحسن العلاقات الدبلوماسية بين واشنطن وكييف. يبدو أن إجراءات بناء الثقة، ربما بوساطة من الحلفاء الأوروبيين، ضرورية لاستئناف المفاوضات. في هذه الأثناء، قد تسعى أوكرانيا للتعاون مع دول أخرى لتطوير مواردها المعدنية لتعزيز اقتصادها وتقليل ضعفها أمام الضغوط السياسية الخارجية.
يعتقد المحللون أن هذا الحدث يظهر وجود انقسام في التحالف الغربي في دعم أوكرانيا. يرى البعض أن ضغط ترامب من أجل سلام سريع، دون مراعاة ظروف أوكرانيا، قد يكون لصالح روسيا. كما أن هذه المواجهة قد تضعف معنويات القوات الأوكرانية وتزيد الشكوك حول استمرار الدعم الدولي.
بشكل عام، هذا اللقاء المتوتر في البيت الأبيض لم يؤثر فقط على العلاقات الأمريكية الأوكرانية، بل سيكون له تداعيات واسعة على مستقبل الحرب وتوازن القوى في المنطقة.

 

البحث
الأرشيف التاريخي
<
2025 April
>
Su
Mo
Tu
We
Th
Fr
Sa
30 31 1 2 3 4 5
6 7 8 9 10 11 12
13 14 15 16 17 18 19
20 21 22 23 24 25 26
27 28 29 30 1 2 3
4 5 6 7 8 9 10
today
فروردین
<
2025 April
>
Su
Mo
Tu
We
Th
Fr
Sa
30 31 1 2 3 4 5
6 7 8 9 10 11 12
13 14 15 16 17 18 19
20 21 22 23 24 25 26
27 28 29 30 1 2 3
4 5 6 7 8 9 10
today
فروردین
<
2025 April
>
Su
Mo
Tu
We
Th
Fr
Sa
30 31 1 2 3 4 5
6 7 8 9 10 11 12
13 14 15 16 17 18 19
20 21 22 23 24 25 26
27 28 29 30 1 2 3
4 5 6 7 8 9 10
today
فروردین